عندما اندلعت الثورة السورية في درعا عام 2011، كانت الشابة دعاء الزامل من أوائل المشاركين بها رغم خوف أسرتها على سلامتها. مع تصاعد العنف ضد المتظاهرين، اضطرت الأسرة إلى الفرار مثل ملايين غيرهم. رحلة أخذت دعاء إلى مصر ثم إلى مخاطرة في البحر كانت فيها بين قلائل نجوا من انقلاب قارب يقل 500 شخص.
دعاء، التي لا تعرف السباحة، بقيت في البحر المتوسط لمدة 4 أيام بعد انقلاب القارب متشبثة بعوامة أطفال متهالكة حاملة بين ذراعيها طفلتين عهد بهما أفراد أسرتيهما إلى دعاء قبل غرقهم.
قصة دعاء نُقلت في كتاب “أمل أقوى من البحر” كتبته ميليسا فليمينغ وكيلة الأمين العام للتواصل العالمي عندما كانت متحدثة باسم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
أجرينا حوارا مع دعاء الزامل عبر الفيديو من السويد حيث تعيش الآن، وفي هذا المقال نترك لها المساحة لتتحدث عن تجربتها الصعبة مع اللجوء والفقدان والصمود في وجه الصعاب لتصبح ناشطة مناصرة لحقوق اللاجئين، وعن أملها في مستقبل أفضل لسوريا وحماسها للمساهمة في إعادة بناء وطنها.
“لا أستطيع أن أصف شعوري عندما سمعت أخبار سقوط نظام الأسد. بكيت كثيرا، كان حلما لي وللكثيرين من السوريين. اتصلت بصديقاتي في درعا وخارج سوريا. أردت أن أتحدث معهن حول هذا الأمر، بكيت من قلبي عندما سمعت الخبر. لم أعرف كيف أصف إحساسي في ذلك الوقت.
لقد اضطررت إلى مغادرة سوريا مع عائلتي أثناء الصراع، وتوجهنا إلى مصر وعشنا بها أكثر من 3 سنوات. كانت الظروف صعبة بالنسبة لأسرة سورية لاجئة. كان المعيل الوحيد لوالدي هو أنا. كنت أعمل وأدرس طوال الوقت، كنت منهكة وخائفة من المستقبل مع عدم توفر أي فرص في مصر.
خُطبت في السنة الأخيرة لشاب سوري تعرفت عليه في مصر. في ظل الظروف الصعبة، قرر خطيبي أن يتوجه إلى أوروبا وقررنا أن أسافر معه لأحاول إحضار أهلي فيما بعد. للأسف مع عدم وجود طرق قانونية أمام اللاجئين السوريين لدخول أوروبا، اضطررنا إلى التعامل مع المهربين ودفع مبالغ مالية كبيرة لهم. حاولنا 3 محاولات، فشلت أول محاولتين وألقت الشرطة القبض علينا وسُجنا لمدة 10 أيام في كل مرة.
© SOS Méditerranée/Anthony Jean
يضطر اللاجئون والمهاجرون إلى خوض رحلات خطيرة عبر التعامل مع المهربين لعبور البحر المتوسط إلى أوروبا
كررنا المحاولة إلى أن تمكنا من الخروج من مصر من ساحل الإسكندرية لنبدأ رحلة الموت. تنقلنا من قارب إلى آخر ونحن بوسط البحر. آخر قارب كان سيئا جدا وكان يقل 500 شخص من بينهم أنا وخطيبي باسم. الشخص الذي كان من المفترض أنه القبطان قال لنا إن الوصول إلى الحدود الإيطالية سيستغرق ساعة.
مرت الساعات ولم نصل سوى إلى الموت والغرق. جاء قارب آخر به أشخاص مجهولو الهوية أشكالهم مثل القراصنة. ضربوا قاربنا بالخشب وكانوا يوجهون لنا الشتائم وأغرقوا القارب وهربوا. هربوا، وهم يضحكون.
