اسم الكاتب وصورته
صورة الكاتب محمـد العلـي

قبل أسبوعٍ فقط، قتلت “قسد” محمود الهليل الزوبعي الشمري في قرية كرهوك شرق القامشلي بريف الحسكة.

قبل أربعة أيامٍ، قُتل الشاب مجد الهنشل غرب دير الزور.

واليوم اختُطفت فتاة من بلدة غرانيج شرق دير الزور.

هذه الحوادث ترسم ملامح  سلطة أمر واقع  فقدت أي التزامٍ أخلاقي أو وطني، تمارس القمع والقتل والاختطاف باسم “الأمن”، بينما تعيش الجزيرة السورية بشعبها وثرواتها الباطنية والطبيعية  تحت وصاية الاحتلال الأمريكي الذي يدعم ميليشياتٍ محلية لتوفير النفقات والخسائر.

ما يجري هو النتيجة الطبيعية لمجتمعٍ مازال يعتمد على مؤسساته القديمة المتآكلة كالقبيلة والعشيرة والأسرة، في وقتٍ طورت فيه الأمم الأخرى أدواتها السياسية والعسكرية والمجتمعية، فالمجتمعات المنضبطة تنتج قوى منضبطة، بينما المجتمعات المفككة والمشرذمة تنتج قوى عسكرية وسياسية غير منضبظة، تماماً كما نرى اليوم في محافظات الجزيرة السورية، حيث لم ينجح العرب على غلبتهم العددية تأسيس حزب أو تيار أو جمعية فاعلة قادرة على حشد الرأي العام واكتساب ثقة الناس عبر التزامها بقضيتهم.

في ظل هذا الواقع، ليس المطلوب دائماً من من يرزحون تحت احتلالٍ مدعومٍ من قوى كبرى أن يعلنوا الثورة المسلحة، فالسلاح رفع أكثر من مرة شرق دير الزور والشدادي والرقة ومنبج، ولم ينجح إلّا حين قررت قوى إقليمية التحرك في منبج، وهذا مرده إلى وجود الأمريكان وحلفائهم وكومة الذرائع التي يسوقونها وعجزت مجتمعاتنا عن نزعها من أيديهم وربما حتى الحكومة السورية الجديدة مستمرة بالمحاولة.

لكن أضعف الإيمان أمام هذا العجز التام من المجتمع العربي بالجزيرة، هو أن تُسجّل المواقف، وأن تُصدر المؤسسات والجمعيات والعشائر بيانات احتجاج، وأن تُنظَّم مظاهرات واعتصامات وإضرابات ومقاطعات سلمية، إلى أن تجبر قوى الأمر والواقع الخضوع للمطالب الشعبية.

في بلدة الكسرة، استمر اعتصام الأهالي أربعة أيام مع إغلاق الطريق، وكان الأجدر أن يستمر هذا الاعتصام ويتصاعد سلمياً إلى إضرابٍ ومقاطعةٍ شاملة حتى يُقدَّم الجناة بطريقةٍ ترضي أولياء الدم، هذه المبادرات القليلة تمثل جوهر المقاومة المدنية، وهي الخط الفاصل بين مجتمعٍ حيٍّ وآخر مستسلم ضعيف خانع.


ومن نافل القول، أنّ ما حدث فجر اليوم في بلدة غرانيج — حين اختُطفت الفتاة (إ.م) مع عددٍ من ذويها ونُقلوا إلى قاعدة التحالف الدولي في الشدادي — ليس إلا مثالاً إضافياً على تغوّل هذه الميليشيا، فبينما يزعم بعض قادتها العرب أنّ الفتاة في الحسكة “بعد الافراج عنها”، بقي ثلاثة رجالٍ من عائلتها في مركز الاحتجاز، وكأنّ الناس رهائن بيد سلطةٍ تمثل من يحتل أرضهم.

ربما كان الوضع في حادثة قرية كرهوك أفضل نظرا لتحالف قبيلة شمر مع القوات الكردية ضمن قسد عبر الصناديد وعبر شيوخها، بينما الأمر ليس كذلك بالنسبة لقبية البكارة غرب دير الزور والعكيدات شرقها، خاصة بعد القضاء على مجموعة أحمد الخبيل (أبو خولة) قبل سنوات، وإذا علمنا أن هذه القبائل الثلاث هي أهم قبائل الجزيرة السورية ندرك بأن القادة الكردي يدركون ماذا يفعلون.

نهاية القول، آن الأوان أن يفهم أبناء الجزيرة أنّ السكوت على هذه الجرائم لن يوقف توسعها وتعددها، فالاحتلال لا يرحل بالسكوت، والكرامة لا تُستعاد بالتعايش مع الإهانة… الجيش الأمريكي لن ينسحب إلا عندما يفقد أدواته المحلية، وهذه الأدوات لن تسقط إلا عندما تُحاصرها المجتمعات بالوعي والمقاطعة والرفض الشعبي الواضح، ما يجري ليست عمليات لفرض الأمن كما يصور، بل صراعٌ على هوية الجزيرة السورية وكرامة أهلها.