حل وزير الخارجية السوري والمغتربين، أسعد حسن الشيباني، الخميس بالعاصمة الروسية موسكو، في أول زيارة رسمية من نوعها منذ سقوط نظام بشار الأسد، لإجراء مباحثات ثنائية مع نظيره سيرغي لافروف، الزيارة تأتي في لحظة مفصلية، إذ تواجه دمشق تحديات سياسية وأمنية واقتصادية متعددة على وقع استمرار التوترات الإقليمية بسبب تصرفات إسرائيل غير المنضبطة ومحاولة فرض واقع جديد جنوب سوريا.

موسكو ودمشق

في قصر الضيافة التابع لوزارة الخارجية الروسية، بدا اللقاء بين الوزيرين وكأنه تأكيد على تحالف استراتيجي متين، ولكن يحمل في طياته رهانات جديدة تتعلق بوقف التهديد الإسرائيلي في الجنوب السوري وملف الجزيرة السورية والقضية الكردية والساحل، حيث تتركز القواعد العسكرية الروسية في اللاذقية وطرطوس والقامشلي . أكد الشيباني أن سوريا “تمر بمرحلة مليئة بالتحديات”، وأن بلاده تسعى إلى “علاقات صحيحة وسليمة مع روسيا قائمة على التعاون والاحترام” رغم جراح الشعب السوري لأن الشراكة الصادقة تتطلب الاعتراف بالدور الذي لعبته روسيا إلى جانب نظام الأسد، مشيرًا إلى أهمية “لم الشمل السوري” داخليًا وخارجيًا، وهو تعبير عن رغبة دمشق في تثبيت شرعيتها وتحقيق نوع من الوحدة الوطنية رغم الأزمات.

أكد وزيرا الخارجية الروسي سيرغي لافروف والسوري أسعد الشيباني، خلال مؤتمر صحفي مشترك عقد في موسكو، على أهمية فتح صفحة جديدة في العلاقات الثنائية، قائمة على “الاحترام المتبادل، والسيادة الكاملة، والتعاون المسؤول”، في وقت تعيش فيه سوريا مرحلة انتقالية بعد سقوط النظام السابق نهاية عام 2024.

من جهته، أعرب لافروف عن تطلعات روسيا بأن “يتجاوز الشعب السوري التحديات”، متمنياً زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى روسيا، في مؤشر إلى استمرار التنسيق الوثيق بين الطرفين. كما جدد لافروف دعم بلاده “لتنمية العلاقات الثنائية على أساس الاحترام والمصلحة المتبادلة”، ومشيرًا إلى وجود نحو 4 آلاف طالب سوري يدرسون في الجامعات الروسية، في رسالة تعكس عمق العلاقات الثقافية والتربوية بين البلدين.

وقال لافروف إن موسكو “تعارض بشكل واضح تحويل سوريا إلى ساحة للمنافسة الجيوسياسية بين القوى الكبرى”، مؤكدًا أن روسيا ستواصل دعمها لـ”التسوية السياسية الشاملة” التي تضمن وحدة الأراضي السورية واستقلال قرارها.

في المقابل، شدد الوزير السوري على أن دمشق “تفتح أبوابها أمام العالم اليوم”، مستندة إلى “صمود الشعب السوري وحقه المطلق في تقرير مصيره”، وأكد أن روسيا كانت ولا تزال شريكًا رئيسيًا في هذا التحول.

وصف الشيباني الاجتماع بأنه “منعطف حاسم” في العلاقات السورية-الروسية، مشيرًا إلى أن موسكو أبدت التزامًا واضحًا بسيادة سوريا ووحدة أراضيها. وأضاف:

“الشراكة الحقيقية تتطلب الاعتراف بجراح المرحلة السابقة، والانخراط في مسارات مساءلة مسؤولة تهدف إلى التهدئة والمصالحة الوطنية الشاملة.”

