بعد تسعة عشر عامًا على رحيله، ما يزال اسم عبد السلام العجيلي حاضرًا في وجدان أبناء الرقة، وفي ذاكرة القرّاء العرب، كأحد أبرز أدباء القرن العشرين، وأحد وجوه سوريا الثقافية والسياسية الفريدة. طبيبٌ وشاعرٌ وروائي ووزير، رسم صورةً متكاملة للمثقف الذي جمع بين الكلمة والموقف، بين الحكمة والخيال، وبين نبض المجتمع وسرد الحياة.

من الرقة إلى العالم

وُلد عبد السلام العجيلي عام 1918 في مدينة الرقة، التي لم تكن يومًا بالنسبة له مجرد مكان للعيش، بل كانت رفيقة دربه وتوأم روحه، كما وصفها. غادرها طالبًا في المرحلة الثانوية إلى حلب، ثم إلى دمشق لدراسة الطب، لكنه ظل وفيًا لها يعود إليها بين كل مغامرة وأخرى. كان العجيلي أول طبيب يفتتح عيادة في الرقة، وأول أديب سوري ينشر قصة قصيرة “نومان” في مجلة “الرسالة” المصرية العريقة عام 1936، وهو لا يزال طالبًا في المدرسة.

البداية والآثار

أصدر العجيلي مجموعته القصصية الأولى “بنت الساحرة” عام 1948، ليعلن انطلاق مسيرته الأدبية التي ستشمل أكثر من أربعين مؤلفًا في الرواية، القصة، المقالة، وأدب الرحلات. من أبرز أعماله:
📘 قلوب على الأسلاك (1947)
📘 قناديل إشبيلية (1956)
📘 باسمة بين الدموع (1958)
📘 فارس مدينة القنطرة (1971)
📘 أزاهير تشرين المدماة (1974)
📘 ألوان الحب الثلاثة (1975)
📘المغمورون (1979)
📘 في كل وادٍ عصا (1984)
📘 أحاديث الطبيب ومجهولة على الطريق (1997)
📘 أرض السياد (1998)
📘 أجملهن (2001)

تميّز أسلوبه بلغة أنيقة، وعمق في الرؤية، وسخرية خفيفة مرّة، جعلت من نصوصه جسورًا تربط بين المدينة والبادية، بين الشرق والغرب، وبين الحنين والواقع.

عمله السياسي

لم يكن العجيلي مجرد أديب منعزل، بل خاض غمار السياسة في وقت كانت فيه البلاد تمور بالتحولات. انتُخب نائبًا عن الرقة عام 1947، وشارك في جيش الإنقاذ دفاعًا عن فلسطين عام 1948، ثم تولى منصب وزير الثقافة في حكومة بشير العظمة عام 1962، وبعدها وزارة الخارجية، ثم الإعلام، دون أن يتخلى عن عيادته، ولا عن قلمه، ولا عن عادته في زيارة جسر الرقة ومكتبة بورسعيد يوميًا.

كان العجيلي يؤمن أن الأدب ليس مهنة بل سلوك، وأن الثقافة ليست ترفًا بل مسؤولية، حتى قال عنه نزار قباني:
“العجيلي أروع حضري عرفته البادية، وأروع بدوي عرفته المدينة.”

أيقونة الرقة

لم تُنسَ سيرة العجيلي رغم كل ما جرى في الرقة من دمار وتشويه. ظلّ حاضراً في الأغنية الشعبية، في ذاكرة الجسور المدمّرة، وفي أسماء الشوارع والمكتبات، وفي مهرجان الرواية الذي حمل اسمه حتى عام 2010. مُنح وسام الاستحقاق السوري عام 2004، ووضع تمثال نصفي له أمام قاعة محاضرات الثقافة في مدينته الرقة.

رحل عبد السلام العجيلي في 5 نيسان 2006، بعد حياةٍ حافلة امتدت لـ88 عامًا، ختمها بعبارة تختصر فلسفته في العيش:
“لقد شبعت من الحياة… عشتها بكل ما فيها، وما عدت أرغب بالمزيد.”

واليوم، لا يزال العجيلي يشكّل مرآة لأدبٍ سوري خالص، لم يتكلّف، ولم يتورط في الصخب، لكنه صنع أثرًا عميقًا سيظل طويلاً في ذاكرة المكان واللغة وربما اول من نقل بيئة الفرات والجزيرة إلى ساحة الأدب من جميع أبوابها.