التعليم في رأس العين وتل أبيض بعد عام 2019

رحلة التعليم بين الأمل والمعاناة

 

عندما يصل طلاب الأرياف في منطقتي رأس العين وتل أبيض شمال سوريا إلى الصف الثامن يجدون انفسهم امام خيارات صعبة بسبب ضبابية مستقبل الدراسة وعدم وجود مدارس ثانوية، أول الخيارات هي الانتقال إلى مناطق سيطرة النظام السوري لتقديم امتحانات الشهادتين التاسع ثم الثانوية.

والخيار الثاني هو ترك الدراسة والبحث عن عمل في الزراعة أو في حرفة يختارها الوالدان، أما طلاب المدن مثل رأس العين وسلوك وتل أبيض وحمام التركمان، يحاولون غض البصر والسير بخيار ثالث هو تقديم امتحانات الشهادتين التاسع والثانوية لدى المجالس المحلية التي تعترف بها تركيا فقط، أو لدى الحكومة السورية المؤقتة التي تعترف بها قرابة 18 دولة، ومع ذلك لا يستطيعون الوصول إلى الجامعات، ولكن لماذا؟؟

  • من المسؤول عن انسداد الأفق أمام قرابة 50 ألف طالب وحرمانهم من حق التعليم؟!

  • هل هي ظروف الحرب في البلاد وانقسام سوريا تحت سلطات أمر واقع عديدة؟

  • أم هي مشكلة خاصة بضعف المجالس المحلية؟

  • ما دور اهمال الحكومة السورية المؤقتة لهاتين المنطقتين؟

  • ما أثر قرارات تركيا التي أسس منطقة “نبع السلام” كجزيرة محاصرة بين حدودها ومناطق سيطرة القوات الكردية؟

  • وما هي الأبعاد الحقيقية لمشكلة؟

  • وما هي الحلول العملية المطلوبة؟

للإجابة على هذه الأسئلة تواصلنا مع أكبر عدد ممكن من أهالي الطلاب والطلاب إضافة للمسؤولين في المجالس المحلية  وحاولنا الحصول على تصريح من وزارة التربية بالحكومة المؤقتة ومكتبها الإعلامي، ولم نجد استجابة مقبولة سوى من مجلس تل أبيض المحلي، بينما رفض مدير مكتب التربية في رأس العين عمار الحميد الإدلاء بأي تصريحات.

لماذا رأس العين وتل أبيض؟!

في عام 2019 تدخل الجيش التركي ضد القوات الكردية في اطار عملية عسكرية أطلق عليها اسم “نبع السلام”، لإنشاء منطقة آمنة وعد الساسة الأتراك يومها بانها ستحول إلى “جنة” يمكن أن يعاد إليها عدد كبير من اللاجئين السوريين من دول الجوار وحتى أوربا، ثم أطلق اسم العملية على المنطقة المؤلفة من منطقة تل أبيض التابعة إداريا لمحافظة الرقة ومنطقة راس العين التابعة لمحافظة الحسكة قرب الحدود التركية، وتزيد مساحتها عن 5000 كم مربع بطول 160 وعرض 30 كلم تقريبا، وقدرت المجالس المحلية عدد السكان السنة الماضية بنحو250000 نسمة في 600 تجمع سكاني وقرية منها 200 في رأس العين (246 حسب ACU).

وذكرت وكالة الأناضول التركية بمناسبة ذكرى، اليوم العالمي للتعليم 24 كانون الثاني 2020، إن عدد المدرسين 963 مدرسًا يشرفون على تعليم 19 ألفًا و470 طالبًا في “نبع السلام”، ومع بداية العام الدراسي الجديد 2022-2023 ارتفع عدد الطلاب إلى قرابة 49 ألف طالب في 485 مدرسة بمدينتي تل أبيض ورأس العين بعد ترميم وإصلاح 90 مدرسة.

واقع قطاع التعليم

رغم الجهود التي بذلت لرفع اعداد المدارس وترميمها، تقول المنظمات العاملة في رصد الأوضاع بهذه المنطقة أن جميع المدارس بحاجة للقرطاسية وحقائب الطلاب وطباعة المناهج لبعض المواد مثل “التربية الاجتماعية، واللغة الإنكليزية، والتربية الدينية وهي مادة طلبت الأمم المتحدة عدم ادراجها في المناهج منذ البداية بعيد العملية العسكرية.

