بعد تقديم إحاطته إلى مجلس الأمن الدولي حول الوضع في سوريا، أعلن غير بيدرسون المبعوث الخاص للأمم المتحدة أنه سيغادر منصبه. وخلال كلمته دعا المجتمع الدولي إلى دعم سوريا والوقوف بحزم ضد التدخل الأجنبي. لكنه أضاف أن نجاح المرحلة الانتقالية في البلاد “يعتمد في المقام الأول على تصرف الدولة كدولة للجميع، ليس فقط قولا بل فعلا”، قائلا إن عواقب الفشل في هذا السياق “قد تكون وخيمة”.

بعد أكثر من ستة أعوام ونصف في المنصب، أبلغ بيدرسون مجلس الأمن بنيته مغادرة منصبه لأسباب شخصية، مؤكدا أنه كان يريد ذلك منذ بعض الوقت، “ولكن بالنظر إلى التغييرات الاستثنائية في سوريا وفتح فصل جديد، كان من واجبي، بل وشرف لي، البقاء في منصبي والمساعدة في توجيه الجهود السياسية للأمم المتحدة في الأشهر الأولى الحاسمة من هذه الفترة التاريخية من الانتقال السياسي”

وأكد للمجلس أنه سيقوم بكامل مسؤولياته حتى يومه الأخير في منصبه.

وفي إحاطته لمجلس الأمن الدولي حول آخر التطورات المتعلقة بسوريا، قال بيدرسون : “لقد أكدت تجربتي في سوريا حقيقة راسخة مفادها أن الظلام أحيانا يكون أشد ما يكون قبل بزوغ الفجر. لفترة طويلة، بدا التقدم مستحيلا تماما، حتى جاء فجأة. قلة هم الذين عانوا معاناة عميقة كالسوريين، وقلة هم الذين أظهروا مثل هذا الصمود والعزيمة. اليوم، لدى سوريا والشعب السوري فجر جديد، وعلينا أن نضمن أن يصبح هذا يوما مشرقا. إنهم يستحقون ذلك بجدارة”.

وأعرب السيد بيدرسون عن قناعته بأن الوحدة في متناول اليد، وأن النجاح “رغم كل الصعاب” ممكن بالفعل إذا ما تم التعامل مع التحديات التي تواجهها سوريا بشكل جيد، وقوبلت “بمفاوضات جادة وتسويات جريئة”.

وأكد أن البديل قد يعني أن تجد سوريا نفسها “محاصرة إلى أجل غير مسمى، غير قادرة على التعافي أو إعادة البناء – وفي أسوأ الأحوال، تنزلق إلى موجات جديدة من الصراع والتدخل الخارجي. هذا السيناريو ليس في مصلحة أحد، وهذه [المرحلة] الانتقالية لا يمكن أن تفشل”.

وقال المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا إنه “من السهل نسيان” أن السلطات الانتقالية في دمشق تتصارع مع إرث هائل من “الحرب والاستبداد”، وأنها لم ترث “أنقاض المباني المحطمة فحسب، بل ورثت أيضا حطاما أعمق لنسيج اجتماعي منهك ومؤسسات متدهورة واقتصادا مفرغا”.

وأضاف أن سوريا بحاجة ماسة إلى مساعدة مادية دولية على نطاق يتناسب مع احتياجاتها وطموحاتها – بما في ذلك دعم قطاعها الخاص وتخفيف العقوبات وضوابط التصدير بشكل مستدام، بالإضافة إلى تسريع الإصلاحات المحلية وتحقيق الاستقرار السياسي.

بناء الثقة

وفيما يتعلق بالعنف الذي وقع في المنطقة الساحلية والسويداء هذا العام، أكد بيدرسون أن الشعب السوري “يحتاج إلى أن يرى أن الانتهاكات معترف بها ومعالجة وفقا للمعايير الدولية والإعلان الدستوري – حتى يتمكن جميع المواطنين والمجتمعات في سوريا من بناء الثقة بأنه لن يكون هناك تكرار أو إفلات من العقاب”.

كما رحّب بالاتصالات الأخيرة بين السلطات المؤقتة وقوات سوريا الديمقراطية الكردية التي تناولت القضايا الرئيسية، بما في ذلك مسألة التكامل العسكري والأمني ​​الحاسمة، بالإضافة إلى الحوار حول الجوانب السياسية وتدابير بناء الثقة. وقال إن التحديات لا تزال “حقيقية للغاية”، لكن رسالته لكلا الطرفين هي نفسها، فالطريق إلى الأمام “سيتطلب خطوات جريئة وتسويات حقيقية”.

