الرقة -دجلة نت
اطلع القاصي والداني على صعوبات معيشية السوريين على مدى 9 سنوات من الحرب الدائرة في البلاد، ما دفع الناس للعودة إلى اساليب قديمة اتبعها أجدادهم للتكيف مع شظف الحياة.
وبسبب أزمة الخبز الحالية والطوابير الكثيرة على الأفران بالرقة وريفها لجأ بعض الأهالي لاستخدام الصاج لصناعة الخبز بالطريقة التقليدية، كما تفعل “أم بشير” في مدينة المنصورة على ضفة الفرات اليمنى بجنوب الرقة.
تقول “أم بشير” (40 عاما) “عدت منذ سنوات لأخبز على الصاج، ولكن ليس كل يوم فقط عندما يتوفر لدينا الطحين ويكون هناك أزمة خانقة على الأفران، كما يحصل حاليا فمنذ ما يقارب الشهرين وأنا اخبز بشكل يومي.
وحددت اللجنة الاقتصادية في مجلس الرقة مؤخرا سعر ربطة الخبز التي تحوي 10 أرغفة بـ 145 ل.س تشترى من المندوب الذي يشتريها من الأفران بسعر 120 ل.س بدوره، في محاولة لحل أزمة الطوابير أمام أفران المدينة.
الطحين صعب المنال
تواجه السيدة صعوبة كبيرة في تأمين الطحين لأنها لا تملك أرضا زراعية لتخزن كمية معينة من القمح الطري، لذا تذهب بما يأتيها من قمح الزكاة إلى المطاحن الموجودة في البلدة، وبكميات قليلة كي لايفسد الطحين من التخزين وأحيانا تتضمن السلال الغذائية المقدمة من بعض المنظمات على كمية محدودة من الطحين، لتستخدمه في صناعة الخبز كل يومين مرة.
أمّا شراء الطحين من السوق فهي مسألة صعبة لاعتبارات منها عدم توفره وبالتالي ارتفاع أسعاره إلى نحو 600 ل.س لارتفاع أسعار القمح إلى أكثر من 400 ل.س، ولكن بروز مشكلة الازدحام على الأفران ورداءة الخبز أجبر “أم بشير” والكثير من السكان إلى صناعة خبز الصاج رغم أن تكلفته أعلى لكن جودته أعلى.
فالناس حسب -أم بشير- لا يعتمدون على خبز الأفران بشكل أساسي بل على خبز الصاج والتنور والخبز السياحي رغم ارتفاع سعره.
وكانت الجزيرة السورية تعتمد على خبز الصاج بشكل اساسي قبل انتشار الأفران بكثرة والمدعومة حكوميا، وكانت الجزيرة السورية وما زالت أهم مناطق البلاد بانتاح القمح بصنفيه الطري والقاسي.
طريقة الصناعة والأدوات
يحتاج صانع الخبز كمية كافية من الطحين تجهز سابقا على طريقتين بالاتفاق مع صاحب المطحنة، إما أن يقشر ليعطي الخبز اللون الأبيض أو يترك بقشره لنحصل على الخبز الأسمر، وحاليا يعمد المسؤولون على إضافة نسبة من النخالة عمدا للخبز المدعوم ليوفروا في الطحين.
يوضع الطحين بصحن من الألمنيوم عادة ويخلط بالماء الدافئ الذي يفضل إذابة الملح فيه قبل خلطه مع الطحين، ولأن النساء هن من يتصدى للمسألة فلهن خبرة في مزجه بالماء مع كمية مناسبة تجعله يتماسك حين يقطع بعد فترة وجيزة من الراحة.
تشرع ربة المنزل بتجهيز الحطب والأفضل هو حطب نبات القطن لكن يستخدم حطب السمسم والحطب الناتج علن حصاد المحاصيل المزروعة أو حتى عن عملية تقليم الأشجار لتستعر النار تحت الصاج.
والصاج هو قطعة من الحديد مقعرة قطرها تقريبا متر وتفضل السيدة الماهرة في اعداد الخبز الصاج الواسع لأنه يسمح لها بتوسيع الرغيف كيفما تشاء.
وعند جلب قطع العجين إلى غرفة “الخبز” وتسمى بمحافظة الحسكة بـ “دار النار” لأنها مزودة بمدفأة لها مدخنة مبنية من اللبن لتسمح بخروج الدخان من أعلى السقف بجوار الحائط الشمالي عادة، ولا مانع يحول من اشعال النار ووضع الصاج على الموقد في العراء إذا لم يكن هناك رياح شديدة تؤثر على استقرارها تحت الصاج.
تبدأ “الخبّازة” بترقيق قطعة العجين بيدها وقد تستخدم “المرّق” أو المدلاك وهن أعواد من الخشب الملساء تساعد في تحسين عملية تسوية الرغيف وإكسابه رقة تساعده على النضوج بسرعة، كما يستخدم في عملية وضع رغيف العجين أو النزع عن ظهر الصاج الأحدب والملتهب.
وأحيانا، لا تستخدم النساء سوى قليل من الطحين (اللكوك) يلك به الرغيف أو ينثر على قطعة الخشب المعروفة محليا بـ “التختة”، حيث تجري عملية ترقيق الرغيف بالعود أو بالكفين ثم رفعه ليدور بين الذراعين في الهواء قبل وضعه على ظهر الصاج، وبهذه الطريقة يكون أكثر سماكة وغير متناظر الاستدارة كما هول الحال مع استخدام “المرّق” أو “المرّقق”.
وعند النهاية تتوقف “الخبّازة” -وهذا اسم مبالغة لوصف ربة المنزل لأنها تخبز يوميا أحياينا- تتوقف عن وز النار أي وضع الحطب فالنار تحت الصاج لتخبو، ثم تجمع المراة خبزها في صحن آخر وتغطيه بقطعة القماش التي جاءت بها وهي غطاء للعجين، ثم تخرج وعيونها غارقة في الدمع من فعل الدخان.