بلغ عدد مدارس برأس العين حاليا إلى 192 مدرسة مع الروضات بينها 3 ثانويات هي ابن خلدون للبنات وسلمان الفارسي الشرعية للذكور( ابن خلدون سابقا) والصناعة و37 إعدادية يعمل فيها 977 معلما ومدرسا ويرتادها 14819طالبا وتلميذا، كما يجري الاعداد لافتتاح مدرسة زيد بن ثابت بينما تبقى عمير بن سعد الأنصاري مشغولة، حسب ما صرح لنا موظف في التربية برأس العين.

أفاد الموظف المطلع خلال اتصالات متعددة في اطار اعداد هذا التحقيق أن بعض الاعداديات تستقبل 7 – 8 طلاب فقط وهذا يدل على وجود تسرب وتراجع في أعداد الطلاب، مشيرا إلى أن الثانوية الصناعية بدأت العمل هذا العام باستقبال طلاب الصف العاشر.

وأكد الرجل أن التعليم يعاني من نقص الكوادر التعليمية المتخصصة بسبب ضعف الرواتب الهجرة والواقع الاقتصادي والأمني وعدم تجهيز معظم المدارس بالأثاث ووسائل الإيضاح والتدفئة هذا عدا عن الصفوف المجمعة التي يديرها معلم واحد بالأرياف.

واقترح للسير بالتعليم نحو الأفضل نقاط عدة منها “رفع الرواتب للمعلمين وتدريبهم إلى جانب ترميم المدارس وتوفير الماء والكهرباء لها إلى جانب توحيد الزي المدرسي وتوفير فرص للالتحاق بالتعليم الجامعي”.

من جهته، مسؤول التربية والتعليم في مجلس تل أبيض مكري حاج أمام، قال لـ “دجلة” إن عدد المدارس العاملة في المدينة وريفها 286 مدرسة تستقبل 29752 طالبا و1352معلما ومدرسا معظمهم من حملة الثانوية، أما عدد المدارس الخارجة عن الخدمة / 14 / مدرسة وعدد المدارس المشغولة بعناصر الجيش الوطني واللاجئين / 18 / مدرسة.

وأكد الحاج إمام تسرب 5500 طالب من التعليم لأسباب اقتصادية متعلقة بالعمالة والفقر والهجرة وضعف الإمكانيات وعدم وضوح الرؤية المستقبلية بالنسبة لطلاب المرحلة الإعدادية والثانوية، مشيرا إلى أن إنقاذ التعليم يجري عبر دعم القطاع التعليمي بالمعلمين إلى جانب ترميم المدارس وتزويدها بوسائل تعليمية.
ولفت إلى عدم قدرة المؤسسات التعليمية حاليا على استيعاب المزيد من الطلاب خاصة مع زيادة عدد السكان من خلال عودة اللاجئين من تركيا أو عودة أهلي المنطقة المهجرين الى منازلهم.

وتضطلع منظمات “أنصار وأنصر وسيرياريليف” وغيرها بترميم المدارس والمباني التعليمية في المنطقة وهي منظمات تتعاون مع منظمة تنسيق الدعم.

ظروف قاهرة للطلاب

يقول يوسف (14 عاما)، وهو طالب تاسع من قرية “صكيرو” بريف تل أبيض، إنه درس المرحلة الابتدائية فقط بسبب عدم وجود مدرسة إعدادية في القرية ويتقدم للامتحانات فقط ولم يدرس في أي مدرسة وليس لدي الرغبة في التقدم للامتحانات في مناطق سيطرة قوات النظام السوري بسبب الظروف الراهنة في المنطقة.

يتابع “رسبت في ماده اللغة العربية بسبب عدم وجود مدرسين” لهذه المادة الاختصاصية.

ويفترض أن يكون هاشم (13 عاما) طالب في الصف السابع الأساسي تحول إلى عامل في ورشة لإصلاح المركبات بشارع الحسكة في رأس العين بعد انهاء دراسة الصفوف الأولى المتوفرة في قرية تل ذياب، بسبب إغلاق المدارس الإعدادية والثانويات في ريف المدينة أبوابها إلى أجل غير مسمى، ما دفع والده للتفكير بالالتحاق بأخيه في تركيا علّه يجد فرص أفضل للتعلم أو ينخرط في سوق العمل كغيره من آلاف الأطفال السوريين في مشاغل إسطنبول والولايات التركية الأخرى.

