في جنوب غرب الحسكة، حيث القرى متفرقة والطرقات وعرة، يعيش السكان في عزلة تامة عن أبسط حقوق الحياة: الماء النقي. قرى مثل دبشية، الخشمانية، وطَنَبَات الرفيع تواجه شحّاً شديداً في المياه، وبعض البيوت مهجورة منذ سنوات، بينما الأسر الباقية تكافح كل يوم للحصول على سطل ماء قد لا يصل.

مبادرة فردية.. وأمل حيّ

في 11 تموز 2025، قرر أبو غزال البجاري، وهو شاب اشتهر بنقل أخبار أسواق المواشي عبر صفحته في موقعي “فيسبوك ويوتيوب” قرر إطلاق حملة “سقي الكرام” لتوزيع المياه الصالحة للشرب على القرى الأكثر حرماناً في جنوب الحسكة. أبو غزال، الذي يؤكد أنه ليس موظفاً أو تابعاً لأي جهة رسمية، يقول:

“بدأنا الحملة كمبادرة صغيرة. هدفنا إيصال المياه فقط للمحتاجين، عبر تبرعات أهل الخير من الداخل والخارج. بعض القرى مهجورة منذ أيام البعث، وما زالت منسية حتى اليوم”.

الحملة تعتمد على نقل مياه عذبة من آبار النفاشة شرق الحسكة إلى القرى الواقعة غربها، مسافة تتجاوز 80 كيلومتراً، لضمان أن تصل المياه صالحة للشرب والطهي فقط.

عطش ومعاناة

الأهالي يواجهون وضعاً مأساوياً:

  • بيوت طينية متهالكة بلا مياه وسط منطقة شبه صحراوية، وغالبية السكان يعتمدون على براميل قديمة ومكسورة أحيانا للتخزين.
  • الأطفال والرجال يملؤون بيدونات بلاستيكية من مناطق بعيد ويستخدمون الحمير لجر العربات لنقل المياه إلى القرية
  • بعض الأسر لم تتذوق الماء العذب منذ أشهر، وسط حرارة الصيف اللاهبة.

“هذه القرى مهمشة منذ زمن بعيد، والآبار المالحة لا تصلح للشرب، والحياة هنا صعبة للغاية”، يوضح أبو غزال.

تقديم المساعدات الأهلية

بحلول 8 أغسطس، تمكن فريق الحملة من توزيع خزانات مياه، سلال غذائية وبيدونات مياه بسعة 220 لتر على قريتي دبشية والخشمانية، معلنين اكتمال الدعم لهما. الحملة واصلت بعدها إلى قرى أخرى، بما فيها طرنبات الرفيع وتجمع قرى الرفيع، حيث وزّعت 5 براميل لكل أسرة، مع إمكانية زيادة الكمية حسب تبرعات أهل الخير.

الحملة، بحسب أبو غزال، تعتمد على شفافية التوزيع ومتابعة دقيقة لضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها:

“نحن مجرد وسطاء، مسؤولون عن التنسيق والتوزيع، وكل شيء يتم بإشراف مباشر لضمان وصول المياه لمن يحتاجها فعلاً”.

مع كل صهريج ماء يصل إلى هذه القرى، تتجدد لحظة أمل، لكنها مؤقتة في مواجهة واقع طويل من الحرمان والعطش. بالنسبة للكثيرين، الحملة تمثل الفارق بين الحياة والموت، بين القبول باليأس والاستمرار في الكفاح.

“نناشد أهل الخير، كل من يستطيع المساعدة، حتى ببرميل ماء واحد. كل قطرة حياة”، يختم أبو غزال حديثه.

دجلة