اسم الكاتب وصورته
صورة الكاتب محمـد العلـي

شهدت مناطق جرمانا وأشرفية صحنايا في ريف دمشق تصعيدًا أمنيًا خطيرًا، خلال الأسبوع الماضي، بدأت بتسريب تسجيل صوتي لرجل درزي يحرض على البدو في محيط السويداء والمسلمين السنة في عموم سوريا، يُسيء للنبي محمد ﷺ في معرض تعليقه على أنباء اعتداء شبان دروز على عائلة من دير الزور ومحاولة اختطاف أحد أطفالها في صحنايا نهاية آذار الماضي، ورغم نفي وزارة الداخلية السورية مسؤولية أحد شيوخ الطائفة الدرزية عن التسجيل لكن عمليات البحث عن صاحبه استمرت خاصة بعد ذكر أحد المتهمين اسم “جدعان أبو فخر” لينفي التهمة عن نفسه، إلا أن الحادثة أشعلت فتيل التوترات في مناطق مثل جرمانا وأشرفية صحنايا، مما أدى إلى اشتباكات دامية خلفت عشرات القتلى والجرحى من الجانبين.


انتقال الأحداث من جرمانا إلى صحنايا

بعد انتشار التسجيل الصوتي المسيء للنبي محمد ﷺ، اندلعت اشتباكات مسلحة في محيط جرمانا، تزامن ذلك مع تدخل إسرائيلي عبر التصريحات بانها ستدخل لحماية الدروز في جرمانا ضد دمشق.

وفي محاولة للتهدئة قال محافظ السويداء الدكتور مصطفى البكور: إن “قيادة الشرطة وجّهت للتحري عن صاحب الصوت الذي أساء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بهدف تحويله إلى القضاء أصولاً”، وفي حين أعلنت قوات الأمن العام عملت على فض المواجهات بين مسلحين من داخل وخارج مدينة جرمانا، مشيرة إلى أنها لم تكن طرفا فيها وأنها خسرت قتلى من عناصرها.

وبدوره، شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ يوسف جربوع، حذر من الفتنة التي تهدف إلى ضرب وحدة النسيج السوري، وقال: “نحمّل الفاعل مسؤولية فعله ونرفض الإساءة إلى نبينا محمد عليه الصلاة والسلام والأنبياء جميعاً”.

رغم ذلك توسعت الاشتباكات إلى أشرفية صحنايا نتيجة محاولة مجموعة مسلحي “اللجان الشعبية الدرزية” التوجه إلى جرمانا ضمن رتل مسلح ترافقه سيارة مزوّدة برشاش ثقيل واستهدفت حاجزا للأمن حاول منعها، بعد التصعيد غير المسبوق، هاجمت مجموعات مسلحة حواجز لقوى الأمن العام وأوقعت قتلى وجرحى في صفوف المدنيين والعسكريين، أطلقت الحكومة السورية عملية أمنية موسعة لوضع حد للفوضى. دخلت وحدات مدعومة من وزارة الدفاع إلى البلدة، مزودة بمصفحات، وفرضت سيطرتها على الأحياء الرئيسية بعد اشتباكات عنيفة استُخدمت فيها الأسلحة الرشاشة وقذائف “آر بي جي”. ووفق وزارة الداخلية، بلغت حصيلة الضحايا 16 قتيلاً من قوى الأمن خلال يومين.

كما أعلنت السلطات عن إنشاء مركز لتسليم السلاح في بلدية صحنايا، في خطوة تهدف إلى تفكيك أي بنية مسلحة خارجة عن القانون. وبالتوازي، جرى تسيير دوريات لطمأنة المدنيين وفتح الطرق وتأمين عودة الأهالي، وسط وعود من الحكومة بتعويض المتضررين وتعزيز الوجود المؤسساتي في المنطقة.

وأعلن مدير مديرية أمن ريف دمشق المقدّم حسام الطحان عن اتفاق بشأن مدينة جرمانا بين مندوبين عن الحكومة ووجهاء جرمانا ينص على تسليم السلاح الثقيل بشكل فوري، و السلاح الفردي غير المرخص بعد فترة زمنية محددة وحصر السلاح بيد مؤسسات الدولة الرسمية، وجرى تسليم دفعة من السلاح في المدن الثلاثة بضواحي العاصمة.