ويقول هاشم، وهو ينزع ثيابه المتسخة بعد العودة إلى المنزل، بأنه يعمل بأجر غير ثابت ليكسب الصنعة، مشيرا إلى أن أخيه أحمد (14 عاما) أيضا ترك الدراسة ويعمل بالزراعة مع والده رغم أنه درس الصف السابع في مدرسة تل ذياب، قبل أن يخبره المدير أن التربية في رأس العين لم تعتمد الصفوف الإعدادية فلم يسلموه كتبا ولم يأخذ دروسا ثم انتهى الفصل ولم يحصل على وثيقة ترفع إلى الصف الثامن، لأن المسؤولين رفضوا اعتماد الإعدادية بحجة عدم وجود كادر تدريسي ولا عدد كاف من الطلاب.

قرر هاشم اختصار الطريق استنادا إلى تجربة أخيه فترك مقاعد الدراسة، وهو يحاول إرضاء والده الذي يتمنى أن يجعل ابنه خبيرا بكهرباء السيارات لأنها مهنة المستقبل كما يرى.

وهاشم ليس وحده من يواجه هذه المصير هناك آلاف الطلاب الذي تركوا مقاعد الدراسة بسبب اغلاق المدارس أو عدم توفر المعلمين خاصة أن التعليم المتوسط والثانوي يتركز في مدينة رأس العين دون القرى خاصة بعد تحويل ثانوية ابن خلدون إلى ثانوية شرعية، ما قد يدفع الطلاب إلى الاحجام عن الالتحاق بها لوجود مواد إضافية.

وهذا يحمل الأهالي الفقراء تكاليف إضافية بينما ينوء رب الأسرة بأعباء المعيشة في ظل انعدام فرص الأعمال وتدني الأجور رغم أن الأسعار تساوي نظيراتها في تركية نظرا لكونها مصدر البضائع.

وفي هذا السياق، يقول خليل خضر (35 عاما) لدي 4 أطفال كانوا طلابا في المرحلة الابتدائية قبل سنتين، لكنهم يساعدونني اليوم بالأعمال الزراعية (يوميات فول –كمون –قطن) لكسب قوت يومنا، لأن صعوبات كثرة واجهتهم بالحصول على التعليم منها المسافة البعيدة من مكان سكنهم قرب مركز السفح إلى مدرسة الجكيمة، وعدم القدرة على شراء دفاتر لهم جميعا، فهم يتعرضون للتنمر من قبل زملائهم الذين يسخرون منهم بسبب عدم امتلاك الدفاتر.

وأضاف الرجل وهو عامل بالمياومة، أن بعض الأولاد كانوا يضربون الأطفال على الطريق إلى المدرسة التي كانوا يذهبون إليها في قرية الجكيمة فاجبروا على السير في الحقول الزراعية أحيانا، يسلكون طرق خطرة سواء بالحقول الزراعية وعلى الطريق المعبدة تصبح المسافة أطول ونخشى عليهم من السيارات.

وأشار الخضر إلى أن المسؤولين يهملون الطلاب الفقراء ولا يوفرون لهم مدارس قريبة، حتى أن مدرسة “الجكيمة” عبارة عن صفوف مجمعة ببناء صغير لا يوجد فيها ماء أو حمامات للأطفال.

واستدرك ” على كل الأحوال لماذا يدرسون إذا هم لا يستطيعون اكمال التعليم بسبب الحصار داخل هذه المنطقة”.

من جهته يرى محمد (40 عاما) وهو مدرس بمرحلة التعليم الأساسي والثانوي، الطالب “يواجه تعقيدات بالغة، فيدفعه اليأس إلى دراسة مناهج حكومة النظام السوري في المنزل استعدادا لخوض الامتحانات في مناطق سيطرته في الحسكة أو في السبخة في الرقة ، خاصة أن الشهادات التي يتحصل عليها يجري قبولها مباشرة في الوظائف بمنطقة نبع السلام، فيما يبقى الطالب المنتمي لعائلة منخرط بعض أفرادها بالثورة السورية عاجزا عن اللجوء لهذا الحل فلا خيار أمامه سوى التوقف عن متابعة التعليم أو محاولة عبور الحدود عبر طرق التهريب لدخول الأراضي التركية.

