في تصعيد ميداني غير مسبوق شمال غرب سوريا، شهدت جبهات ريفي حلب وإدلب تحركات عسكرية مكثفة مع تقدم سريع للفصائل المعارضة، التي أعلنت سيطرتها على مناطق استراتيجية هامة، بما في ذلك مدينة سراقب وأحياء في حلب. في ظل الغارات الجوية والقصف المدفعي المتواصل، تبدو المنطقة على شفا مرحلة جديدة من الصراع، حيث تتسارع وتيرة المعارك بين الفصائل المسلحة وقوات النظام المدعومة من روسيا.
وفي هذا السياق، تعيش مدينة حلب حالة من الترقب والقلق إثر حظر تجوال فرضته الفصائل العسكرية، في الوقت الذي تتكثف فيه العمليات العسكرية في مختلف المحاور، مما يعكس تعقيد الوضع العسكري والإنساني في المنطقة.
سير المعارك وحظر تجوال بحلب
في بيان صادر عن “إدارة العمليات العسكرية”، أكدت استمرار معركة “ردع العدوان” لليوم الثالث التي تهدف إلى التصدي لهجمات النظام السوري والقوات الروسية. وأشار البيان إلى أن قوات المعارضة تمكنت من إحباط محاولات تقدم جديدة لقوات النظام المدعومة بالطيران الروسي في محاور ريف حلب الغربي، مؤكدةً استمرار العمليات العسكرية لحماية المدنيين والدفاع عن الأرض.
وأكد إدارة العمليات العسكرية سيطرتها الكاملة على مدينة سراقب في إدلب واستيلائها على عشرات الدبابات والعربات العسكرية بعد مواجهات أسفرت عن مقتل أكثر من 100 عنصر لقوات النظام إلى جانب دخول قواتها لعدد من أحياء مدينة حلب بعد السيطرة على نحو 70 مدينة وبلدة في ريف حلب الغربي إلى جانب نقاط عسكرية استراتيجية.
كما حذرت الإدارة المدنيين في مدينة حلب من الاقتراب من النقاط العسكرية التابعة للنظام أو الميليشيات الإيرانية، ودعتهم إلى الابتعاد عن المناطق الساخنة حفاظًا على سلامتهم، ثم قالت في بيان منفصل إنها فرضت حظر تجوال في مدينة حلب بدءًا من الساعة 8:30 مساء اليوم الجمعة وحتى الساعة 8:00 صباح يوم غد السبت، تحت طائلة المساءلة. وأوضح البيان أن القرار يهدف إلى ضمان سلامة المدنيين وتأمين استقرار المدينة، مع استمرار عمليات إزالة الألغام ومخلفات الحرب.
وأكدت إحكام السيطرة على قرى وبلدات “تلحدية” و”خان السبل” و”الترنبة في إطار تأمين مناطق ريف إدلب الشرقي التي كان يقصفها النظام بقذائف المدفعية والطائرات الانتحارية، وفي الساق، قال المقدم حسن عبدالغني: “خلال الأشهر الثلاثة الماضية، تعرضت المناطق الخارجة عن سيطرة النظام لأكثر من 1500 غارة معادية، مستهدفة المدنيين والبنية التحتية بشكل ممنهج، تسببت بنزوح 1500عائلة”.
في المقابل، وزارة الدفاع في دمشق، تحدثت في بيان عن تصديها لهجوم وصفته بـ”الكبير” من قبل الفصائل المسلحة التابعة لما يسمى “تحرير الشام”. وأشار البيان إلى أن هذه الفصائل تستخدم أسلحة ثقيلة ومتوسطة وطائرات مسيرة، وتعتمد على دعم مجموعات أجنبية.
ووفقًا للبيان، تمكنت القوات النظامية من تكبيد التنظيمات خسائر فادحة، شملت مقتل وإصابة المئات من المقاتلين، وتدمير عشرات الآليات العسكرية، بالإضافة إلى إسقاط 17 طائرة مسيرة. وأكدت القيادة استمرار تعزيز النقاط العسكرية على محاور الاشتباك لمنع أي خروقات جديدة، مشيرةً إلى استعادة السيطرة على بعض المواقع التي كانت قد شهدت خروقات في وقت سابق.
