بعد إعلان أحمد الشرع، الرئيس الانتقالي، التزام سوريا بمنع استخدام أراضيها بما يهدد أي دولة مجاورة، كشف عضو الكونغرس الأمريكي كوري ميلز أنه تناول مع الزعيم السوري الجديد ضمان تدمير السلاح الكيماوي ومكافحة الإرهاب ومصير المقاتلين الأجانب في سوريا وتقديم ضمانات لإسرائيل.
وقال ميلز المقرب من الرئيس دونالد ترامب أن المحادثات كانت بشأن شروط رفع العقوبات وتحقيق السلام.
رغم أن تصريحات الشرع لصحيفة نيويورك تايمز تتسم بالدبلوماسية، حين قال أن “أي اتفاقيات جديدة يجب أن تضمن استقلال سوريا وأمنها”، فهي تحمل دلالات خاصة مع الإشارة لوجود اتفاقيات غذاء وطاقة مع روسيا ووجوب أخذ هذه المصالح السورية في الاعتبار، خاصة أن السلاح السوري من روسيا، والعقوبات الأمريكية تعيق استبداله.
ويؤكد الشرع الحاجة للتفاهم مع روسيا وتركيا في ظل الحصار الأمريكي والغربي، لذا ربما تتفاعل روسيا مع هذه التصريحات كفرصة للحفاظ على وجودها بشكل قانوني. ومن جانبها، تركيا، التي تفاهمت مع روسيا وإيران لفتح الطريق أمام سقوط نظام الأسد، قد ترى في تحالفات جديدة فرصة لتحقيق مصالحها في سوريا.
العقوبات الأميركية فاقمت مأساة السوريين منذ تصنيف سوريا 1979 كدولة راعية للإرهاب ثم فرض عقوبات أمريكية أوربية 2011 شملت منع الاستيراد والتصدير وخاصة النفط السوري وتجميد الأموال في الخارج ثم جاء قانون قيصر 2019 لمعاقبة أي جهة تحاول مساعدة دمشق او الاستثمار بسوريا، هذا الأثر الرهيب لا خلاف عليه، ولكن لا يجب التفاوض على ملفات سيادية مقابل رفع العقوبات، مثل السلام مع إسرائيل، التي انتهكت اتفاق فض الاشتباك لعام 1974واحتلت مساحات إضافية تقدر بنحو 460 كيلومتراً مربعاً خارج خط الفصل.
لذا نرجو أن لا يكون في هذا الاطار إعلان وزارة المالية البريطانية، إزالة 12 كياناً سورياً، بما في ذلك وزارة الداخلية، وزارة الدفاع، ومديرية المخابرات العامة، من قائمة العقوبات، فبعد تصريحات الرئيس السوري الأخيرة، ومن المتوقع أن تتبعها خطوة أمريكية مماثلة بعد التوثق من الضمانات التي تحدث عنها أعضاء الكونغرس، ولا مشكلة أن تكون بحدود التطمينات دون الدخول باتفاقات ملزمة لسوريا.
وكان حريا بالسلطة الجديدة أن تربط أي تواصل حول رفع العقوبات بحفظ الاستقرار وتوحيد البلاد واشراك الجميع في إدارة البلاد من خلال حكومة انتقالية تمثيلية، وفرض سيادة القانون لتحقيق العدالة الانتقالية ومراعاة حقوق الانسان، إضافة لوجوب المطالبة بسحب القوات الأمريكية والروسية والتركية والإسرائيلية لأن وجود القوات الأجنبية يعيق تحقيق توحيد البلاد وسيادتها، التي تنص عليها قرارات مجلس الأمن وبيانات المنظمات الدولية والإقليمية في جميع المناسبات.
لا بأس أن نُذكِّر بأن الشرع يترأس حكومة انتقالية لم تفرزها صناديق اقتراع ولا توافق شعبي، بل جاءت بدعم إقليمي في لحظة سقوط النظام السابق، تحت ركام العجز والخراب، وأن معوقات رفع العقوبات مرتبطة حاليا بتاريخ الحكام الجدد وبشكل الحكم والحكومة لا بالشعب وثورته النبيلة أو بالدولة السورية، و كانت سابقا مرتبطة بجرائم نظام بشار الأسد وزمرته الحاكمة لكن الشعب يدفع ثمنها.