وأشار إلى أن مستقبل الطلاب أصبح في خطر بالغ جراء الإهمال في اختيار المعلمين وافتتاح المدارس المعطلة في الريف.

إغلاق ثانويات وفساد

  • الجيش التركي يتخذ مدارس رأس العين كقاعدة عسكرية

بلغ عدد طلاب الشهادة الثانوية هذا العام في تل أبيض 95 طالبا، حسب مصدر من المجلس المحلي في تل أبيض، ولا يوجد الّا ثانوية تل أبيض هي تخدم الريف والمدينة ومغلقة منذ زمن وتحولت إلى ثانوية شرعية فافتتح فوج ثاني في “مدرسة الجراح” في حين ظلت ثانوية البنات هي “نسيبة”.

كما يوجد ثانويات في بلدات سلوك واحدة للإناث وأخرى للذكور أمّا ثانوية حمام التركمان فمختلطة، ومدرسة عين العروس فمغلقة لأنها مشغولة بالنازحين.

وعدد طلاب البكلوريا في رأس العين 93 طالبا، ومن المؤكد أن إغلاق الثانويات له الأثر الأكبر بتناقص العدد فعدا عن اشغال القوات التركية الرازي وعمير و كيفورك، فقد جرى تحويل ثانوية ابن خلدون إلى ثانوية شرعية تحمل اسم “سلمان الفارسي” تدرس العلوم الشرعية إضافة للمنهاج العلمي على غرار النموذج التركي (إمام وخطيب).

  • إغلاق ثانويات الأرياف

أكد المدرس (محمد) أن ثانويات الريف كلها مغلقة، ومنها ثانويات (مضبعة وتل ذياب وأم عشبة والمناجير وتل حلف والمبروكة)، مشيرا إلى أن معظم مديري المدارس لا يستطيعون الكلام أو التصريح حول سير العملية التعليمية لأن المعلم الذي يتحدث سيفصل من وظيفته.

وأشار إلى أن بدايات تعيين المعلمين شهدت عمليات تزوير لشهادات كثيرة رغم المقابلات والاختبارات التي جرت عام 2020م.

ولفت إلى أن “بعض الكتب المدرسية غير متوافرة لكثير من المراحل الدراسية نتيجة توقف المطابع بسبب الحرب الدائرة في البلاد وإلى الآن في 11 مدرسة من 18 لا يوجد معلمين ولا كتب.

وأكد الرجل حصول عمليات تسريب للأسئلة الامتحانية قبل يوم (23 حزيران 2024) اليوم الأول لامتحانات الثالث الثانوية التابعة للمجالس المحلية وهي ثانوية تعترف بها تركيا فقط، مشيرا إلى أن التساهل والفساد في القطاع دفع المدرسين المسؤولين عن وضع الأسئلة يعتمدون على مناهج وزارة التربية في دمشق لوضع أسئلة الرياضيات دون الاعتماد على المناهج المعتمدة في الشمال السوري.

التنافس في قطاع التعليم

تأخرت الحكومة السورية المؤقتة عن افتتاح مركز امتحاني لطالب منطقة “نبع السلام” حتى أسابيع قليلة قبيل الامتحانات هذا العام واقتصر الأمر على مركز وحيد في فرع جامعة حلب الحرة بمدينة تل أبيض، حيث قدم 146 طالب ثانوي للفرعين، و85 طالب تاسع دون تحضير (دراسة حرة).

وصرح د. محمود الشبلي مدير المركز الامتحاني لـ “دجلة” في أول أيام الامتحانات أن 20 دولة تعترف بشهادة الثانوية العامة الصادرة عن الحكومة المؤقتة، وأقرّ بتأخر فتح المركز الامتحاني بالمنطقة.

وبدأ المركز امتحاناته بمنهاج مختلف وتاريخ مختلف (يوم 24 حزيران 2024) وهو بعد يوم واحد من انطلاق امتحانات المجالس المحلية للثانوية (23 حزيران2024)، وهذا يشير لمدى الإهمال لقطاع التعليم من قبل هذه الحكومة التي تركت إدارة ملف التعليم للمجالس المحلية و لم تكلف نفسها عناء توفير الشهادة الثانوية المعترف بها للطلاب في هذه المناطق إلّا بعد 5 سنوات تقريبا من السيطرة على المنطقة ومن المرجح أن تمتد معاناة الطلاب لسنوات أخرى حتى تستطيع هذه الحكومة تأمين حل اسعافي لهم من أجل الالتحاق بالتعليم الجامعي حتى لو كان بجامعة حلب الحرة.

