حذرت لجنة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في سوريا من تصاعد العنف وانهيار الاقتصاد ومن كارثة إنسانية. فقد نزح أكثر من نصف السكان الذين كانوا في البلاد قبل الحرب، ويعيش أكثر من 90 في المائة منهم في حالة فقر الآن، مما يجعل السوريين “يقفون على حافة هاوية جديدة” في ظل تصاعد العنف بسبب المناوشات العسكرية والقصف من جهة، وعمليات الاختطاف والقتل بعيدا عن مناطق الصراع من جهة أخرى.
وسلّط تقرير صدر عن لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن الجمهورية العربية السورية، الضوء على ما قال إنه توثيق لانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان الأساسية والقانون الإنساني الدولي من قبل أطراف النزاع، بما في ذلك جرائم الحرب وأنماط مستمرة للجرائم ضد الإنسانية، مع ازدياد معاناة السوريين بعد أكثر من 10 أعوام من الصراع.
ومن المقرر تقديم تقرير اللجنة في 18 آذار/مارس خلال حوار تفاعلي في الدورة التاسعة والأربعين لمجلس حقوق الإنسان.
وقال رئيس اللجنة، باولو بينيرو: “مع أن أجزاء من سوريا لم تعد خاضعة للقتال النشط، يستمر العنف ضد المدنيين في جميع أنحاء البلاد، من القصف في الشمال الغربي والشمال، والشمال الشرقي إلى أعمال القتل المستهدف والاحتجاز غير القانوني والتعذيب.”
وأكد أن السكان يعانون من فقر مدقع يصيب السوريين في كل مكان، خاصة النازحون داخليا.
وقال بينيرو: “هذه هي الهاوية التي يواجهها الشعب السوري العالق بين الأطراف المتحاربة والذي يتعرض للقمع والاستغلال من قبل الجهات المسلحة في كل مكان”.
عنف متزايد
بحسب التقرير، شهدت الفترة المشمولة بالتقرير قصفا متزايدا في شمال غرب البلاد ومناوشات بين الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا وقوات سوريا الديمقراطية في الشمال الشرقي.
وفي إدلب وغرب حلب شمال غربي سوريا، تعرضت مناطق سكنية للقصف العشوائي من البر على يد القوات الموالية للحكومة.
وقال المفوض هاني مجلي: “من بين العديد من الحوادث التي حققنا فيها، قُتلت عروس في حفل زفافها مع أربع أخوات صغيرات؛ وتم استهداف مخيم نزوح للأرامل وأطفالهن عمدا؛ واستهدف القصف الأطفال وهم في طريقهم إلى المدرسة.”
قُتلت عروس في حفل زفافها مع أربع أخوات صغيرات وتم استهداف مخيم نزوح للأرامل وأطفالهن عمدا — هاني مجلي
كما تعرض المدنيون للهجوم بأسلحة دقيقة التوجيه وضربات جوية – ويشمل ذلك الضربات حيث تم تحديد طائرات روسية ثابتة الجناحين تحلق فوق المناطق المستهدفة.
وفي شمال حلب، وفي منطقتي رأس العين وتل أبيض التي يسيطر عليها الجيش الوطني السوري المعارض، استمر القصف العشوائي والهجمات بالعبوات الناسفة في التسبب في الوفيات بين المدنيين وفقا للتقرير. وأدى القصف المدفعي للقوات الموالية للحكومة أو قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد على مناطق مأهولة بالسكان إلى مقتل ما لا يقل عن 13 مدنيا وإصابة أكثر من 91 مدنيا في حوادث موثقة بمنطقة شمال حلب.Photo: UNESCO/Prof. Abdulkarimهذا المتحف تعرض لأضرار شديدة في حلب.
حياة يومية بائسة
بعيدا عن الجبهات النشطة، أصبحت الحياة اليومية للنساء والرجال والأطفال السوريين أكثر صعوبة وخطورة من أي وقت مضى، حيث يعاني 12 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي ويحتاج عدد غير مسبوق من السكان وهو 14.6 مليون شخص إلى المساعدة الإنسانية.
