مصير الجزيرة السورية يشغل تفكير معظم السوريين، لأنهم يعتقدون أنها مكمن ثروات يمكن أن تنعش الاقتصاد، وهذا ما جعلهم يهللون لاتفاق الرئيس السوري الجديد احمد الشرع مع قائد القوات الكردية «قسد»، لكن تصريحات القياديٌ في حزب العمال الكردستاني مصطفى قره سو عن الاتفاق تؤشر إلى أن مصير مناطق واسعة من البلاد مرهون بيد حزب غير سوري يتخذ قرارات على أسس أيديولوجية وتنظيمية وإقليمية تخدم معركته المستمرة مع الدولة التركية.
الاستماع لتصريحات قادة حزب الاتحاد الديمقراطي و«قسد» و«مسد» يجعل المتابع يدرك أن أصلها متضمن بتصريحات قادة حزب العمال، الذين وجدوا في الجزيرة ساحة جديدة لاستكمال حربه مع الأتراك مستفيدين من الغطاء الدولي خلال الحرب على تنظيم داعش.
لم يرفض قره سو اتفاق 10 آذار بين الرئيس أحمد الشرع وقائد قسد مظلوم عبدي فقط؛ بل اعتبره كـ «استسلام» وطالب بأن تشترك «قسد» مع حكومة دمشق بإدارة سوريا، واتبع هذا بالتهديد بأن «قسد» لن تستسلم بعد ما قدمت من «تضحيات», وهذه لهجة تصعيدية تضمن إصرارا على فرض أفكار «الرئاسة المشتركة» و«الأمة الديمقراطية» وعملياً نموذج الإدارة الذاتية على السوريين، وهي أفكار تنسب لزعيم العمال الكردستاني «عبد الله أوجلان» الذي يضغط من أجله حزب الاتحاد الديمقراطي بقيادة صالح مسلم على المجتمع السوري للمطالبة بالافراج عنه عبر مسيرات مستمرة تكثفت خلال السنة الأخيرة في الرقة ودير الزور والشدادي والحسكة، لأن الحزب يريد أن يكون اطلاق سراح أوجلان شرطا لإرساء السلام مع تركيا في المنطقة.
فالخطاب السياسي لـقادة قسد والاتحاد الديمقراطي انعكاس لتوجّه من قادة العمال الكردستاني، ما يحصل في الجزيرة السورية هو تمظهرات هذا الانعكاس.
اتفاق «الشرع» وقائد «قسد» يتضمن بنود دمج وضمان تمثيل؛ عناد كبير جعل القيادات الكردية السورية تتراجع عن مواقفها الأولية بعد سقوط بشار الأسد، لتقول إن بقاء«قسد» والإدارة الذاتية الكردية خط أحمر، الأمر الذي يجعل الشرع يربطه بما حصل في العراق وهو خير من يتحدث عن الوضع العراقي نظرا لتاريخه الشخصي، الذي أشار إليه «قره سو» منتقدا حضوره على منصة الأمم المتحدة.
فالشرق السوري، يدار فعلياً بأوامر الحزب والأمر يشمل كل المؤسسات السياسية (المجالس والبلديات) واقتصادية (نفط، زراعة، سدود، ومنافذ حدودية…الخ)، والعسكرية، و قيادة « قسد » لم تفك ارتباطها بالتنظسم الأم؛ ربما يظن البعض أن التوافق أو الرفض يتطلب قبول قواعد مجتمعية واسعة (عشائرعربية وكردية، مؤسسات مدنية، قوى عسكرية) لكن القرار بيد الحزب، وقبوله باتفاق آذار يفسح لعناصره السوريين العيش كمواطنين عاديين يتساوون مع غيرهم بالحقوق والواجبات.
في هذا الموضع بالذات، تصريحات القادة الكرد تضع سقفاً لمناورة القادة المحليين أو يعطيهم هامشاً محدوداً، فهناك التزام أيديولوجي وتنظيمي يجعل من المستحيل القبول بذلك قبل تحقيق السلام الشامل مع تركيا، لهذا يتحدثون عن ضمانات دولية تقدمها الولايات المتحدة، وبريطاينا وفرنسا وحتى روسيا بهدف الحفاظ على ما حققوه على مدى عشر سنوات من خلال التحالف مع الأمريكان.
من المهم القول: أن قادة الحزب مصرون على فرض اعتقاداتهم على السكان سواء بالحكم أو التعليم أو بالمجتمع، لكنها ستبقى مجرد أيديولوجيا مسيطرة داخل مناطق محدودة، بالتأكيد سترفض داخل البلاد ممن يسعون إلى دولة مركزية قوية، وهذا يدفع «قسد» لربط أي تطبيق فعلي بضمانات دولية وإقليمية لبناء شراكة مع دمشق بهدف إدارة سوريا أو قلب نظام الحكم فيها، وربما يعود هذا لخوف من التأييد الشعبي الكبير للحكم الجديد، ما يجعل رهان الأحزاب الكردية وغيرها على الديمقراطية خاسرا.
نهاية القول، تصريحات قره سو وصالح مسلم قبلها، تؤكد أن قرار «قسد» بيد هياكل لديها سلطة على الإدارة الذاتية و«قسد» ونفوذ أيديولوجي وتنظيمي يحدّ من هامش المناورة للقادة الكرد السوريين.