ولأن التسجيل كان يحمل جملة من الإساءات تطعن بأعراض الناس وتصم فئات بعينها، تحركت مجموعات في صحنايا ومجموعات أخرى من البدو في اللجاة وأرياف السويداء ودمشق، بعد مهاجمة مجموعات مسلحة درزية حواجز الأمن، ثم محاولة رتل عسكري كبير مهاجمة دمشق قادما من السويداء، فنصبت كمينا للقادمين عند قرية براق وجرت اشتباكات أوقعت أكثر من 30 قتيلا من الجانبين قبل أن تمتد المواجهات إلى قرية الصورة الكبرى، حيث جرى تدمير قبر اللواء عصام زهر الدين المتهم بجرائم حرب خلال خدمته بجيش بشار الأسد .

ومع تصاعد المواجهات المسلحة في مناطق صحنايا وجرمانا، أعلن الجيش الإسرائيلي عن شن غارات جوية على مواقع قرب دمشق، مدعيًا أنها استهدفت مجموعات كانت تخطط لمهاجمة قرى درزية، ما أسفر عن قتيل من الأمن العام ومدني وسقوط بعض المدنيين جرحى في صحنايا، كما قتلت غاراته 4 مسلحين جراء استهدافهم بالطيران الإسرائيلي بعد محاولتهم إسقاطه قرب مدينة السويداء.

كما جرى استهداف محيط القصر الرئاسي على أطراف دمشق، حتى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وصف الغارات بأنها “رسالة حازمة” للنظام السوري الجديد، ما أثار غضبًا واسعًا بين السوريين وعلى المستوى العربي، حيث اعتبرها البعض محاولة لاستغلال الوضع الداخلي السوري لتحقيق أهداف سياسية.

في قلب هذه الأحداث، برز موقف المجلس العسكري في السويداء بوصفه تطورًا لافتًا في لهجة الطائفة الدرزية التي تترنح بين الحياد التاريخي والدفاع المسلح. فأصدر المجلس بيانين متتاليين وصف فيهما الهجمات على صحنايا والأشرفية بـ”التصعيد الإرهابي الممنهج”، وأرسل قوات دعم للجان الشعبية الدرزية، لكنه مع فشلها بالوصول والغارة التحذيرية الإسرائيلية، أصدر بيانا آخر حمل دمشق كـ “سلطة الأمر الواقع” مسؤولية مباشرة عما سماها “الجرائم الموجهة ضد الدروز”، معتبراً أن صمت هذه الجهات يمثل “شراكة في التحريض” و “استهدافاً مباشراً للنسيج الوطني السوري”.

و تبنى المجلس العسكري بيان الشيخ حكمت الهجري، الذي طاب بحماية دولية مما وصفها بـ “المجازر الداعشية التكفيرية” وعبر عن فقدانه الثقة بدمشق، وذهب المجلس أبعد منه، بإعلانه نداءً عسكرياً إلى المجتمع الدولي، داعيًا إلى تدخل عاجل للأمم المتحدة لفرض منطقة آمنة في السويداء ومحيطها. كما دعا إلى فتح تحقيق دولي في جرائم القتل والتطهير الطائفي، محذرًا دولاً إقليمية – دون تسميتها – من دعمها لتنظيمات مصنفة إرهابية. اللافت في البيان ليس فقط الاتهام، بل التعهد: المجلس شدد على رفضه القاطع لدخول “قوات الأمن العام السورية” إلى جبل العرب، مؤكداً استعداده لـ”الرد المُتناسب” دفاعاً عن الهوية الدرزية، مقابل إعلان استعداده لقبول المساعدة من أية دولة تمد يدها له بمواجهة دمشق.

بين السطور، يمكن تلمس خطاب موجَّه إلى عواصم القرار الدولي، وإلى إسرائيل ضمنًا، يعيد إنتاج سردية “الدرزي المُحاصر” الذي يطلب حماية المجتمع الدولي دون الاصطفاف مع أي من الأطراف المسلحة على الأرض. بهذا الموقف، يحاول المجلس العسكري الاستثمار في فزاعة الجهادية وتوظيفها سياسيًا، ليؤسس لدور مستقبلي ضامن في معادلة أمن الجنوب السوري، الذي يعاني من عدم استقراره الأردن، الذي أعلن من جديد إحباط محاولة تهريب مخدرات من سوريا.


