فيما طُويت صفحةُ الانتخابات في معظم المحافظات السورية، تبقى مدينةُ رأس العين على موعدٍ مؤجَّل مع صناديق الاقتراع، بعد تأجيلٍ دام عشرين يوماً. انتخاباتٌ وُصفت رسميّاً بأنها “استحقاقٌ وطنيّ”، لكنها على الأرض تُشبه سباقاً محسوم النتائج، تُحرّكه تحالفات عشائرية ومصالح سياسية تحت الطاولة.

تأجيل سياسي أم تفاوضي؟

عضو اللجنة العليا للانتخابات أنس العبدة أوضح أن قرار تأجيل الانتخابات في الحسكة والرقة والسويداء جاء “حرصاً على تطبيق الآلية الانتخابية بالشكل الكامل، ومنح الوقت الكافي للمفاوضات مع سلطات الأمر الواقع كقوات سوريا الديمقراطية.”، وربما هو شرط من القوات الكردية (قسد) بالمفاوضات.
لكن الضغوط المحلية من وفود رأس العين وتل أبيض دفعت اللجنة إلى تحديد الثالث والعشرين من أكتوبر موعداً جديداً للاقتراع، مع تخصيص صندوقين إضافيين في دمشق للناخبين الذين يتعذر وصولهم إلى المناطق المحاصرة، وفق العبدة.

أحد سكان المدينة، عبدالملك محمود البدران قال لـ دجلة:

“اللجنة لم تزر كل المناطق، ولم تلتقِ بكل الفعاليات المحلية. التعيينات في القوائم لم تعبّر عن إرادة الشارع، وكان يفترض أن تُدار العملية بمزيد من الشفافية.”

تحالفات عشائرية وعلاقات

على الأرض، تتشكّل شبكةٌ من التحالفات العشائرية والدينية والعرقية. أبرزها تحالف يقوده مرعي اليوسف، الرئيس السابق لمجلس رأس العين المحلي، يعمل لضمان فوز مرشحٍ واحد هو عبد الله عبد الحميد عبد الله، المنحدر من عشائر “المغمورين” التي هجّرها نظام البعث عند إنشاء سد الفرات.

عبد الله يُقدَّم اليوم كمرشحٍ “مستقل” تدعمه تيارات إسلامية أبرزها الإخوان والسلفيون، إضافةً إلى دعمٍ عشائري من بعض أفراد قبيلة عدوان. لكن خلف الكواليس، تشير مصادر مطلعة إلى أن حملته تستند إلى ترويج يقول بأنه يمثل “هيئة تحرير الشام“، وتسهيلات من شخصيات نافذة داخل اللجنة الفرعية.

لكن مصادر مطلعة أشارت إلى أن عبد الله عبد الحميد تلقى تزكية مكتوبة تعاكس سيرته الذاتية على أنه من “ثوار نشطوا برأس العين”، بينما تثبت سيرته المنشورة أن نشاطه كان محصوراً في حلب وإدلب، حيث اعتُقل لأشهر بتهمة الانتماء إلى “حزب التحرير”.
لكن ما أعاد اسمه إلى الواجهة هو علاقته الوطيدة بمدير الشؤون السياسية في محافظة الحسكة، عباس الحسين المعروف بـ“أبو الفضل”، وهو ما استُغلّ للترويج بين الناخبين بأن هناك “توجيهات رسمية” لدعمه.

القائمة الأولى للهيئة الناخبة ضمّت أربعة عشر اسماً محسوبين على التحالف الداعم لعبد الله، وبعد الطعون من النشطاء المحليين، خُفّض العدد إلى النصف تقريباً، لكن التعديل لم يكن حيادياً، إذ أُقصيت ثلاثة عشر شخصية من معارضي نظام الأسد ومن أبناء الثورة دون مبررات قانونية.

هيثم الشلش، أحد الذين حذفت أسماؤهم، قال لـ دجلة:

“التمثيل لم يكن عادلاً. عدد أعضاء الهيئة لا يعكس تنوع رأس العين ولا حجمها السكاني. كان يجب أن يكون العدد مضاعفاً ليشمل كل المكونات.”

إقصاء الأصوات المستقلة

المرشح الوحيد البارز خارج دائرة عبد الله هو طلال الحامدي، المحسوب على المجلس المحلي الجديد، والذي يحظى بدعم ناشطين ضد الفساد الإداري، ورغم أنه لا ينتمي إلى عشيرة كبرى، يرى فيه البعض ممثلاً “حقيقياً” للعرب المحليين الذين يشكّلون الأغلبية في المنطقة، لكنهم يتقدمون للانتخابات بمرشحين عن عدوان هم سعد الحلو ونصار المردود، ومرشح عن البكارة وهو محمد الهلوب ومرشح عن حرب وهو عبود حمدو الخليل عن حرب.