التنافس بين المجالس المحلية والحكومة المؤقتة لا يخفي نفسه في قطاع التعليم، رغم حديث رئيس الحكومة عبد الرحمن مصطفى عن عدم وجود تعارض بينهما، وتأكيده بنفس الوقت العمل على تطوير عمل المجالس للوصول إلى ما سماها ” تجربة لامركزية إدارية منظمة وفعالة”.

هذا الإهمال والفوضى وانسداد الأفق دفع المئات من الطلاب الذهاب إلى مناطق سيطرة النظام السوري للحصول على شهادة تاسع أو ثانوية.

وانتقد القيادي العسكري في الجيش الوطني إبراهيم الظاهر (إسكندر) في شريط فيديو السماح للطلاب من تل أبيض لتقديم الامتحانات بمناطق سيطرة النظام، مطالبا بمنع توظيف هؤلاء في مناطق سيطرة الجيش الوطني وإغلاق المعاهد الخاصة التي تدرس مناهج تربية دمشق، مشيرا إلى أن أرقام المجلس المحلي تتحدث عن ذهاب 700 طالب ثانوي وتاسع من “نبع السلام” لتقديم الامتحانات لدى حكومة النظام السوري.

في هذا السياق، أعلنت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أعلنت تقديم الدعم لأكثر من 6000 طالب يصلون من المناطق التي يصعب الوصول إليها (الشمال والشرق السوري) للتقدم لامتحاناتهم في حلب، فيما أعلنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في سورية منتصف حزيران أنها سهلت وصول الطلّاب إلى مراكزهم الامتحانية ودعم سير العملية الامتحانية في الحسكة والرقّة، عبر نقل 1000 طالب من طلاب المدارس الثانوية و1200 طالب من طلاب الصف التاسع من المعابر إلى مراكز الامتحانات ضمن مناطق سيطرة القوات النظامية.

وهذا يكشف عن عبور الطلاب الساتر الترابي باتجاه مناطق القوات الكردية ثم مناطق النظام الذي ينافس على استقطاب الطلّاب وبسبب هذا التعثر مع الاحتجاجات على المناهج الكردية أمسى الرابح في المنافسة دون منازع حتى سجلت حالات تعليم مناهج نظامية في دورات خصوصية بتل أبيض .

إذن بات الحصول على التعليم النظامي حلم صعب المنال لدى ملايين السوريين رغم تصريحات مدير المكتب المركزي للإحصاء سابقاً، الدكتور شفيق عربش حول وجود فجوة كبيرة في التعليم بين سوريا ودول العالم، والتي تتجه نحو الذكاء الصناعي، في وقت تحافظ البلاد على نظام تعليم متبع منذ 50 عاماً، وهو “مصاب بمرض عضال” سواء قبل الجامعي أو الجامعي، وحتى الدراسات العليا.

غياب فرص التعليم الجامعي

يجب التسليم بأن غياب الجامعات والمعاهد أو سبل الوصول إليها يجعل من المستحيل تخريج جيل جديد لرفد قطاع التعليم في ظل استمرار اغلاق الحدود والاعتماد على بعض المعاهد لإعداد المدرسين بخبرات بسيطة إلى جانب جامعات تعليم عن بعد كما يحصل في كليات تتبع لجامعة حلب الحرة، وإذا لاحظنا هذه التحديات وما يواجه القطاع التعليمي من مشاكل كفيلة بانهياره منذ البداية.

قالت الطالبة ياسمين العلي بانها استطاعت الوصول إلى السنة الأخيرة بقسم التاريخ في جامعة ماردين بفضل التعليم عن بعد أثناء جائحة كورونا، لكنها حرمت من تقديم الامتحان الأخير بعد عودة التعليم التقليدي والتأكيد على الحضور في قاعات الجامعة، رغم أنها ضحت بعملها في التعليم من أجل إتمام الدراسة الجامعية لكنها بالنهاية خسرت كل شيء.

