عاشت مدينة حلب، الاثنين 22 كانون الأول/ديسمبر 2025، ساعات المواجهات بين القوات الحكومة وبين القوات الكردية (قسد) في محيط أحياء الشيخ مقصود والأشرفية أوقع قتلى وجرحى، بالتزامن مع لقاء تركي -سوري في دمشق يبحث مصير الجزيرة السورية.

التصعيد، الذي بدأ بسحب مفاجئ للحواجز المشتركة من جانب «قسد» وفق رواية السلطات المحلية، سرعان ما تطور إلى قصف متبادل وإطلاق نار كثيف، خلّف قتلى وجرحى بين المدنيين، وأجبر عشرات العائلات على النزوح من أحياء الليرمون، والجميلية، والسريان، والميدان، باتجاه مناطق أكثر أمناً غرب المدينة، حسب التصريحات الرسمية.

قال الدفاع المدني السوري إن مدينة حلب شهدت «ليلة ثقيلة» مساء الاثنين 22 كانون الأول، نتيجة قصف طال أحياء سكنية انطلاقاً من مواقع «قوات سوريا الديمقراطية» في الشيخ مقصود والأشرفية، وأسفر عن استشهاد امرأة وطفلها وإصابة طفلتها بجروح إثر استهداف منزل في حي الجميلية واندلاع حريق فيه. وأوضح أن فرقه استجابت لإسعاف مصابين وانتشال شهداء وإخماد عدة حرائق وإخلاء مدنيين، رغم تعرضها لاستهداف مباشر أثناء أداء مهامها الإنسانية، ما أدى إلى إصابة عنصرين من كوادرها، مؤكداً أن الحصيلة المعلنة لا تشمل جميع الضحايا.
كما أعلنت الإدارة الذاتية الكردية مقتل امرأة وإصابة آخرين في حي الشيخ مقصود الواقع تحت سيطرتها.

البداية

محافظ حلب، عزّام الغريب، قال إن السلطات فوجئت بـ«انسحاب غير منسّق» لعناصر «قسد» من نقاط مشتركة، تلاه استهداف مباشر لقوى الأمن الداخلي، والجيش، والدفاع المدني، إضافة إلى أحياء سكنية، وفي سلسلة بيانات متلاحقة، حمّلت المحافظة «القوات الكردية» مسؤولية القصف المدفعي وإطلاق القناصات، مؤكدا أن دمشق «لن تتهاون في حماية المواطنين».

من جهتها، وزارة الصحة السورية أكدت مقتل مدنيين، بينهم امرأة وابنها، وإصابة ما لا يقل عن ثمانية أشخاص، بينهم أطفال وعنصران من الدفاع المدني، بعد قصف طال محيط مشفى الرازي، مشيرة إلى أن استهداف منشآت طبية «يشكّل انتهاكاً صارخاً للقانون والأخلاق».

توسع المواجهات

مع اتساع رقعة الاشتباكات، أُغلقت طرق حيوية، أبرزها طريق غازي عنتاب–حلب من جهة دواري شيحان والليرمون، فيما أعلنت المحافظة تعطيل الدوام في المدارس والجامعات والدوائر الحكومية داخل مركز المدينة ليوم الثلاثاء، في مؤشر على حجم القلق من انزلاق الوضع إلى مواجهة أطول.

في الأحياء الغربية، حيث لجأت عائلات نازحة، بدأت نتائج المواجهات تظهر على شكل خليط من خوف وترقّب يخشى السوريون من توسعه إلى شرق البلاد.

عقب التصعيد، حذّرت المحافظة من استهداف مناطق قريبة من أماكن احتفالات مسيحيي حلب بأعياد الميلاد ورأس السنة، داعية إلى تعليق التجمعات الدينية مؤقتاً.

وزارة الدفاع السورية شددت على أن الجيش «لم يسعَ إلى تغيير خطوط السيطرة»، بل اقتصر دوره على «الرد على مصادر النيران»، قبل أن تعلن لاحقاً صدور أمر بإيقاف الاستهداف بعد «تحييد عدد من مصادر النيران وتضييق بؤرة الاشتباك بعيداً عن الأهالي».

جاء هذا التصعيد من جهة قسد لتكون حاضرة على طاولة مفاوضات دمشق انطلاقا حيي الشيخ مقصود والأشرفية الكرديين وسط مدينة حلب، ما يكشف تعثر المساعي الدبلوماسية لتطبيق اتفاق 10 آذار لدمج القوات الكردية بالجيش السوري الجديد، في وقت تصر أنقرة على ضم هذه القوات بشكل فردي لا ككيان مميز، حسب تصريحات سابقة لوزير الدفاع التركي.

اجتماع الأتراك والسوريين بدمشق

حل وفد تركي رفيع المستوى ضيفا على دمشق، ضم وزيري الخارجية والدفاع ورئيس الاستخبارات، حيث احتل ملف «الجزيرة السورية» ودمج قسد على أساس اتفاق 10 آذار موقعاً مركزياً في المحادثات، التي بحثت التهديد الإسرائيلي وعودة اللاجئين ومكافحة الإرهاب أيضا.

أكد وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني في مؤتمر صحفي مع حقان فيدان أن الاتفاق «يعبر عن الإرادة السورية في توحيد الأراضي»، لكنه أشار إلى غياب «الجدية» لدى «قسد» في التنفيذ الاتفاق الموقع، وشاركه نظيره التركي فيدان إن الانطباع السائد هو أن «لا نية لدى قسد لتطبيق الاتفاق»، مضيفاً أن استقرار سوريا «شرط أساسي لاستقرار تركيا».

وهذا يؤكد أن أحداث حلب الأخيرة رسالة ميدانية من القوات الكردية لدمشق والأتراك، الذين يتهمون «قسد» بعرقلة مسار الحل السياسي ياتجاه دمجها في مؤسسات الدولة المحدد بنهاية العام الجاري.