اسم الكاتب وصورته
صورة الكاتب محمـد العلـي

فيما تستعد فرنسا لاستقبال الرئيس السوري المؤقت، أحمد الشرع، في أول زيارة له إلى أوروبا، تعصف بالساحة السورية عاصفة من التوترات السياسية والطائفية، لكن باريس تضع نصب عينيها مجموعة من الملفات اختزلها وزير الخارجية، جان نويل بارو، في معرض رده على على زعيمة اليمين مارين لوبان، فلماذا تهتم فرنسا باستقبال الشرع؟!


يجيب رأس الدبلوماسية الفرنسية على السؤال، بأن استقرار سوريا مهم من أجل “أمن الفرنسيين، ومكافحة الإرهاب، وضبط تدفقات الهجرة، والسيطرة على تهريب المخدرات، كل هذا يحدث في سوريا إلى جانب مستقبل لبنان، الذي أكد الشرع مرارا ان دمشق لن تلعب دورا سلبيا، ولذلك عدم الدخول في حوار مع السلطات، بعد 14 سنة من حكم بشار الأسد الدموي، سيكون تصرفًا غير مسؤول تجاه الفرنسيين، بل سيكون بمثابة فرش السجادة الحمراء لداعش.”



الشرع، الذي كان في طليعة القوى التي قاتلت تنظيم الدولة الإسلامية في أقسى معاركه شمالاً وشرقاً، يجد نفسه اليوم في مرمى نيران حلفاء الأمس. فـ”تحالف الأقليات” الذي طالما اتكأ عليه النظام السوري السابق، من علويين ودروز، وحتى شركاء البراغماتية مثل الأكراد، بات يشنّ هجوماً شرساً على الرجل الذي يُفترض أنه يقود البلاد في مرحلة انتقالية محفوفة بالمخاطر وسط توافق إقليمي – دولي على الحاجة لقوات منظمة تستطيع ضبط الفوضى المتوقعة بعد سقوط نظام بشار الأسد.

من المفارقات المؤلمة في المشهد السوري أن القوى التي صمتت طوال 14 عاماً على فظائع نظام بشار الأسد — من مجازر جماعية إلى تهجير ممنهج — تكتشف فجأة حساسية مفرطة تجاه كل خطأ ترتكبه الإدارة الجديدة، وتتجاهل أن هذه الأخطاء الكبيرة تأتي كرد فعل على هجمات لمسلحين موالين للنظام السابق، الذي قصف داريا، وارتكب فظائع مجازر سجن صيدنايا وما كشفته صور قيصر، التي لم تثر حفيظة هذه النخب الطائفية والسياسية كما يثيرها محاولة قوات الحكومة في دمشق فرض سيطرتها على العاصمة وتطهير محيطها من الميليشيات الطائفية أو عملها على توحيد البلاد من جديد.

الأمر لا يقتصر على الداخل السوري، دول كانت شريكة فعلية للنظام في إعادة إنتاج سلطته – أو غضّت الطرف عن جرائمه بحجة “الاستقرار” – مثل إسرائيل تبدو اليوم أكثر قسوة في مقاربة الوضع الجديد وتحاول تصوير الوضع وكأن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) استولى على الحكم، في المقابل، غضّت الطرف لعقود عن سلطة كانت تمارس القمع كسياسة، والتجويع كسلاح ضد الشعب السوري.

الشرع لا يحمل عصاً سحرية، لكنه، وفق تقارير استخباراتية غربية وإقليمية، كان أحد أوائل من حاربوا داعش، ليس فقط بالخطاب بل على الأرض، في معارك كلفته الكثير خاصة بدير الزور و الحسكة عام 2014. فاختفاؤه من المشهد اليوم في هذه اللحظة الحرجة، يعني — عملياً — فراغاً أمنياً لا يُستهان به في مناطق شاسعة تشكل ثلثي سوريا. فراغ لا يلبث أن تملؤه جماعات كتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) أو على الأقل فقدان السيطرة كليا على الفصائل العسكرية، وهو سيناريو تعرف الأقليات جيداً ما يعنيه، وتدركه حدود لبنان، وتتحسب له تل أبيب، التي تحاول قضم المزيد من الأراضي السوري لتفاوض السوريين عليها مقابل السلام، الأمر الذي اعلن وزير الخارجية أسعد الشيباني رفضه، مؤكدا من الأمم المتحدة بأن سوريا لن تهدد دول الجوار بما فيها إسرائيل، لكن لا يوجد حديث حول التطبيع معها لأنها تحتل جزءا من التراب السوري.

اختارت فرنسا أن تفتح نافذة حوار — مشروطة — مع الرئيس الشرع، خطوة باريس فتحت باب الجدل مع زعامات اليمين المتطرف، غير أن البديل عنه ليس نظاماً ديمقراطياً جاهزاً ولا قيادة مدنية موحّدة، بل فوضى معرّضة للاختراق من كل الجهات، وربما استمرار الانقسام الفعلي القائم حاليا. ولعل ما يميز القرار الفرنسي ليس رهانه على “الرئيس الشرع” بوصفه بطلاً للتحرير كما ينظر إليه سوريا، بل إدراكه لميزان الخطر الذي قد يهدد المتوسط برمّته إذا تُركت سوريا دون مد يد العون لها، خاصة أن المقارنة العادلة مع إرث بشار الأسد الدموي، لا يخدم الأقليات وشركاؤهم الإسرائيليين أو الإيرانيين.

فسوريا بلد لا يمكن تجاوزه دبلوماسيًا لموقع في المنطقة، فله حدود مع لبنان، مع إسرائيل التي تحتل فلسطين والجولان، ومع الأردن، فتركه للفوضى أمر خطير، ويجب ان نتذكر أنه في عهد نيكولا ساركوزي أو جاك شيراك، الرؤساء السوريون كانوا يزورون فرنسا، أو الفرنسيون كانوا يزورون دمشق، حتى خلال جنازة حافظ الأسد عام 2000، أو تنصيب بشار الأسد، وحتى بعد أزمة اغتيال رفيق الحريري كانت أول زيارة لبشار الأسد إلى العاصمة الفرنسية.

لا اتفق مع رأي المحللين بأنها خطوة اختبار من قبل ماكرون للحكام الجدد في دمشق، بل هي نهاية الاختبارات التي كان يعمل عليها منذ شهور، عندما طُرحت هذه الدعوة للزيارة، في مؤتمر باريس في 13 شباط/فبراير، وكان ينتظر تحقق المطالب التي وُضعت على الطاولة أمام الحكومة المؤقتة بيد الشيباني وتحققت لذا جرت دعوته، وهي مناسبة سيستغلها الشرع للاستفادة من وزن فرنسا لوقف اعتداءات إسرائيل وبملف لبنان ورفع العقوبات الاقتصادية، ما يسمح بالوفاء بباقي التعهدات بعد دوران عجلة الاقتصاد السوري.

وترى باريس أن ضلوعها بدور دبلوماسية مع بلد استراتيجي كسوريا ضروري لاستمرار التأثير على سلوك الحكام الجدد بدلًا من ترك حكومة تثير الجدل بسبب خلفياتها الأيديلوجية ما قد يؤدي إلى انتهاجها طرقا أخرى نحو الشمال وربما الشرق، وهذا خطر كبير فسوريا ليست بعيدة كغيرها الشرق التي ربما لا تصل تأثيراتها كاملة إلى دول أوروبا وحلفائها بالشرق الأدنى.