قبل سنوات، عادت نورا الخليف إلى مدينتها الرقة في شمال سوريا، آملة بحياة طبيعية بعيداً عن مخيم الهول الذي يؤوي أساساً عائلات أفراد تنظيم الدولة الإسلامية، لكنها وجدت نفسها وسط مجتمع يرفضها حتى باتت تتحسر على حياة الخيم.
الخليف البالغة من العمر 31 عاماً هي واحدة من آلاف العائدين على دفعات منذ 2019 من مخيم الهول إلى بلداتهم في شمال شرق سوريا بموجب اتفاق بين قوات سوريا الديموقراطية ووجهاء العشائر.
منذ عودتها قبل ثلاث سنوات، انتقلت الخليف للعيش في منزل أهلها المتواضع في حي شعبي عند أطراف مدينة الرقة التي شكلت لسنوات أبرز معقل للتنظيم المتطرف في سوريا.
تقول نورا التي انقطعت قبل خمس سنوات أخبار زوجها السعودي الجنسية المنضوي في صفوف التنظيم، “غالبية جيراني يقولون لي ’أنت داعشية’”، تيمناً بكلمة “داعش” المتعارف عليها اختصارًا لتسمية التنظيم المتطرف.
وتضيف نورا وهي أم لطفلين “نريد أن ننسى، لكن الناس تصرّ على إعادتنا إلى الوراء. منذ أن غادرت الهول لم أشعر بالراحة على الصعيدين المالي والنفسي”.
يؤوي المخيم الواقع في محافظة الحسكة نحو 56 ألف شخص بينهم نازحون، لكن غالبيتهم من أفراد عائلات التنظيم من سوريين وأجانب نُقلوا إليه على مرّ سنوات مني خلالها التنظيم بهزائم متتالية على يد المقاتلين الأكراد المدعومين أميركياً، وآخرها في آذار/مارس 2019 في بلدة الباغوز في أقصى الشرق السوري.
وتقول الخليف التي كانت في عداد آلاف تم إجلاؤهم من الباغوز، “كان مخيم الهول أرحم علينا من الرقة”.
وتوضح “غادرت المخيم من أجل طفليّ وتعليمهما، لكن الوضع هنا ليس أفضل … أشعر بالندم لأنني غادرت المخيم”.
منذ عام 2019، غادر أكثر من تسعة آلاف سوري مخيم الهول بموجب اتفاقات مع العشائر بهدف إعادة السوريين إلى بلداتهم وقراهم، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان.
إلا أن كثراً واجهوا أوضاعاً معيشية صعبة في الخارج، فبعدما كانوا يعتمدون على المساعدات في المخيم، بات تأمين لقمة العيش مهمة صعبة في بلد يشهد أزمة اقتصادية حادة جراء النزاع المستمر منذ أكثر من 11 عاماً.
وإن كان حلم الخلف السفر خارج البلاد، فإن وضعها المالي لا يسمح لها بذلك وقد وجدت نفسها مضطرة للعمل في تنظيف المنازل.
وتقول “ترفض بعض العائلات حتى أن أنظف بيوتها بسبب ارتدائي للنقاب”.
وتتابع “يرفضنا المجتمع، حاولت أن أندمج فيه لكن دون جدوى”.
– “لا يوجد رحمة” –
كفل تركي السوعان، أحد شيوخ عشائر الرقة، 34 عائلة من الهول بأمل مساعدتها على الاندماج في مجتمعاتها لكن المهمة لم تكن سهلة.
ويقول “أعرف أهاليهم، هم من المنطقة، لكنهم رغم ذلك يواجهون عدم تقبل المجتمع لهم كردة فعل على تصرّفات تنظيم داعش وممارساته”.
لكنّ بعض سكان الرقة يلقون باللوم على العائدين من المخيم، ومن بينهم سارة ابراهيم (29 عاماً) التي ترى أن “عائلات كثيرة ممن غادرت مخيم الهول منغلقة على نفسها ولا تتعامل مع جيرانها”. وفي الوقت ذاته “ترفض الكثير من عائلات الرقة التعامل معهم”، على حدّ قولها.
وتضيف “من شأن ذلك أن يدفعهم ربما إلى التطرف في المستقبل”.
خشية من أن تطالها وصمة العار، أخفت أمل (50 عاماً) المتحدرة من حلب على جيرانها الجدد أنها كانت من قاطني مخيم الهول الذي غادرته قبل سبعة أشهر مع بناتها الأرامل وأحفادها. وكانوا جميعهم من مناصري التنظيم الذي بقوا معه حتى آخر معاركه في الباغوز.
وتقول “لا يعرف جيراني في الرقة أنني كنت في مخيم الهول، أخاف أن يأخذ الناس فكرة سيئة في حال عرفوا أنني عشت في الباغوز والهول”.
وتضيف “رغم قساوة الهول لكن كانت الناس تعرف بعضها وقلوبها على بعضها، أما هنا في الرقة فلا توجد حنيّة”، مشيرة إلى أن الفرق الأساسي هو الأمان الذي يتمتعنّ به في الرقة مقارنة مع المخيم الذي يشهد بين الحين والآخر فوضى أمنية وجرائم اغتيال.
وتقول “ثمّة أشخاص ما زالوا لا يتقبلون أنني كنت أقطن في مناطق سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية”.
وتضيف “طالما أنا مرتاحة في حياتي، فلا داعي لأن يعرف الناس أين كنت”.
منذ فرارها من الباغوز، لا تعرف أم محمّد (45 عاماً) شيئاً عن زوجها، وانتقلت قبل سبعة أشهر من الهول الى الرقة.
وتسأل السيدة التي تشكي قلّة الحيلة والظروف الحياتية الصعبة، “إلى متى سيعتبرنا المجتمع ’دواعش’ ويرفضنا؟”.
وتضيف “كل ما أريده هو العيش براحة وأمان”.