وأكد الوزير السوري أن التعاون مع روسيا لا يُبنى فقط على إرث الماضي، بل على معايير جديدة تضمن مستقبلًا ترسمه إرادة السوريين.

من جانب آخر، شدد الشيباني على “أن الاعتداءات الإسرائيلية تعطل مسار إعادة الإعمار”، مؤكدًا أن دمشق تلقت “التزامًا روسيًا برفض هذه الاعتداءات”، في إشارة إلى التنسيق الأمني المشترك بين الطرفين، ورغبة روسيا في إظهار نفسها كضامن للاستقرار في وجه النفوذ الإسرائيلي المتزايد في المنطقة.

مراجعة شاملة للاتفاقيات الاقتصادية السابقة

من الجانب الاقتصادي، أعلن الوزيران اتفاقهما على تشكيل لجنتين وزاريتين من الجانبين، لمراجعة وتحديث الاتفاقيات السابقة التي وُقّعت مع النظام السوري السابق.

وقال لافروف إن “عدداً كبيراً من العقود وُقّع في ظروف سياسية مختلفة”، مشددًا على أن “السلطات الجديدة في دمشق معنية بتطبيق هذه الاتفاقيات وفقًا لمصالح الشعب السوري”. وأضاف أن روسيا تدعم بقوة رفع العقوبات الغربية المفروضة على سوريا، واصفًا إياها بأنها “تضر بالشعب السوري بالدرجة الأولى”.

من جهته، شدد الشيباني على أن سوريا “بحاجة إلى كل الشركاء في مرحلة إعادة الإعمار”، موضحًا أن العلاقات مع روسيا “تدخل اليوم مسارًا استراتيجيًا جديدًا يخدم المصالح الوطنية”.

تهديدات إسرائيل والسويداء

تطرق الوزيران إلى التصعيد الإسرائيلي الأخير، حيث دان الشيباني بشدة “الاعتداءات المتكررة التي تستهدف الأراضي السورية”، مؤكدًا أن هذه الهجمات “لا تمثل فقط خرقًا فاضحًا للقانون الدولي، بل تعرقل عملية إعادة الإعمار وتغذي العنف وعدم الاستقرار”.

لافروف، من جانبه، شدد على رفض بلاده القاطع لهذه الانتهاكات، داعيًا إلى احترام قرارات مجلس الأمن المتعلقة بالجولان، وأكد أهمية استمرار وجود قوات المراقبة الأممية في المنطقة.

في سياق متصل، رد الشيباني على سؤال صحفي حول التطورات الأخيرة في محافظة السويداء، نافيًا وجود أي نية لدى الحكومة السورية لـ”استهداف أبناء الطائفة الدرزية”، مؤكدًا أن “حماية جميع السوريين مسؤولية الدولة”.

وقال:

“هناك استغلال مفضوح للورقة الطائفية من قبل إسرائيل وبعض الجهات الإقليمية، ونحن نرفض أي تدخل خارجي في شؤوننا الداخلية.”

أما فيما يخص ملف التطبيع مع إسرائيل، فقد أكد الشيباني أن “شروط دمشق واضحة”: لا تدخل في الشؤون الداخلية، لا استخدام للأقليات كورقة ضغط، وسيادة كاملة على كل شبر من الأراضي السورية.

وأشار الوزير السوري إلى أن انسحاب الجيش السوري تحت التهديد الاسرائيلي من السويداء أعقبه “حرب مناطقية”، معتبراً أن الحل يكمن في “دور الدولة الحامي للمدنيين”. كما جدد التأكيد على “محاسبة منتهكي حقوق الأقليات وحماية جميع المكونات”، مع تحذير من “أي سلاح خارج إطار الدولة” قد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار، في إشارة ضمنية إلى التوترات العشائرية والطائفية المستمرة.

لافروف بدوره أكد “حرص روسيا على وحدة سوريا واحترام سيادتها واستقلالها”، مع رفضه “محاولات زعزعة استقرار البلاد واستخدامها ساحة لتصفية الحسابات”.