الشائعات تتنوع بين بحيرة جوفية ومدينة أثرية تحتها
تكرر المشهد أكثر من مرة وفي مواقع عدة برأس العين .. هبوط مفاجئ في أحد الشوارع وتحت أحد الأبنية وفي حقل فلاح, وهي حوادث تقترب من المدينة, مما ترك أضرار وخسائر مادية، تحاول جهات متخصصة محلية وعالمية للوقوف على أسبابها … فيما ينتظر العشرات التعويض.
مصطفى علو الذي ابتلعت الأرض بانهيار مفاجئ غرفتين من بيته المؤلف من ثلاثة غرف, ليحشر مع 14 فرد من عائلته بغرفة واحدة, تعلم من الحياة والبلدية الاقتباس من صبر النبي أيوب فيقول “بعد الانهيار نظمت البلدية ضبطا قالوا إنه للتعويض عن المصيبة التي حلت بي، ومنذ سنتين إلى اليوم لم يحرك ساكن في قضيتي، توجهت إلى المخافر، ومدير المنطقة والمحافظ دون نتيجة ولم أنل سوى الطرد والبهدلة فوق مصيبتي”.
وأضاف “لم يبق لي سوى حل واحد وكان الذي أخشاه، الاضطرار لبناء الغرفتين عبر الاستدانة من الأصحاب، دون أن يضمن لي احد عدم انهيار الغرفتين الجديدتين, فإلى اليوم لم أعرف سبب الانهيار”.
الوقوف على أسباب الانهيارات
الدراسات الجيوفيزيائية، والهيئة العامة للاستشعار عن بعد، كشفتا سابقا بتقرير لهما أن سبب الانهيارات في رأس العين يعود إلى “وجود تكهفات كارستية تحت المدينة, تتعرض لحركة هيدروليكية قد يكون المسبب لها الآبار ذات الأعماق السحيقة التي تم حفرها على سرير الخابور لضمان استمرار تدفق المياه إلى الحسكة, رغم وجود بدائل لاستجرار مياه شرب لها عن طريق نهر دجلة والفرات, والمشروعان مطروحان الآن واقتربا من التنفيذ”.
وحول سبب عدم استقرار النظام الهدروليكي قال رئيس مجلس المدينة عبد الرزاق عزيز لـسيريانيوز إن “هذه التكهفات قديمة وليست سوى مسارب ومجاري للمياه الجوفية تشكلت منذ زمن بعيد في الصخور الكارستية الكلسية, وهي ذات طبيعة خاصة تتماسك بالماء والرطوبة وتتفتت عند جفافها, ما يؤدي إلى انهيارها، وهذا ما حدث بعد جفاف الينابيع, حيث بدأنا نلاحظ الانخسافات على سطح التربة، مما دعانا ,وبمساعدة الهيئة العامة للاستشعار عن بعد, إلى تحديد المناطق التي تعتبر خطرة لمعالجتها”.
وعن العلاقة بين الانهدامات والعدد الكبير من الآبار المحفورة على مجرى الخابور قال رئيس المجلس “لا يوجد علاقة مباشرة, والأمر يتعلق بسوء شبكة الصرف الصحي من جهة وانخفاض منسوب المياه الجوفية من جهة أخرى”.
مدارس خطرة …14 بناء تم إخلاؤها بسبب الانهيارات
أكثر من 14 مبنى ضمنها بضعة مدارس تم إخلاؤها خوفا من انهيارها بعد ظهور التشققات وميلان البعض الآخر, وبسبب توقع انهيارها اثر اكتشاف حفر كبيرة تحتها وكهوف تم تحديدها من قبل الهيئة العامة للاستشعار عن بعد.
ويمكن تحديد هذه الأماكن التي تعتبر خطرة حسبما قال مدقق تراخيص البناء بشار مسطو, وأضاف “أن المناطق الخطرة هي جنوب المدينة على جانبي الكورنيش الجنوبي, وهي منطقة تحوي الكثير من المدارس ومجلس المدينة والمستشفى الوطني والخدمات الفنية وغيرها من الدوائر الحكومية، بالإضافة إلى جميع مكاتب الهندسة المدنية في رأس العين”.
رأس العين … كوكتيل شائعات !!
