يأتي الاتصال الهاتفي بين بشار الأسد والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بمناسبة ذكرى انقلاب 30 حزيران/يونيو في مصر، ليكشف مرة أخرى عن الاستراتيجية المزدوجة التي يتبعها الحكام العرب في قمع حركات التحرر والتجارب الديمقراطية في المنطقة، بينما يتبادلان التهاني حول “الانتصار على التطرف”، يتجاهلان تماماً الدور الذي لعباه في خلق وتغذية التطرف لإرباك الحراك الشعبي ضدهم.
أيها السادة المتابعون إن تذرع الأسد والسيسي بالتطرف هو مجرد ذريعة لقمع أي محاولة للتحرر وإقامة نظم ديمقراطية تعبر عن إرادة الشعوب في المنطقة العربية، فها هم يدعمون الجنرال حفتر لاستعادة النظام القمعي في ليبيا.
وبشار، الذي قام بإطلاق سراح المتطرفين من سجونه في بداية الثورة السورية لتشويه سمعة الثوار وتحويل الصراع إلى نزاع طائفي، يسعى الآن إلى تصوير نفسه كحامي للمنطقة من خطر التطرف.
أما السيسي، الذي جاء إلى السلطة بانقلاب عسكري على رئيس منتخب وأسس لنظام قمعي يستهدف كل أشكال المعارضة، يروج لذكرى 30 يونيو كإنقاذ لمصر من التطرف، بينما الحقيقة تشير إلى أنه استغل هذه الذريعة لتثبيت سلطته ووأد التجربة الديمقراطية الوليدة في أكبر البلاد العربية.
إن تبادل التهاني بين الأسد والسيسي يعكس توافقاً على استراتيجية قمعية تهدف إلى الحفاظ على الأنظمة الديكتاتورية في المنطقة. تحت ستار محاربة التطرف، يعمل هؤلاء القادة على تعزيز الثورات المضادة، ويدعمون بعضهم البعض في قمع أصوات الشعوب المطالبة بالحرية والكرامة والعدالة.
في الواقع، إذا كانت هناك جهة تتحمل مسؤولية الفوضى والتطرف في المنطقة، فهي هذه الأنظمة التي لم تتورع عن استخدام كل الوسائل، بما فيها خلق الميليشيات المتطرفة، لإجهاض حركات التحرر.
هذا التلاعب بالحقائق ومحاولة إعادة كتابة التاريخ لصالحهم لن تنطلي على الشعوب التي تدرك جيداً من هم الأعداء الحقيقيون للحرية والديمقراطية في المنطقة.
إن الحديث عن “وقوف الشعبين السوري والمصري في وجه التطرف” يجب أن يُفهم في سياقه الحقيقي: الأنظمة القمعية هي التي صنعت التطرف لتخويف الشعوب وتبرير قمعها.
وما يدعونه من حماية للمنطقة هو في الواقع حماية لمصالحهم الشخصية ولأنظمتهم الديكتاتورية على حساب آمال وطموحات شعوبهم في حياة حرة وكريمة.