وتتفاقم الحالة الاقتصادية التي تدعو إلى اليأس بشكل متزايد بسبب الانتهاكات المرتكبة لتحقيق مكاسب نقدية. ويشمل ذلك أخذ الرهائن طلبا للفدية والابتزاز والحجز على الممتلكات لمصادرتها أو لحصاد المحاصيل وبيعها. وترتكب هذه الانتهاكات في جميع أنحاء البلاد، من قبل القوات الحكومية والجهات المسلحة الأخرى التي تسيطر على الأراضي، وغالبا ما تستهدف الأقليات.
وتواجه سوريا اليوم أسوأ موجة جفاف شهدتها منذ عقود. ويستمر التضخم، الذي قارب 140 في المائة في بداية العام، في الخروج عن نطاق السيطرة. ومع ارتفاع سعر السلع الأساسية أصلا، سيسهم اندلاع الصراع بين روسيا وأوكرانيا في زيادة ضغط الأسعار، ومن المرجح أن يدفع بالمزيد من السوريين إلى الفقر.
وفي ضوء تدهور الأوضاع المعيشية، دعت اللجنة إلى مراجعة تنفيذ العقوبات المفروضة حاليا على سوريا وآثارها. فعلى الرغم من الاستثناءات الإنسانية، “لا بد من بذل المزيد من الجهود للتخفيف من العواقب غير المقصودة على الحياة اليومية للسكان المدنيين نتيجة الامتثال المفرط.”
وتابع بينيرو يقول: “عندما لا تتم مراجعة العقوبات بشكل كافٍ، يمكن أن تؤدي إلى مزيد من أوجه النقص وعرقلة المساعدات الإنسانية للسكان الأكثر ضعفا، ما يؤثر بشكل مدمر على الجميع باستثناء النخبة السياسية والاقتصادية.”
© UNICEF/Delil Souleimanأسرة تحصل على الملابس استعدادا لفصل الشتاء من اليونيسف في مخيم الهول شمال شرق سوريا.
التمييز على أساس النوع الاجتماعي
وفقا للتقرير، يستمر التمييز والعنف على أساس النوع الاجتماعي، مع تأثر النساء والفتيات بشكل غير متناسب في جميع مناحي الحياة. وغالبا ما تفتقر النساء من بين النازحين داخليا إلى الوثائق المدنية الضرورية ويكافحن من أجل الحصول على حقوقهن القانونية.
ويتم إجبار الفتيات بشكل متزايد على الزواج المبكر ويُرسَل الأولاد لسوق العمل أو يُجنّدون في النزاع. وتقوم هيئة تحرير الشام التي تسيطر على منطقة إدلب بفرض ما يسمى بقواعد الأخلاق التي ترقى إلى التمييز على أساس النوع الاجتماعي.
وقالت المفوضة لين ويلشمان إن العنف القائم على النوع الاجتماعي يستمر بلا هوادة في سوريا، حيث تتعرض النساء والفتيات لمجموعة من الانتهاكات اعتمادا على الجهة المسلحة التي تسيطر على المناطق التي يتواجدنَ فيها.
وتابعت تقول: “تعاني النساء من العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي أثناء الاحتجاز، وفي حياتهن اليومية حيث يواجهنَ القيود التي تفرضها الجماعات المسلحة، ونقاط التفتيش التي لا تعد ولا تحصى حيث يتعرضن للخطر بشكل خاص.”
إعادة رعايا الدول الثالثة
ولاحظت اللجنة إعادة ضئيلة ولكن متزايدة من قبل الدول الأعضاء لمواطنيها المحتجزين في مخيمات الهول والروج في شمال شرق سوريا. ولكن حوالى 60 ألف معتقل، 40 ألفا منهم من الأطفال، لا يزالون محتجزين بشكل غير قانوني في المخيمات في ظروف مروعة، بما في ذلك 7,800 أجنبي غير عراقي.
ويعيش سكان المخيمات في ظروف تصل إلى حد المعاملة القاسية واللاإنسانية والمهينة، في ظل خطر دائم بالتعرض للإصابة أو القتل أو الإتجار. ويتصاعد التوتر في المخيمات مع تزايد عمليات القتل والمخاوف من اندلاع أعمال عنف على نطاق واسع.