تقول إحدى الشائعات القديمة التي تعكس خوف سكان رأس العين من الانهيارات أن خبيرا جيولوجيا أجنبيا زار رأس العين في سبعينيات القرن الماضي ليقوم بمسح جيولوجي لصالح مديرية المشاريع الكبرى آنذاك، ولمعرفته الواسعة بهذا المجال قرر إنهاء عمله خلال النهار، وإمضاء الليل في مدينة الحسكة لينام نوما هادئا خوفا من انهيار مفاجئ.
وتقول أخرى أن المدينة عائمة على بحيرة ماء كبيرة وجفافها سيؤثر على وجود المدينة ذات الينابيع الغزيرة سابقا.
والثالثة تخبر عن مدينة أثرية كاملة أسفل قرية رأس العين هي التي تقف وراء هذه الانهدامات.
وللوقوف على مصداقية الشائعات, قال رئيس مجلس المدينة في رأس العين إن “من الطبيعي أن تكون تحت المدينة بحيرة مياه جوفية، فهي تقوم على منطقة ينابيع، حتى أن شارع الكورنيش الجنوبي كان يسمى الميّات في إشارة لوجود برك مياه كثيرة تم البناء مكانها بعد جفاف الينابيع، أما بالنسبة لوجود مدينة أثرية فهذا غير صحيح, المدينة الأثرية القديمة تقع شمال المدينة الحالية على الحدود السورية التركية تماما وتدعى اليوم بالخرابات وهي رسوم دارسة”.
“إن الله مع الصابرين”
هذه الانهيارات أدت إلى خسائر مادية كبيرة لأصحابها والعشرات ينتظر التعويض, دون أن يكون هناك جواب شاف عن إمكانية حصول المتضررين على تعويضات.
رئيس البلدية قال لـسيريانيوز “أنا أحد المتضررين من هذه الانهيارات, فانهيار الأرض تحت بناء دار الهندسة دفعني مع عدد من المهندسين لإخلاء مكاتبنا، ولم نحصل حتى الآن على تعويض على الرغم من الدعاوي التي رفعناها للمطالبة بالتعويض”.
فيما علمت سيريانيوز من المهندس بشار مستو أن “بعض هذه الدعاوى قيد التنفيذ, وهي تقدر بملايين الليرات، ولكن لا يمكن دفعها حاليا لأن هذه المبالغ غير متوفرة بالوقت الراهن “.
انعكاسات الوضع
انعكس كل ما تقدم على حركة البناء في المدينة, حيث توقفت التراخيص لأبنية جديدة لما يزيد عن السنة من شباط 2006 حتى تموز 2007, ثم استؤنف منح التراخيص بعد ذلك ولكن بحذر شديد, حيث يطلب من المتقدم بطلب ترخيص بناء أو ترميم أن ينفذ توصيات واردة من المؤسسة العامة للجيولوجيا تتضمن إجراء الدراسات الجيوتكتيكية والسبر اللازمة وبالأعماق المناسبة, لاختبار وتوصيف التربة حول كل المبنى وبداخله واقتراح طرق المعالجة المناسبة، واعتماد نظام الحصائر بدلا من نظام الركائز، وهذا يعني وقت أطول وتكلفة أعلى طبعا ما يؤدي إلى إعاقة حركة التطور العمراني في المدينة.
وفي سياق ذي صلة, شهدت حركة البيع والشراء للعقارات السكنية جمودا حادا لفترة من الزمن, لتعود بحركة بطيئة.
ويقول أصحاب المكاتب العقارية إن أعداد المنازل المعروضة للبيع كثيرة ولكن لا وجود لمن يشتري، ويقول أبو محمود صاحب مكتب عقاري إن “البيوت فقدت نصف ثمنها، وتكلف عند بنائها أكثر مما يدفع بها عند البيع”.
الحلول … تكتيكية وغير كافية
وعن الحلول المقترحة لهذه الظاهرة منذ ثلاث سنوات قال رئيس البلدية إن شبكة الصرف الصحي الإسمنتية ستستبدل بأخرى بلاستيكية، لأن الأولى تتضرر بالانخسافات ما يؤدي إلى تسرب مياه الصرف الصحي ما ينعس سلبا على التكهفات الموجودة، بالإضافة إلى الحذر عند إعطاء التراخيص الجديدة للبناء ومطالبة طالب الترخيص بتوصيات هيئة الاستشعار عن بعد.