أكدت انها حاولت كثيرا من خلال مراجعة مسؤولي التعليم العرب والأتراك، لكن دون جدوى.

وللاطلاع على وجهة نظر أخرى تواصلنا عبر تطبيق “واتساب” مع رئيس اتحاد الطلبة في منطقة رأس العين مهند العبدالله، فقال إن طلاب شهادة الثانوية العامة لدى المجلس المحلي لهذه الدورة 2023-2024 م عددهم 93 طالبا وطالبة، مشيرا إلى وجود وعود بإنشاء فروع لجامعات خاصة وتركية في المنطقة.

وأضاف أن اتحاد الطلبة في رأس العين وفي تل أبيض يضغط على الحكومة المؤقتة لتعديل شهادات مدرسة عطاء التمريضية، وأيضا لإحداث فروع تعليم عالي في تل أبيض.

وأكد المجلس المحلي برأس العين بمنشور على صفحته الرسمية أن رئيس المجلس محمد حمزة، زار مع وفد جامعة حلب الحرة في أعزاز في معرض حضورهم مؤتمر العشائر في سجو شمال حلب الموجه ضد انتخابات البلديات لدى الإدارة الذاتية الكردية، مشيرا إلى أنهم ناقشوا “واقع الطلبة في رأس العين، حيث تم تقديم طلب بفتح فروع للجامعة في رأس العين، مما سيسهم في تحسين فرص التعليم العالي لأبناء المنطقة وتخفيف الأعباء المترتبة على الانتقال إلى مناطق أخرى لمتابعة دراستهم”.

ولم يشر المجلس إلى أعداد الطلاب والطالبات المتقدمين لامتحان الشهادات الثانوية والتاسع بعد الحديث عن توجه مئات الطلبة إلى مناطق سيطرة القوات النظامية لدورة 2023-2024م لتقديم الامتحانات في اطار الدراسة الحرة.

وكانت مديرة مكتب التربية والتعليم السابقة انتصار دودة صرحت لـ تلفزيون سوريا” مطلع عام 2023 إن طلاب البكلوريا دخلوا في السنة السابقة إلى تركيا للالتحاق بالجامعات لكن لسبب ما أوقفت السلطات التركية عمليات عبور الطلاب السوريين للحدود، مشيرة إلى أنهم وعدوا بافتتاح فروع لجامعات ماردين وأورفة وعينتاب في رأس العين، وهذا لم يحصل واقتصر الأمر على معهد اعداد المدرسين والشريعة.

وقال المدير الإداري للحكومة المؤقتة في تل أبيض رشاد الصفري خلال تصريحه عن افتتاح مركز الامتحاني الوحيد في تل أبيض لتقديم امتحانات التاسع والبكالوريا هذا العام، أن هناك جامعة خاصة ستفتح أبوابها في تل أبيض وأنهم سيفتحون فروعا للجامعات استنادا إلى عدد الطلاب حسب توجيهات الحكومة المؤقتة مشيرا إلى ان الشهادة الثانوية معترف بها من قبل 18 دولة حول العالم على الأقل إضافة لتركيا وقطر.

وفي النهاية، فعدم وجود الجامعات يكرّس فشل التعليم لأن الأبواب مسدودة أمام الطلاب ولا خيار امامهم سوى دراسة مناهج حكومة دمشق أو عبور الحدود شمالا إلى تركيا وهذا يحتاج إما الانخراط بفصيل عسكري أو في جسم أو هيئة سياسية للسماح للشخص العبور، ويلقي بعض الأعضاء السابقين في المجلس اللوم على مديرة التربية السابقة كون فترتها شهدت حالات فساد شملت تهريب أشخاص على أنهم طلاب في الجامعات ما دفع الأتراك إلى حرمان جميع الطلاب من الوصول إلى جامعاتهم.

التعليم بأرقام المنظمات

قالت المديرة الإقليمية لليونيسف، أديل خضر: “لم تعد سوريا تتصدر عناوين الأخبار الدولية بشكل منتظم، إلا أن النزاع لا يزال يدمر مستقبل الأطفال وحياتهم. لقد نزح أكثر من 13 مليون سوري – أي حوالي نصف عدد السكان قبل النزاع – داخل سوريا أو خارجها وأصبحوا غير قادرين على العودة إلى ديارهم.

