في سوريا، يُعاني عشرات الآلاف من الأفراد من فئة “مكتومي القيد” من انعدام الجنسية، مما يحرمهم من حقوقهم الأساسية، ومع تحول ملايين السوريين إلى لاجئين في دول الجوار ربما ارتفع العدد بشكل كبير، لكن في هذا المقال نركز على مكتومي القيد في الحسكة.
ورغم أن التركيز غالبًا ما يكون على الأكراد المكتومين، إلا أن هناك عددًا كبيرًا من العرب المكتومين الذين يواجهون نفس المصير، لا يذكرون أبدا لأنهم عرب ولا يعتبر عدم منحهم الجنسية عملا عنصريا، لذلك ربما ترى الشبكات الحقوقية ووسائل الإعلام أن قصتهم ليست مثيرة.
في عام 2011، أصدر الرئيس بشار الأسد مرسومًا (49) يمنح الجنسية السورية لأجانب الحسكة من الأكراد، إلا أن العرب المكتومين لم يستفيدوا من هذا القرار مثلهم كمثل الكرد المكتومين ومنحت الجنسية للأجانب الحاصلين على إخراج قيد (بطاقة حمراء) فقط، مما أبقاهم في حالة من التهميش والحرمان، وهذى يشمل قرابة 70 ألف حسب تقارير صحفية.
يتركز وجود هذه الشريحة من السكان (مكتومي القيد العرب)، وهم آلاف من العرب المحرومين من الجنسية السورية في شمال محافظة الحسكة السورية، وخاصة في مناطق رأس العين، تل براك، السفح، والمبروكة، حيث ينتمون إلى عشائر عربية عريقة مثل عدوان، البكارة، بني سبعة، والطفيحيين، و تعاني العائلات من عدم وجود اعتراف قانوني بوجودهم، من تبعات قاسية، من انعدام الاعتراف القانوني إلى صعوبة إثبات هويتهم أو توثيق ممتلكاتهم، مما يعزلهم عن المجتمع ويضعهم في حالة وجودية مشابهة لشخصيات روائية لا تملك حق الحياة القانونية، مما يحرمهم من حقوق المواطنة الأساسية كالتنقل، والتعليم، والرعاية الصحية، وتوثيق العقود والملكيات.
تعود جذور مشكلة “المكتومين” في سوريا إلى الإحصاء الاستثنائي الذي أُجري في 5 أكتوبر/تشرين الأول 1962 والذي استثنى الرُحَّل من التسجيل، مما أدى إلى حرمان عشرات الالاف من الأكراد والعرب من الجنسية السورية.
صدر المرسوم التشريعي رقم 93 في 23 أغسطس/آب 1962عن حكومة الانفصال برئاسة الرئيس ناظم القدسي، استنادًا إلى المرسوم التشريعي رقم 1 المؤرخ في 30 أبريل/نيسان 1962، والقرار الصادر عن مجلس الوزراء برئاسة بشير العظمة في 22 أغسطس/آب 1962.
هذا الواقع جعلهم عرضة للتهميش والتمييز، فضلاً عن توثيق عقود الزواج، مما يعمّق من معاناتهم ويجعل مطلب الاعتراف بهم ضرورة ملحّة لتحقيق العدالة الاجتماعية.
بعد اندلاع الثورة السورية، جرب الكثير من “مكتومي القيد” العرب لأول مرة طعم حرية التنقل بعد لجوئهم إلى تركيا، حيث قدموا إثباتات مثل ضبط شرطة وشهادات مختار تؤكد أنهم ينتمون إلى العائلات السورية، بناءً على هذه الوثائق، تمكنوا من الحصول على “الكيملك” (بطاقة الحماية المؤقتة)، مما منحهم حقوقًا محدودة مثل التنقل والعمل في تركيا، بالإضافة إلى دخول المستشفيات الحكومية وفتح حسابات بنكية. رغم ذلك، ظلوا محرومين من حقوقهم في وطنهم السوري، حيث يعترفون بهم فقط في سجلات الأجهزة الأمنية دون أي اعتراف قانوني رسمي، وبعد سقوط نظام بشار الأسد نهاية العام المنصرم يأملون بالحصول على حقوق المواطنة السورية كاملة، وهذا بما سيكتبه المستقبل القريب لسوريا الجديدة.