عربان نت – مختار الإبراهيم
تنحو المؤسسات الاعلامية حول العالم باتجاه صحافة استقصائية من شأنها أن تصنع فارقا في المجتمعات، ولعل هذا النوع من الصحافة المتأنية ذاع صيته إبان فضيحة وترغيت التي أنهت الحياة السياسية للرئيس الأميركي الجمهوري ريتشارد نيكسون في النصف الأول من سبعينيات القرن المنصرم، ليكون أول وآخر رئيس أميركي يستقيل من منصبه.
فتح بوب ودورد وزميله كارل برنستين الباب لهذا النوع الصحفي وحصدا البوليتزر للواشنطن بوست حيث يعملان، ليفهم من هذا النوع الصحفي بأنه قائم على التسريبات، ومن ثم أتت التحقيقات المتلفزة لتكرس فكرة المصادر المغلقة عبر تقنية التصوير السري رغم كل ما تحمله هذه الأداة من محاذير أخلاقية وقانونية.
لا ننكر بأن أحد تعريفات الصحافة الاستقصائية هو كشف أمور خفيّة للجمهور، أخفاها عمداً شخص ذو منصب في السلطة، أو اختفت صدفة خلف رُكام فوضوي من الحقائق والظروف التي أصبح من الصعب فهمها، وتتطلب استخدام مصادر معلومات ووثائق سرية وعلنية، إلا أن تطور أدوات البحث في المصادر المفتوحة بات يمكّن الصحفي من إتمام تحقيقه دون الحاجة لولوج الأبواب الموصدة للوصول إلى الحقائق والبيانات.
ومع تنبه الحكومات ومن لف لفيفهم من رجال أعمال ومستفيدين يعيشون في كنف الفساد لضرورة حجب المعلومات والأدلة التي قد تورطهم في قضايا غسيل الأموال والفساد وسوء استغلال السلطة، قابلها تطور الوسائل والأدوات التي مكّنت الصحفيين من تعّقب الفساد عبر المصادر المفتوحة.
التحقيقات الاستقصائية القائمة على المصادر المفتوحة تعتمد على جمع وتحليل معلومات وبيانات يتم جمعها من مصادر عامة أو مفتوحة، وتستخدم أدوات خاصة لإجراء البحث والعثور على أدلة تؤكد صحة فرضية التحقيق أو نفيها. وتكون هذه المصادر متاحة للجميع مثل خرائط موقع غوغل والمواقع التي ترصد حركة المطارات والسفن وصفقات بيع الأسلحة والذخائر حول العالم.
إثر اندلاع ثورات الربيع العربي اشتدت القبضة الأمنية للأنظمة الحاكمة على حرية الإعلام، وبسبب الغموض الذي رافق القصف الكيماوي على الغوطة الشرقية عمل الصحفي البريطاني الشاب إليوت هيغينز على تأسيس موقع “بلينغكات” للتحقيقات الاستقصائية القائمة بشكل كامل على المصادر المفتوحة وتناولت مواضيع مختلفة أبرزها الشأن السوري بشكل رئيس، والتدخل العسكري الروسي في أوكرانيا.
ويجمع الموقع بين المصادر المفتوحة المتاحة للجميع من جهة (بعضها يحتاج إلى اشتراك مدفوع للحصول على بيانات غير متاحة) والاعتماد على ما يبثه صحافيون مواطنون وناشطون ميدانيون من جهة أخرى، ومن ثم جمع المعلومات المتوافرة على الإنترنت وتحليلها ومقاطعتها.
بدأ إليوت هيغينز بتحليل الضربات الجوية باستخدام معلومات المصادر المفتوحة وتوصل به العمل إلى تحليل الضربات الكيماوية المستخدمة في مناطق مختلفة داخل الجغرافيا السورية.
كما اكتسب المزيد من الشهرة بفضل تحقيقه حول إسقاط طائرة الخطوط الجوية الماليزية الرحلة 17 وتسمم العميل الروسي سيرغي ويوليا سكريبال.