ما يقرب من نصف الأطفال في سن الدراسة البالغ عددهم 5.5 مليون طفل – حوالي 2.4 مليون طفل تتراوح أعمارهم بين 5 و17 سنة – خارج المدرسة.
“لقد دفع جيل من الأطفال في سوريا بالفعل ثمناً لا يطاق لهذا النزاع “. قالت خضر.

في عام 2024، تحتاج اليونيسف إلى 401.7 مليون دولار أمريكي لتوفير شريان حياة أساسي لـ 8.5 مليون شخص، بما في ذلك 5.4 مليون طفل. وتتمثل أكبر متطلبات التمويل في مجالات المياه والصرف الصحي والصحة والتعليم، في حين لا تزال الحماية تمثل أولوية عالية.

فالمدارس في بعض القرى ضمن (نبع السلام) مشغولة بالعسكريين أو عائلاتهم و أصبحت المدارس دور إيواء للنازحين”، ففي تل أبيض خلال السنوات الماضية كانت نحو 580 عائلة نازحة 90 منها تعيش في 3 أبنية مدرسية (مدارس) وفي رأس العين 500 عائلة معظمها تعيش في 450 خيم وعشرات العائلات تشغل 5 مدارس أيضا، بعضها غادر لاحقا.

ولا يملك المجلس أي سلطة لإخراج القوات العسكرية المحلية ناهيك عن القوات التركية التي تشغل ثانوية الرازي للبنات وإعدادية عمير وابتدائية كيفورك برأس العين، ولا يستطيع حتى تمويل ترميم مدرسة أو دفع رواتب أفضل لأن الرواتب محدودة من الأتراك الذين يدفعونها باعتبارهم المسيطرين الفعليين على القرار وبيدهم أيضا قرار مواصلة الناجحين بالثانوية دراستهم بالجامعات التركية من عدمه.

وحسب تقرير وحدة تنسيق الدعم الصادر في نيسان 2023: كان عدد المدارس غير العاملة في منطقة رأس العين وتل أبيض 21 مدرسة غير عاملة.7% منها غير آمنة.

وذكرت المنظمة ذاتها في تقرير عن الوضع الإنساني في رأس العين وتل أبيض بتاريخ 20 آذار الماضي 2024م الأرقام التالية:

– يتواجد في منطقتي رأس العين وتل أبيض 462 مدرسة عاملة من أصل 483 القسم الأكبر من هذه المدارس ريفية عبارة عن بيوت ريفية تحتوي على صفوف مجمعة يتم تدريس أكثر من مرحلة تعليمية ضمن كل صف، كافة المدارس غير مؤهلة لاستقبال الأطفال من ذوي الإعاقة.

– 82 % من المدرسين يحملون شهادة التعليم الثانوي فقط مما يدل على عدم وجود كوادر تعليمية مؤهلة.

– كافة المدارس في المنطقة لا تحتوي على مرشدين نفسيين اجتماعيين.

– 84% من المدرسين لم يوقعوا مذكرة قواعد السلوك ولا يعرفون أي معلومة عن قواعد صون الطفولة.

– 43% من الأطفال متسربون من المدرسة.

– 52% من الأطفال أكدوا أنهم يدفعون رسوم تعاون ونشاط للمدارس.

– 70 مدرساً استقالوا وتركوا مهنة التعليم خلال الشهرين الماضيين بسبب انخفاض قيمة الرواتب مما أدى إلى تعليق الدوام المدرسي في 14 مدرسة.

– لا يتوفر أي نوع من أنواع التعليم العالي مما يدفع الأطفال لترك المدرسة بسبب شعورهم بعدم الجدوى من تعليمهم المدرسي، وفي حال رغب أي شخص بالاستمرار بالتعليم العالي يجب عليه الهجرة إلى خارج المنطقة.

الحكومة المؤقتة ودمشق تتقاسمان المسؤولية

في رأس العين وتل أبيض، وهي منطقة محاصرة بالحدود من الشمال وبالقوات الكردية وحلفائها من الروس والقوات النظامية من باقي الجهات يواجه التعلم تحديات هائلة منذ عام 2019م، فظروف الحرب والنزوح والفساد ونقص الموارد جميعها عوامل تعيق العملية التعليمية وتضع مستقبل آلاف الأطفال على المحك.