إن شرعية حكومة الشرع الانتقالية تظل مشروطة بقدرتها على كسب تأييد الشعب السوري، ومن غير المفيد محاولة التركيز على حصد دعم القوى الخارجية إذا كانت الحكومة لا تتمتع بكفاءة على الصعيد الداخلي، خاصة في ظل الواقع المرير الذي يعانيه المواطن السوري، فالحكومة إن تجاهلت طموحات الشعب سيكون مصيرها الفشل، تمامًا كما فشل الإعلام الرسمي السوري في مواجهة الضغوط الشعبية عبر منصات التواصل الاجتماعي، التي أصبحت المتنفس الوحيد لشعب منهك.
ومن هنا، يتعين على الشرع أن يدرك تمامًا أن البقاء في السلطة لا يمكن أن يتم من خلال قبول شروط القوى الخارجية، سواء كانت الولايات المتحدة أو إسرائيل أو غيرهما، أي خطوة في هذا الاتجاه قد تعني ببساطة تحويل النصر السوري إلى هزيمة لا يمكن استدراكها على أرض الواقع، فكيف يمكن أن يحقق الشرع استقرارًا داخليًا وهو لا يملك التفويض الشعبي الكافي والذي سيتراجع بسرعة كبيرة في حال الركون لتفاهمات جديدة مع إسرائيل لا يقبل بها السوريون، الذين كانوا يعيبون على بشار الأسد “الاحتفاظ بحق الرد”.
كان العدو الإسرائيلي يهدف إلى تكرار نموذج ضاحية بيروت الجنوبية في دمشق، لكن تدخل الفصائل السورية قدم حلا جنب دمشق التدمير، فلا يجب أن يقع السوريون في فخ تسليم الأرض مقابل اتفاقات غير واضحة، فالجولان، أرض سورية محتلة، ولا يجب التفريط بها في سبيل حل أزمات مرحلية، فأي تسوية سياسية دون استعادة الجولان ستكون بمثابة الخيانة الوطنية.
كنّا أمام خطر مزدوج، هو التهديد الإسرائيلي وتغول الميليشيات الإيرانية، واليوم تخيرنا أمريكا بأحدهما…أن يتحوّل الحديث عن “ضمانات الأمن الإقليمي” إلى ذريعة لتقييد أي مشروع مقاومة في الجولان، أو تحييد سوريا بالكامل عن الصراع في فلسطين. فهل هذه هي “سوريا الجديدة” التي وُعد بها السوريون؟ وقد كانوا يتندرون أن “حافظ الأسد باع الجولان”!
هذه التحركات يجب أن تكون بمثابة تنبيه للسوريين، فلا يمكن لهم أن يتجاهلوا حقيقة أن تمسكهم بأرضهم وحقوقهم هو الذي سيضمن لهم عودة الحياة الكريمة والحرية، لا يجب عليهم أن يفرطوا في أوراقهم التي قد تكون حاسمة، مثل منع فصائل فلسطينية من الوجود على الأراضي السورية، أو فتح الأبواب لتدخلات أجنبية دون رؤية استراتيجية واضحة، لقد خسر السوريون الكثير، لكن ما بقي لهم هو كرامتهم وأرضهم، التي إن فرطوا بجزء منها كأنهم فرطوا بها كلها.
وأخيرا، على القادة الجدد أن يدركوا أن دعمهم من قبل الشعب مرهون بتحقيق أهداف الثورة السورية كحفظ الكرامة وتحقيق الحرية المنشودة، وأن السلام لا يمكن أن يتحقق على حساب سيادة سوريا وحقوق شعبها.
فالشعب السوري لا يريد دولة فاشلة مثل لبنان والعراق ولا محاصرة كسوريا الأسد!