ووقعت أكثر من 90 جريمة قتل و 40 محاولة قتل في مخيم الهول وحده في العام الماضي. وكررت اللجنة دعوتها للدول الأعضاء لإعادة مواطنيهم من النساء والأطفال من المخيمات.
وقالت ويلشمان: “لا أحد يتهم الأطفال في مخيم الهول بارتكاب جرائم، لكن تم احتجازهم في ظروف مروعة لأكثر من ثلاث سنوات، دون اللجوء إلى القانون، وحُرموا من حقهم في التعليم واللعب والرعاية الصحية المناسبة. إنهم يعاقبون على جرائم يشتبه أن يكون ارتكبها ذويهم.”
وأدى القتال العنيف الأخير في السجن الذي تديره قوات سوريا الديمقراطية والمنطقة المحيطة به في حي الغويران بمدينة الحسكة في الشمال الشرقي، والذي قتل فيه المئات ونزح الآلاف مؤقتا، إلى تسليط الضوء على محنة مئات الأطفال، معظمهم فوق سن 12 عاما، ويُحتجزون مع حوالي 12,000 رجل يُشتبه في صلتهم بداعش في مراكز الاحتجاز التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية.
© UNICEF/Delil Souleimanطفلة تحمل مستلزمات شتوية توزعها اليونيسف في مخيم الهول شمال شرق سوريا.
إخفاق في المساءلة عن الانتهاكات
أعربت اللجنة عن قلقها إزاء التقارير الأخيرة عمّا وصفته بالإخفاقات المنهجية في التحقيقات في جرائم الحرب المحتملة وغيرها من الحوادث التي تسبب أضرارا للمدنيين في سوريا في 2018-2019 من قبل التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة.
يشمل ذلك مئات التقارير عن سقوط ضحايا مدنيين والتي زُعم أن الجيش الأمريكي رفضها في البداية. وكررت اللجنة توصيتها للولايات المتحدة وجميع الأطراف بإجراء تحقيقات موثوقة ومستقلة وحيادية في الحوادث التي تنطوي على خسائر في صفوف المدنيين والتي تورطت فيها قواتها لضمان محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات، وضمان عدم تكرارها، ونشر نتائج التحقيقات.
كما يعتبر الحكم التاريخي الصادر في كانون الثاني/يناير عن محكمة كوبلنز الإقليمية العليا في ألمانيا ضد ضابط مخابرات سوري سابق نشَط في الفرع 251 سيئ السمعة، وأدين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة، تقدما ضئيلا ولكن يُرحب به في مجال المساءلة.
يجب تعزيز جميع أشكال المساءلة، من التحقيقات الجنائية إلى تلبية احتياجات العدالة اليومية للسوريين — هاني مجلي
وفي التقرير، تحيط اللجنة علما بتعثر التقدم المحرز في المساءلة وتجدد توصيتها للدول الأعضاء بمضاعفة جهودها في هذا الصدد، في غياب إجراءات متضافرة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
ووجدت اللجنة أن القوات الحكومية والأطراف الأخرى في النزاع تستمر في إخفاء مصير ومكان وجود المعتقلين، وفي كثير من الحالات ترك ذلك أفراد الأسرة عرضة للابتزاز للحصول على معلومات أو لخطر الاعتقال أو المخاطر الجسدية عند البحث عن أحبائهم المفقودين. وأثنت اللجنة على الجمعية العامة للأمم المتحدة لاعتمادها القرار 76/228 الذي يطلب من الأمين العام دراسة هذا الموضوع.
وقال المفوض هاني مجلي: “يجب تعزيز جميع أشكال المساءلة، من التحقيقات الجنائية إلى تلبية احتياجات العدالة اليومية للسوريين وتقديم بعض الحلول لعشرات الآلاف من العائلات التي فقدت أحباءها، من خلال إنشاء ولاية دولية مستقلة للتنسيق ودعم المطالبات التي تتعلق بالمفقودين، بمن فيهم الأشخاص الذين تعرضوا للاختفاء القسري.”