ورغم تخصيص مقعدٍ رمزي للأقليات، تتزايد المخاوف من استخدام هذه الورقة ضمن لعبة التوازنات السياسية. من بين المرشحين البارزين انتصار دودة، المتهمة من قبل معلمين ونشطاء بالفساد الإداري وسوء إدارة قطاع التعليم، حيث لا يزال آلاف الأطفال خارج مقاعد الدراسة في الريف المحاصر.

قضية خلف الساير

الجدل الأكبر انفجر بعد استبعاد الأستاذ خلف الساير، أحد أبرز مثقفي رأس العين ووجهائها، عقب اعتقاله خمسة عشر يوماً بسبب منشوراتٍ ناقدة على فيسبوك.
الساير قال في حديث حول الانتخابات لــ: إن

“”اللجنة الفرعية في رأس العين شُكلت على أساس أنها من رأس العين، لكن السؤال الذي يفرض نفسه: هل أعضاء اللجنة يعرفون كل المرشحين أبناء رأس العين أم لا؟ بعض الأسماء في الحقيقة ليسوا من رأس العين بالذات من المدينة، هم بعيدون عنها، وليس لهم أي معرفة برأس العين أو بالمرشحين، لأنهم ليسوا من رأس العين. عندما تكون هناك قيادة سياسية قلبها على البلد، وتفكر في البلد ومستقبل البلد وأهل البلد، ولا يكون هناك تفاوت بين فئة وأخرى، تستطيع أن تبني مجتمعاً متجانساً، مجتمعاً جيداً جداً. هذا الأمر يعود إلى القيادة السياسية، ونتمنى من القيادة السياسية أن تعمل على بناء أو تغيير النفوس أو تغيير العقلية.”

وقال عيد عوض الظاهر، عضو في الهيئة الناخبة:
“كنا نتمنى أن يكون هناك حضور لأعضاء اللجان الفرعية في المدينة، لكن لم يحالفهم الحظ في الحضور. أيضاً عدد الناخبين أو أعضاء الهيئة الناخبة قليل جداً، ولا يمثل شرائح رأس العين، لأن مدينة رأس العين بتنوع مكوناتها الكثيرة – من الكُرد والمسيحيين والعرب والعشائر والقبائل – تحتاج إلى تمثيل أوسع. كذلك عدد الكراسي المخصص للمدينة، وهو كرسي واحد فقط، لا يتناسب مع حجمها الكبير وعدد سكانها”.

وأضاف”كان يجب أن يكون هناك مقعدان على الأقل يمثلان رأس العين، وكنا نتمنى أن يكون عدد أعضاء الهيئة الناخبة مئة فأكثر، حتى يستوعب جميع مكونات وأهالي رأس العين.”

تحالف المال والجاه والسياسة

في ختام الجدل، جاءت قائمة الترميم لتضيف اسم عزّ الدين علي الدين الرزيكو، في خطوةٍ وُصفت بأنها “محاولة لتعديل المحاصصة العشائرية” كون الاعتراضات ازالت اسمين من ممثلي هذه القبيلة وابقت على واحد فقط فأضيف الرزيكو، لكن رغم أن موقفه من النظام مختلفه عن قريبه علاء الدين الرزيكو، العضو شبه الدائم في مجلس الشعب بعهد الرئيس المخلوع بشار الأسد، لكن ناشطين رأوا فيها إعادة تدوير لواجهات النظام العشائرية القديمة، زاد هذه الشكوك تسريبات تحدثت عن عرضٍ من عائلة الرزيكو بقيمة ربع مليون دولار لضمان ترشيح أحد أفرادها للانتخابات.

بين تصريحات الشفافية التي تُطلقها اللجنة العليا، والاتهامات المتصاعدة بالتحكم في القوائم، تبدو انتخابات رأس العين اختباراً حقيقياً لمفهوم التمثيل الشعبي في سوريا الجديدة، إذ لا يشارك فيها سوى نحو سبعة آلاف ناخب، وسط تساؤلاتٍ عن مدى حرية اختيارهم، أو ما إذا كانت الأسماء قد كُتبت سلفاً بأيدي أعضاء اللجان الفرعية، لا بأيدي الناخبين أنفسهم.