إلى اليوم لا تزال أصوات ضحكاتهم ترن في أذني لا أستطيع نسيانها. كيف هان عليهم أن يقتلوا خمسمائة شخص من بينهم أطفال ونساء وعائلات وشباب فروا من الموت ويتطلعون إلى المستقبل؟
غرق غالبية الخمسمائة شخص ولم يتبق سوى خمسين فقط على سطح البحر من بينهم أنا وخطيبي. كنت أرى الناجين يغرقون ويموتون، يجبرهم التعب والإنهاك على الاستسلام أحيانا. لا أستطيع السباحة، كل ما كان لدي هو عوامة أطفال متهالكة بالكاد ترفع رأسي فوق مياه البحر. اقترب مني شخصان منهكان شعرا أنهما يشرفان على الموت، وطلبا مني حمل طفلتيهما.
بقيت هكذا أربعة أيام، شهدت خطيبي باسم وهو يُتوفى مع الكثيرين واحدا تلو الآخر. تشبثت بالحياة، ربما كانت المسؤولية عن حياة الطفلتين دافعا لي على مقاومة كل شيء وعدم الاستسلام. مرت الأيام بطيئة، كان البرد والجثث يحيطون بي. كنت أتساءل ما إذا كانت أسماك القرش ستأتي في أي لحظة لتلتهمني. الضوء الوحيد الذي كنت أراه في عتمة الليل كان من النجوم في السماء فوقي. كنت أقرأ القرآن وأدعو الله من قلبي. كانت أياما صعبة جدا لي وللطفلتين.
بعد أربعة أيام أنقذتنا باخرة، وصلت لها إشارة بأن قاربا للاجئين انقلب في المنطقة. كنا من بين 11 شخصا أنقذتهم الباخرة وأوصلتنا إلى اليونان. ومع الإنقاذ اكتشفنا أن إحدى الطفلتين توفيت.
خلال وجودي في المستشفى تواصلت معي أسر بصور أحبائها تتساءل عما إذا كانوا على متن نفس القارب الذي انقلب بنا. من هؤلاء عم الطفلة التي نجت. من خلال ما سمعته من أبيها قبل أن يغرق والصور التي شاركها معي عمها تأكدت من هويته وشهدت معه في المحكمة ليتسلم حضانتها. وهي الآن تعيش معه.
صممت على التوجه من اليونان إلى السويد لأن ذلك ما كنت أنا وخطيبي نحاول فعله بحثا عن حياة أفضل لنا ولأهلي وخاصة لتعليم أخوتي. رُفض طلبي في البداية، لكن مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ساعدتني، وساعدت أهلي على القدوم إلى السويد ليلتئم شملنا أخيرا.
Doaa Al Zamel
الناشطة السورية والمدافعة عن حقوق اللاجئين، دعاء الزامل، خلال إحدى حلقات النقاش في منتدى حقوق الإنسان 24
تعلمنا اللغة السويدية وانتظم أخوتي في التعليم. أخي الصغير (حمودي) الذي كان يواجه صعوبات كبيرة في تعليمه في مصر، أصبح على مشارف الجامعة.
يسألني الكثيرون عن هذه الرحلة الخطيرة والسفر عبر المهربين. دائما ما أقول لهم إنه طريق الموت، اضطررت إلى خوضه ليعيش أهلي في ظروف أفضل بأمان. في النهاية لا يُجبر اللاجئ أو المهاجر على خوض طريق الموت سوى الموت. فهم يفرون من الموت إلى احتمال الموت.
في السويد عملت مساعدة معلم لمدة ست سنوات، والآن أركز على المشاركة في المؤتمرات والتحدث عن تحفيز النفس وكيف يمكن للمرء تخطي الصعاب بعد المرور بالمحن. أتحدث عن اللاجئين السوريين وحقوقهم وعن الكتاب الذي يحكي تجربتي: ‘أمل أقوى من البحر’. وحاولت إيصال صوت ملايين السوريين وكل الشعب السوري الذي عانى كثيرا تحت حكم بشار الأسد.
وبالتأكيد أريد أن أعود في يوم من الأيام إلى سوريا لكن لا أستطيع أن أحدد متى. سوريا اليوم تحتاج إلى الكثير لنعمرها. وأنا أستطيع المساهمة في ذلك من السويد أو أي مكان بالعالم، لنمحي الدمار ونلونها باللون الأخضر.
السوريون هم الأمل والمستقبل، هم الإيجابية والسلام. السوريون يستحقون أن يعيشوا بأمان ونصر. نستطيع جميعا المساهمة. الأمل بالمستقبل والتعاون بين الجميع يمكن أن يحدث فرقا كبيرا. نحن شعب واع ومثقف ونتطلع دائما إلى تحقيق الأفضل”.