موقف دمشق الرسمي

في تصعيد هو الأوسع منذ أسابيع، شنّ سلاح الجو الإسرائيلي سلسلة من الغارات الجوية 2 أيار/مايو، استهدفت مناطق متفرقة من الجغرافيا السورية في توقيت شبه متزامن. ووفقًا لتقارير وكالة سانا، استُهدف محيط قرية شطحة في ريف حماة الشمالي الغربي، ما أسفر عن إصابة أربعة أشخاص. بالتزامن، طالت الغارات أيضًا حرستا في ريف دمشق، ومنطقتي موثبين وإزرع في ريف درعا، وقال الجيش الإسرائيلي إنه استهدف مواقع الدفاع الجوي التي قد تشكيل تهديدا لحرية طائراته.

أدانت رئاسة الجمهورية العربية السورية القصف الإسرائيلي الذي استهدف محيط القصر الرئاسي في دمشق، معتبرةً ذلك تصعيدًا خطيرًا يستهدف أمن واستقرار البلاد. ودعت المجتمع الدولي والدول العربية إلى الوقوف إلى جانب سوريا في مواجهة العدوان، مؤكدة أن الاعتداءات لن تُضعف من عزيمة الشعب السوري، وأن الدولة ستواصل جهودها لتحقيق الاستقرار ومحاسبة المسؤولين عن الهجمات. كما شددت على أن سوريا لن تساوم على سيادتها وستدافع عن حقوق شعبها بكل الوسائل.

على الصعيد الشعبي، أطلق ناشطون حملة إلكترونية تحت وسم #كلنا_أحمد_الشرع، عبّروا فيها عن تضامنهم مع القيادة السورية في وجه التصعيد الإسرائيلي، مشددين على ضرورة توحيد الصفوف خلف الدولة لمواجهة التحديات الراهنة.

و أطلقت وزارة الداخلية بالتعاون مع مديرية منطقة داريا سراح العشرات على دفعات ممن اعتُقلوا على خلفية الأحداث الأخيرة في صحنايا وأشرفية صحنايا، ممن “لم تتلطخ أيديهم بالدماء”، في خطوة بدت كجزء من سياسة احتواء ميدانية وتخفيف الضغط الأمني.

وفي تطوّر ذي دلالة، قدّم محافظ ريف دمشق واجب العزاء لعائلة عنصر أمني قضى جراء الاستهداف الإسرائيلي على أطراف العاصمة.

ونتيجة التطورات في سوريا ألغى نتنياهو زيارة مقررة إلى أذربيجان، بالمقابل استقبل الشرع في قصر الشعب وفدًا أذريا برئاسة نائب رئيس مجلس الوزراء سمير شريفوف، الذي كانت بلاده تحتضن مفاوضات تركية إسرائيلية بشأن سوريا كانت الأجواء خلالها هادئة على الأراضي السورية.


ردود الفعل الدولية والعربية

في أعقاب الغارة الجوية الإسرائيلية، توالت ردود الفعل العربية والدولية المنددة، مجمعةً على إدانة هذا التصعيد الخطير باعتباره انتهاكًا صارخًا لسيادة الجمهورية العربية السورية وخرقًا للقانون الدولي.
فقد أعربت وزارة الخارجية الكويتية عن رفضها مثل هذه الهجمات تحت ذرائع أمنية، داعيةً المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته في مواجهة جرائم الاحتلال. الموقف ذاته تبنّته الخارجية الأردنية التي وصفت القصف الإسرائيلي بـ”الخرق الفاضح” لاتفاقية فض الاشتباك لعام 1974، معتبرةً أن هذه الاعتداءات لا تسهم إلا في تأجيج التوتر الإقليمي.

من جهتها، أدانت الخارجية العراقية الغارة بأشد العبارات، مؤكدةً رفضها القاطع لكل أشكال الانتهاك الإسرائيلي، بينما أعادت وزارة الخارجية اليمنية التأكيد على موقف بلادها الداعم لوحدة سوريا واستقرارها، مطالبةً بتحرك دولي فاعل لوضع حد للتصعيد الإسرائيلي. كما انضمت جامعة الدول العربية والبرلمان العربي إلى الأصوات المنددة، معتبرين أن الغارة تمثّل استمرارًا للعدوان الإسرائيلي على سوريا وتحديًا صارخًا للقوانين والأعراف الدولية.

وفي المواقف الإسلامية، أدانت رابطة العالم الإسلامي “النهج الهمجي” لإسرائيل، مجددةً تضامنها الكامل مع سوريا وشعبها. كما دان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الغارة، مطالبًا إسرائيل بوقف هجماتها واحترام سيادة سوريا ووحدة أراضيها.

