بقلم – عطاالله الشمري
في ذات مرة كنت أقوم بتدريب رئيس أحدى الشركات، فبعد التعليم النظري؛ بدأت معه بالجانب العملي والتدريب على الحديث أمام الكاميرا للظهور في حديث تلفزيوني، فسألته! وأخذ بالحديث شابكا يده بالأخرى، وبعد أن أنهى إجابته على السؤال، قلت له: هل تعلم ما هي أول ملاحظة؟ قال: ما هي؟ قلت له: الحديث بيدين متشابكتين لأن هذا يوتر الجمهور ويشتته ولا يمنحه الراحة في مشاهدة حديثك وفهمه، لأنك بهذه الحركة إما أن تكون غير واثقا مما تقول أو خجولا او خائفا، أو متعبا وتريد من يديك أن يمسكان ببعضهما. ولكي تكون مرتاحا في جلستك، فالأفضل أن تجلس مستندا على ظهرك ويديك مفرودتان، وبذا تكون مرتاحا ومريحا في لغة جسدك. هذا واحدا من عشرات الأخطاء التي يقع فيها الكثير من المتحدثين ورؤساء الشركات في اللقاءات التلفزيونية.
سألت المتدرب سؤالا ثانيا، فأجاب عليه، وبعدها قال لي: كيف كانت جلستي؟ ألم تكن مريحة؟ فقلت له الجلسة ربع المشكلة! أما المشكلة الأساسية في الكلمات التي قلتها عندما كنت استفزك بسؤالي والذي قد يسأل مثله أي زميل من المذيعين أو المحاورين في التلفزيون أو الراديو..! فقال ما المشكلة إذاً؟ قلت له: لقد دافعت عن نفسك ولم تدافع عن فكرتك أو عمل مؤسستك وتوجهاتها، وبدلا من أن تمتص الهجوم بهدوء وبشكل إيجابي ومقنع، رددت بشكل هجومي! وهذا أخرج أسوأ ما في داخلك للجمهور، وبالتأكيد هذا غير مسموح في اللقاءات التلفزيونية، وسيجعل المحاور أو المذيع هو المنتصر! وأنت المنهزم ومن ورائك الجهة التي تعمل فيها. وبعد أكثر من جلسة؛ تحسن المتدرب كثيرا وأصبح من خيرة المتحدثين.
بعد آلاف اللقاءات التي أجريتها مع الضيوف في التلفزيون، وآلاف الأخبار التي قمت بتحريرها؛ شاهدت أناسا مختلفين في قدرتهم بالحديث أمام الكاميرا، فبعضهم متحدث جيد من أول ظهور، وبعضهم متوسط، وبعضهم الآخر جيد قبل الكاميرا ويصبح مرتبكا أثناء اللقاء أو المقابلة.
وأما الجيد من أول مرة تجده غير مرتبك ومنطلق في الحديث أمام الكاميرا.. ولكنه يفتقد لمهارات الرد باستخدام الكلمات المنطقية، وأما المرتبك أمام الكاميرا، فتجد لديه كلاما منطقيا لكنه لا يعرف كيف يقنع الآخرين بالدليل الدامغ الذي يمتلكه، فذلك بحاجة لسرد منطقي للأدلة والقصة بداية من المشكلة إلى الحل، وبشكل يثبت به قوة فكرته، فضلاً عن أنه بحاجة للرد على السؤال المحرج بطريقة صحيحة.
التدريب الإعلامي قديم قدم الخطابة والتي لها آلاف السنين، فنجد الخطابة كانت ذات شأن في الحضارة الإغريقية، وكان الخطباء يتدربون على البحر ليرفعوا صوتهم فوق أصوات الرياح وهدير الأمواج، ويتدربون بصوت أجش في الجبال استعدادا لمواجهة خطباء آخرين في الساحات العامة أو مراكز الخطابة. وأما بالنسبة للمسلمين فقد كانت الخطابة وسيلة للدعوة للإسلام وإرشاد المجتمع وأيضا لتحفيز الجيوش. وشهدت الخطابة في الإسلام تطورا عظيما مع وجود خطباء المساجد في كل يوم جمعة.
ومع ظهور الصحافة والإذاعة والتلفزيون وُلِدَ أسلوب التصريحات والمقابلات الإعلامية وهي مزيج من الخطابة ورواية القصص، وتتمثل بالحديث الممتع أو السرد المنطقي أو كشف تفاصيل القصص والأخبار، ومن هذا المنطلق بات المسؤولين في الجهات الحكومية والخاصة بحاجة لمعرفة مهارات الظهور الإعلامي “الصحيح” والمؤثر وتجنب الأخطاء الكارثية، والتي تأتي غالبا باعتمادهم وثقتهم بانفسه وقدرتهم على الحديث.
من كل ما سبق يبرز التدريب الإعلامي كحاجة ماسة لأي مسؤول في المؤسسات والشركات أو الجهات الحكومية وشبه الحكومية في عصرنا الحالي، باعتباره “ضرورة حتمية” على كل منظمة لرئيسها والمتحدثين الرسميين لها، عبر الاعتماد على مدربين ممارسين يفهمون الثقافة المحلية، فلكل مجتمع لغة خطاب تختلف عن المجتمعات الأخرى، كما يجب تدريب أقسام العلاقات العامة وتنبيههم لتوفير كافة الإرشادات التي يحتاجها الرئيس التنفيذي أو المدير للمنظمة ليكون جاهزا للظهور الإعلامي.
المصدر: موقع الإعلامي عطاالله الشمري