في المقابل ذكرت إذاعة “شام إف إم” في حلب بأن أصوات القذائف والصواريخ باتت تُسمع في معظم أحياء المدينة، ما أثار حالة من القلق والخوف بين السكان، مشيرة إلى أن المعارك في ريف حلب الغربي تلقي بظلالها الثقيلة على المدينة، مع استمرار القصف المدفعي والغارات الجوية.
غارات مكثفة في إدلب
على صعيد متصل، أفاد الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) بمقتل أربعة مدنيين، بينهم نساء وأطفال، وإصابة 25 آخرين، في غارات جوية لطائرات حلف النظام وروسيا على أحياء مدينة إدلب. وشملت الأهداف مدرسة صلاح الدين ومحطة العنداني للمحروقات، ما تسبب في حرائق وأضرار واسعة النطاق.
كما أصيب 7 مدنيين بينهم 6 أطفال بجروح، وجميعهم من عائلة واحدة إثر قصف طائرات النظام وروسيا استهدف قرية فركيا جنوبي إدلب، حسب الدفاع المدني.
في مدينة حلب، أفادت وكالة “سانا” الرسمية بمقتل أربعة أشخاص وإصابة آخرين، إثر قصف مدفعي استهدف المدينة الجامعية وأحياء الحمدانية وحلب الجديدة، متهمة فصائل المعارضة المسلحة بالمسؤولية عن هذه الهجمات، دون ان تشير إلى نزوح سكان بعض الأحياء في المدينة بسبب العمليات العسكرية وخروج الطلاب من السكن الجامعي في محاولة للعودة إلى مناطقهم، وسط صعوبات في النقل بعد إغلاق طريق – حلب دمشق بسبب المواجهات.
بدورها، نفت المعارضة عبر قناة “حلب اليوم” هذه الادعاءات، ووصفتها بأنها “افتراءات” من النظام تهدف إلى تبرير حملاته العسكرية واستهداف المدنيين، فيما نفت إدارة العمليات العسكرية ما وصفتها بـ “دعاية النظام … المضللة” بقصف الأحياء السكنية في مدينة حلب، وقد شهد العالم في الأشهر الماضية تصعيده إلى جانب الميليشيات الإيرانية ضد المدنيين بشكل مكثف عبر المسيرات الانتحارية والقصف المدفعي.
اتفاقات خفض التصعيد
أكدت وزارة الخارجية التركية، مساء الجمعة، مراقبتها الدقيقة لتصاعد هجمات التنظيمات الكردية في تل رفعت ومنبج بسوريا، واصفة ان الحفاظ على السلام في إدلب المحاذية للحدود التركية، والمنطقة المجاورة لها بأنه أولوية لأنقرة.
وشدد المتحدث باسم الوزارة، أونجو كتشالي، على أن الهجمات الأخيرة تهدد اتفاقيات أستانا وتزيد التوتر، مشيرًا إلى أن تركيا أوفت بالتزاماتها في منطقة خفض التوتر في إدلب منذ عام 2017 وأن تركيا أوفت بكل حرص بمتطلبات الاتفاقيات التي شاركت فيها.
وأضاف أن تركيا تتابع بقلق عدم تنفيذ الاتفاقيات الخاصة بإنهاء وجود من وصفهم بـ “الإرهابيين” في تل رفعت ومنبج، مما يثير مخاوفها بشأن وحدة سوريا وسلامة أراضيها، في رسالة موجهة للنظام وحلفائه بأن خرق الاتفاقات بقصف ادلب وعدم الالتزام بإخراج القوات الكردية من المناطق المتفق عليها يعد عدم التزام بتنفيذ الاتفاقات منذ 2016 حتى 2019م
في المقابل ، قال مركز التنسيق الروسي في سورية إن سلاح الجو الروسي يساند (الجيش النظامي) في عملياته في حلب، منوها إلى أنه قتل المئات نتيجة غارات متواصلة خلال اليومين الماضيين شمال غرب سوريا.