أبلغت الولايات المتحدة، حلفاءها في إسرائيل، أنها تعتزم بدء انسحاب تدريجي لقواتها العسكرية من سوريا خلال الشهرين المقبلين، وفقًا لتقارير إعلامية إسرائيلية. يأتي هذا القرار في وقت حساس تشهده منطقة الشرق الأوسط، مع تصاعد المخاوف من تداعيات الانسحاب على توازن القوى الإقليمي ومكافحة الإرهاب.
بحسب تقرير نشرته صحيفة “يديعوت أحرنوت” الإسرائيلية، فقد أبلغ مسؤولون أمنيون أمريكيون نظراءهم الإسرائيليين رسميًا بأن الانسحاب سيبدأ خلال شهرين. وذكرت الصحيفة أن إسرائيل حاولت حث واشنطن على عدم تنفيذ القرار؛ إلا أن الجهود الإسرائيلية لم تُجدِ نفعًا، فيما تؤكد المصادر استمرار الضغط على الإدارة الأميركية لمنع تنفيذ الانسحاب.
وأضاف مسؤول إسرائيلي رفيع أن الانسحاب، إذا ما تمّ، فسيكون جزئيًا في المرحلة الأولى؛ إلا أن تل أبيب تعارض هذا التحرك خشية تصاعد التوترات مع تركيا، التي تسعى لتوسيع نفوذها في شمال سوريا بعد سقوط نظام الرئيس بشار الأسد.
من جهتها، ذكرت وكالة “رويترز” أن الولايات المتحدة تخطط لخفض عدد قواتها في سوريا من حوالي 2000 جندي إلى نحو 1000 جندي، مع تركيز التواجد المتبقي في مناطق شمال شرق سوريا بالتعاون مع القوات الكردية (قسد)، التي حثتها واشنطن على قبول الاتفاق مع دمشق لضمان انسحاب نظيف لا يضر حلفاءها كما حدث في مناطق أخرى.
أبرز القواعد والمواقع العسكرية الأمريكية في سوريا
وفقًا لدراسة صادرة عن مركز جسور للدراسات في يوليو 2024، تتمركز القوات الأمريكية في سوريا في 17 قاعدة و13 نقطة عسكرية موزعة على محافظات الحسكة والرقة ودير الزور وريف دمشق؛ إلا أنها تقلصت بشكل ملحوظ مع تدخل الجيش التركي في عملية عسكرية أطلقت عليها اسم “نبع السلام”، والتي سيطر خلالها الجيش الوطني السوري على منطقتي رأس العين شمال الحسكة وتل أبيض شمال الرقة. وبالاتفاق مع الروس والأمريكان، نُشرت أكثر من 15 قاعدة ونقطة عسكرية، معظمها قرب طريق خلب الدولي، والذي كانت نقاط السيطرة الروسية تتقاطع معه حتى سقوط نظام بشار الأسد نهاية العام الماضي، حين انسحبت نحو مطاري حميميم والقامشلي، وهما قاعدتان جويتان ما زالت تحتفظ بهما روسيا، إلى جانب ميناء طرطوس.

- أولاً: قاعدة التنف
تقع في المثلث الحدودي بين سوريا والعراق والأردن، وتُعد من أهم القواعد الأمريكية في سوريا. أُنشئت في عام 2016 وتستخدم لتدريب فصائل المعارضة السورية، كما تُعتبر نقطة استراتيجية لمراقبة التحركات الإيرانية في المنطقة. - ثانياً: قاعدة حقل العمر النفطي
تقع في ريف دير الزور الشرقي، وتُعد من أكبر القواعد الأمريكية في سوريا. تحتوي على مهبط للطائرات المسيّرة والمروحية، وتضم مروحيات قتالية ومرافق لوجستية. - ثالثاً: قاعدة الشدادي
تقع جنوب محافظة الحسكة، وتُستخدم كنقطة تجمّع للوحدات الخاصة الأمريكية، وتحتوي على مهبط للطائرات المروحية. - رابعاً: قاعدة تل بيدر
تقع غرب مدينة الحسكة، وتُعتبر من القواعد الحيوية التي تتكامل مع قاعدتي “لايف ستون” (المكان الذي تَبنى فيه الشركة البلغارية في سد الحسكة الغربي) و”قصرك” (في جبل الحمة المشرف على مدينة تل تمر)، لتنفيذ المهام في مناطق ريف الحسكة. - خامساً: قاعدة رميلان (خراب الجير)
تعدّ من أهم القواعد نظراً لقربها من المناطق الكردية والحدود العراقية وأهم حقول النفط السورية، تقع في الشمال الشرقي من محافظة الحسكة وقد كانت بالأساس مهبطًا لطائرات زراعية سورية تستخدم لرش المبيدات، وتستعملها الوحدات الأميركية حاليًا كمهبط لطائرات نقل عسكري خفيف.
الأهداف الاستراتيجية للوجود الأمريكي في سوريا
يهدف الوجود العسكري الأمريكي في سوريا إلى تحقيق عدة أهداف استراتيجية، منها:
- مكافحة تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) ومنع عودته، بما يشمل حماية حقول النفط والغاز لمنع حصول التنظيم على موارد طاقية.
- مراقبة التحركات الإيرانية والحد من نفوذها في المنطقة، إضافة إلى اتخاذ إجراءات للحد من الضربات الصاروخية الإيرانية التي تصل إلى إسرائيل.
- ضمان استمرار التنسيق الأمني مع حلفائها، خاصة إسرائيل، التي تخشى من تقليص التواجد الأمريكي أن يؤدي إلى تعزيز نفوذ تركيا في شمال سوريا أو عودة حلفاء إيران.
- دعم القوات المحلية، إذ يقلق هذا الانسحاب بشكل خاص القوات الكردية، التي لعبت دورًا محوريًا في الحرب على داعش، مما يجعلها في مواجهة محتملة مع دمشق وتركيا وربما أطراف أخرى.
يأتي هذا التطور في ظل تغييرات سياسية كبيرة في سوريا، حيث تم تشكيل حكومة جديدة بعد سقوط نظام الأسد في ديسمبر 2024، وتسعى الحكومة إلى إعادة السيطرة على كامل الأراضي السورية وبناء علاقات إقليمية ودولية جديدة، بينما اتخذت الولايات المتحدة موقفًا متريثًا أعاق تطبيق خططها بصورة كاملة حتى الآن.
يطرح هذا المشهد تساؤلات حول مستقبل الوجود الأمريكي في سوريا، وما سيترتب عليه من تأثيرات استراتيجية على معادلة القوى الإقليمية والتنسيق مع الحلفاء في ظل المشهد المتقلب في الشرق الأوسط.