مختار اللإبراهيم
عندما زار الشاعر العراقي أحمد الصافي النجفي، مدينة حماة ، سحرته نواعيرها، وبهره جمالها الأخّاذ، وأسرته الحدائق المنتشرة على ضفاف العاصي وبساتينها من تخوم الرستن إلى سهل الغاب، فقال فيها:
هذي حماة مدينة سحرية وأنا امرؤ بجمالها مسحور
أنى التفت فجنة وخمائل أو أين سرت فأنهر وجسور
ياليت شعري ما أقول بوصفها وحماة شعر كلها وشعور
لُقِّبَت بمدينة أبي الفداء، ويرجع تاريخها إلى ما قبل الميلاد، وهي من أقدم المدن في العالم، وكانت حماة مملكة من الممالك السورية في العصور القديمة، وتعتبر من المدن الكنعانية وسيطر عليها الآراميون.
كما أسست إحدى القبائل الآرامية مملكة حماة الآرامية وشملت مناطق واسعة فوصلت حدودها الشمالية إلى سراقب والجنوبية إلى منابع نهر العاصي، أما حدودها الغربية فكانت حتى الجبال الساحلية التي كانت جزءا منها.
واجهت ممكلة حماة الآشوريين الذين نجحوا بالقضاء عليها في عهد سرجون الثاني 722- 705 ق.م. ولما قدم الإسكندر الأكبر إلى بلاد الشام، كانت حماة إحدى المدن التي دخلت في سلطانه وكانت من ضمن ما استولى عليه وبقيت من سنة 332 قبل الميلاد إلى سنة 62 قبل الميلاد يتعاقب عليها حكام الإمبراطورية اليونانية ولم تنج من الحروب الطائلة في تلك الأزمنة.
النواعير.. رمز حماة وأداة عمرانها
استولى الرومان على حماة في عام 64 م، وامتدت مدة ملكهم وعظمت شوكتهم ودخلت عليهم الحضارة فازدهرت البلاد وكثر السكان فقد كان المكان المسمى بلعاس في مدتهم كورة عظيمة ذات قرى كثيرة وأشجار مثمرة من زيتون وغيره وهم الذين أنشؤوا النواعير على نهر العاصي ليستفيدوا من الماء فيجري في الأمكنة المرتفعة ومما عملوه أقنية الماء مثل قناة المياه الرومانية من مصياف إلى حماة مغطاة بالحجارة يجري الماء بداخلها لتحيى به القرى المجاورة له وليشرب منه أهل المدينة وقناة أخرى من شرقي سلمية مارة بشمال حماة حتى قلعة المضيق لتعمر القرى المجاورة لها أيضا.
وكانت لهم عناية كبرى في زراعة أشجار الزيتون واستثماره فلا تكاد توجد قرية من قرى حماة إلا وبها آثار مطاحن الزيت (معاصر زيت الزيتون) وآثار مخازنه ومستودعاته حيث تعد سوريا الموطن الأول لشجرة الزيتون، وقد زادوا في بنيان القلعة وحسنوا ما شاؤوا، وعملوا بعض الجسور على نهر العاصي داخل مدينة حماة وخارجها وقد ظلت المدينة بأيدي الرومان حتى فتحها المسلمون.
سور حماة وأبوابها
بني سور حماة الكبير في العهد الروماني، ولكنه تهدم بفعل الزلزال الكبير عام 552 هـ وقام نور الدين زنكي بتجديده ومن أهم الأبواب التي أنشئت حينذاك:
1- الباب الغربي: يقع في القسم الغربي من السور في أرض العشر وذكره أبي الفداء في تاريخه في حوادث سنة 957-958 هـ.
2- باب المغار: يقع في الجراجمة وذكره أبو الفداء في تاريخه لحوادث سنة 626 هـ وذكرته سجلات المحكمة الشرعية في حماة عام 929 هـ.
3- باب النهر: وسمي بهذا الاسم للخروج منه إلى نهر العاصي في حي المدينة.
4- باب القبلي: يقع في جنوبي سور المدينة ذكره أبو الفداء في تاريخه حوادث عام 697 هـ.
5- باب العميان: وسمي بهذا الاسم لكثرة خروج العميان منه إلى سوق الطويل لشراء حاجياتهم.
6- باب العدة: يقع جنوب قلعة حماة قرب مقام النبي حام و سمي بذلك لإدخال عدة القتال منه إلى القلعة وقد ورد ذكره في سجلات المحكمة الشرعية في حماة سنة 969 هـ
7- باب الجسر: يقع في الجهة الشمالية الغربية. وباب حمص: يقع في شرقي حي الباشورة وسمي بذلك لخروج المسافرين منه إلى حمص.
8- باب النصر: مجهول موقعه إلا أن أبو الفداء ذكره في تاريخه لحوادث سنة 626 هـ.
9- النقفي: يقع شرقي قبو الطيارة الحمراء عند قبو بين الحيرين وورد اسمه في تاريخ أبي الفداء أيضا في كتابته عن احداث سنة 691 هـ.
وحين امتد عمران المدينة من جهة السوق إلى خارج السور أقيمت أربعة أبواب جديدة هي:
1- باب العرس وهو أحد أبواب سوق الطويل التي تؤدي إلى فروع السوق الخاصة بمتطلبات الأعراس.
2- باب طرابلس: سمي بذلك لأن من يود السفر إلى طرابلس يخرج منه ويقع في الجهة الجنوبية الغربية من المدينة في حي المحالبة.
3- باب دمشق: سمي بهذا الاسم لأن من يود السفر إلى دمشق يخرج منه يقع قرب سوق الطويل.
4- باب البلد: ويقع في جنوب سوق الطويل في الطريق المؤدية إلى ساحة الشهداء قرب جامع الملكي. وكان آخر الأبواب المتبقية حيث زالت معالمه في عام 1960م.