أيضا توقفت الكثير من الثانويات والاعداديات وتحول بعض المدارس لمقرات عسكرية للفصائل العسكرية التابعة للجيش الوطني والقوات التركية أو سكنا للعائلات النازحة، وهذا يحرم آلاف الأطفال والفتيان والشباب من الحق في التعليم خاصة بعد موجة الإحباط إثر إلغاء معظم الأذونات للطلاب الجامعيين بالعبور لتركيا لتقديم امتحاناتهم الجامعية في الجامعات التركية رغم خضوعهم لامتحانات اليوس للغة التركية وتسجيلهم لأكثر من سنة في الجامعات ودفع الأقساط حتى وصل بعضهم إلى السنة الأخيرة.

وتقول منظمة الأمم المتحدة أنه في أوقات الأزمات، يواجه الأطفال غير الملتحقين بالمدارس أخطاراً متزايدة نتيجة سوء المعاملة والاستغلال والاتجار والعنف القائم على النوع الاجتماعي، والحمل المبكر، والتجنيد في الجماعات المسلحة – وتُعدُّ المراهقات عُرضةً للخطر بشكلٍ خاص، لذا منطقة “رأس العين وتل أبيض” تحتاج إلى تدخل عاجل وفعال لإعادة بناء نظامها التعليمي وإنقاذ مستقبل الأطفال والشباب، إضافة إلى ذلك، تفتقر المنطقة إلى قوانين صارمة تنظم عمالة الأطفال، مما يجعل التشغيل في سن مبكرة أمرًا شائعًا ومقبولًا، مما يزيد من حجم المشكلة التعليمية ويعقدها أكثر.

التغيرات التي حصلت في قطاع التعليم  وتحويل الثانويات إلى شرعية وغياب الكوادر المتخصصة أثرت بشكل كبير على هذا القطاع واقبال الطلاب على التعليم، حيث يجد الطلاب أنفسهم أمام خيارات محدودة وصعبة لإكمال تعليمهم عن طريق نظام الدراسة الحرة وهو الدراسة في المنزل ثم التوجه خلال فترة الامتحانات إلى مراكز الامتحانات وهذا يؤثر على مستوى التحصيل العلمي ويجعل الكثير منهم يفشل بالحصول على الشهادة أصلا، بينما يلجأ آخرون إلى الغش عبر النقل أو الحصول على الأسئلة في اليوم السابق للامتحانات كما حصل بامتحانات الثانوية التابعة للمجالس المحلية لهذه الدورة (2023-2024).

لإحراز تقدم في ملف التعليم على الحكومة السورية المؤقتة إخراج ملف التعليم من يد المجالس المحلية المرتبطة بالسلطات التركة مباشرة للخروج من حالة ازدواجية الشهادات الامتحانات والحد من الفساد المستشري في هذا القطاع وإضفاء سمة الجدية على دراسة وامتحانات الشهادات.

كما يجب على المجتمع الدولي والجهات المعنية العمل بشكل مشترك لضمان حصول كل طفل في هذه المناطق على حقه في التعليم حتى لو اقتصر الأمر على التدخل لفرض منهاج موحد في مختلف المناطق السورية بسبب انقسامها تحت قوى متناحرة فبينما أعلنت الحكومة المؤقتة تقدم 55730طالبا لامتحانات التاسع والبكلوريا منذ 24 حزيران 2024 سبقتها حكومة دمشق بالإعلان يوم 25 أيار عن بدء امتحانات الشهادات لـ ٥٥٨٨٦٥طالبا، فالجانبان يتقاسمان المسؤولية بالتساوي عن مصير هؤلاء الطلبة والبلاد، فالتعليم هو الأمل الوحيد لمستقبل أفضل لسوريا وأطفالها.

هناك حاجة ملحة لتوفير المزيد من الكوادر التعليمية المؤهلة وتحسين بنية المدارس، بالإضافة إلى تشديد الرقابة على عمالة الأطفال وتطبيق

من امتحانات الثانوية – دجلة

 القوانين الدولية في هذا الصدد وتمكين طلاب الثانوية من الوصول إلى التعليم الجامعي، من خلال هذه الخطوات، نأمل في إعادة بناء جسور التعليم وتمهيد الطريق لمستقبل أفضل وأكثر إشراقًا لأجيالنا القادمة.

 

جميع الحقوق محفوظة © 2024

 

محمد الحسون