لبنانيًا، أعرب رئيس الحكومة نواف سلام عن تضامن بلاده الكامل مع سوريا، مشددًا على أولوية الأمن والاستقرار في الجارة الشقيقة، فيما وصف وليد جنبلاط لقاءه مع الرئيس أحمد الشرع في دمشق بـ”الودي والصريح” خلال محاولته احتواء الأزمة، معتبرًا أن الاعتداء الإسرائيلي لا يساعد في استكمال المسار السياسي وانتقد الأصوات الدرزية المطالبة بحماية إسرائيلية، معبرا أن هذه التصرفات “انتحارا”.

من جانبها، فرنسا أدانت ما وصفته بـ “العنف الطائفي” الذي يتعرض له السكان الدروز الموجودين في جنوب دمشق، ودعت السلطات السورية لبذل كل الجهود لإعادة الهدوء وتعزيز السلام المدني بين جميع مكونات المجتمع المدني السوري كما تعهدت مرات عديدة وخاصة في إعلان باريس المشترك 13 فبراير 2025.

كما حثت إسرائيل على عدم القيام بأعمال أحادية الجانب يمكن أن تفاقم التوترات الطائفية في سوريا.

السويداء والطريق إليها

أكدت مشيخة عقل طائفة المسلمين الموحدين الدروز في محافظة السويداء، التوصل إلى اتفاق مع الحكومة السورية، والذي ينصّ على تفعيل قوى الأمن الداخلي والضابطة العدلية من أبناء المحافظة حصراً، ضمن إطار القوانين الوطنية وتحت إشراف وزارة الداخلية. وشددت المشيخة في بيان مصوّر على ضرورة تفعيل دور مؤسسات الدولة في السويداء، محذّرة من أي محاولات للتقسيم أو الانفصال، ومؤكدة حرصها على وطن يضم جميع السوريين ويخلو من الفتن والنعرات الطائفية.

وأوضحت في بيان آخر بعد تسرب أنباء عن تراجع حكمت الهجري عن الاتفاق عقب الغارات الإسرائيلية، وقالت الزعامة الروحية أن الاتفاق يتضمن إعادة تفعيل الشرطة من الكوادر السابقة في سلك الأمن الداخلي، مع التأكيد على التنفيذ الفوري لكافة بنوده. كما نفى البيان الاتفاق حول دخول قوى أمنية من خارج المحافظة أو تسليم أي نوع من السلاح، مشيراً إلى أن الاتفاق لا ينص على ذلك إطلاقاً.

ومن جهتها، حمّلت مشيخة العقل الدولة السورية المسؤولية الكاملة عن تأمين طريق دمشق – السويداء، داعية إلى وقف إطلاق النار، ورفع الحصار المفروض على عدد من المناطق، ومنها جرمانا وصحنايا، وإعادة الحياة إلى طبيعتها.

وفي ختام البيان، شددت المرجعيات الدينية الثلاث (الشيخ حكمت الهجري، الشيخ يوسف الجربوع، الشيخ حمود الحناوي) على التنسيق الكامل مع محافظ السويداء ووزارة الداخلية بخصوص تنفيذ الاتفاق، بما يعزز وحدة المحافظة ودور الدولة ضمن إطار السيادة الوطنية.

السويداء، الخميس 1 أيار 2025

في السياق ذاته، أعلن محافظ السويداء الدكتور مصطفى البكور أن الاتفاق الموقّع لا يزال سارياً، ويجري تنفيذ بنوده تدريجياً بهدف إعادة الأمن والاستقرار إلى المحافظة. وكشف البكور عن إدخال تعديلات طفيفة على بعض البنود، استجابة لمطالب محلية، مع التشديد على أن عناصر الشرطة والأمن سيكونون من أبناء السويداء، باستثناء بعض القيادات الإدارية.

وأكد المحافظ أن الطريق الواصل بين السويداء ودمشق سيؤمَّن بالكامل عبر دوريات أمنية، بالتزامن مع تفعيل دور الشرطة المحلية.

وشدد المحافظ على ضرورة التزام الجميع بالفتاوى الصادرة عن مجلس الإفتاء، محذّراً من أن “أي جهة تهدد المواطنين أو عناصر الأمن والشرطة سيتم التعامل معها بحزم”، مضيفاً أن “كل مسيء سيلقى حسابه”.