مجلس الشعب باب للإصلاح

وأكد السيد بيدرسون أن إنشاء هيئة تشريعية مؤقتة ذات مصداقية “خطوة مهمة لمعالجة جوانب الإصلاح العاجلة” خلال المرحلة الانتقالية. وقال إن الاستعدادات للانتخابات غير المباشرة لثلثي أعضاء مجلس الشعب المؤقت جارية على قدم وساق، مشددا على أنها يجب أن تتبع “جداول زمنية واقعية وألا تكون متسرعة”.

وأضاف أن الشفافية والمشاركة الواسعة في الانتخابات غير المباشرة، وتعيين الرئيس للثلث المتبقي، سيكونان أساسيين لإضفاء الشرعية. وأضاف: “يجب ألا يكون هذا مجرد مكافأة للولاء، بل ضمانا للتمثيل الحقيقي وتقبلا للاختلاف”.

وأشار إلى تأكيدات السلطات الانتقالية بأنها تنظر إلى مجلس الشعب كفرصة لجعل المؤسسات المشرفة على العملية الانتقالية أكثر شمولا مما كانت عليه حتى الآن، وأكد حيوية حدوث ذلك على أرض الواقع.

عملية لم يسبق لها مثيل

أكد المبعوث الأممي أن السلطات الانتقالية والشعب السوري يحاولان إجراء عملية انتقالية “في مواجهة تحديات وحقائق معقدة وصعبة لم يسبق لها مثيل في أي مكان تقريبا”، وقد شهدت البلاد “تغييرات ملحوظة في فترة زمنية قصيرة”.

وذكّر أعضاء المجلس بأن هذه عملية انتقال سياسي تستغرق خمس سنوات، وشدد على أن عملية صياغة دستور جديد وإجراء انتخابات حرة ونزيهة إلى جانب عمليات أخرى “لن تنجح إلا إذا شاركت جميع المجتمعات والفئات الأساسية في تشكيل هذا الانتقال في سوريا”.

مجلس الأمن الدولي يجتمع لمناقشة الوضع في سوريا.

UN Photo/Manuel Elías

مجلس الأمن الدولي يجتمع لمناقشة الوضع في سوريا.

التحديات والفرص الإنسانية

من جانبه، قال وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية، توم فليتشر، إنه على الرغم من التغييرات الجذرية الجارية، “لا تزال سوريا، بكل المقاييس، تمثل إحدى أكبر حالات الطوارئ الإنسانية على مستوى العالم”.

وأشار إلى أن أكثر من 70% من السكان يحتاجون إلى شكل من أشكال المساعدة الإنسانية، حيث يعاني تسعة ملايين شخص من انعدام الأمن الغذائي الحاد، ولا يزال نحو سبعة ملايين سوري نازحين داخليا، فيما هناك أربعة ملايين آخرين لاجئين في الدول المجاورة.

وأضاف أنه بفضل التعاون والتفاعل العملي مع السلطات، أصبح إيصال المساعدة إلى المحتاجين داخل البلاد أكثر سهولة بكثير مما كان عليه الحال في ظل النظام السابق، وأن بعض المجتمعات “بدأت تتلقى دعما من الأمم المتحدة لأول مرة منذ سنوات”.

كما أشار إلى نموذج التنسيق الإنساني الأكثر كفاءة الذي أقامته الأمم المتحدة في دمشق، وتخفيف العقوبات أحادية الجانب، مما يزيل العقبات أمام أعمال إعادة الإعمار التي من شأنها تقليل الاحتياجات الإنسانية.

الاستثمار بمستقبل سوريا

من خلال هذه الجهود، وعلى الرغم من التخفيضات الحادة في التمويل، قال السيد فليتشر إن الأمم المتحدة وشركاءها يقدمون مساعدات إنسانية حيوية لما يقرب من 3.5 مليون شخص في جميع أنحاء سوريا، في المتوسط، كل شهر، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 25% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.

وأضاف أن المنظمة ووكالاتها تعمل أيضا جنبا إلى جنب مع السلطات لإعطاء الأولوية لتدخلات أكثر استدامة في جميع أنحاء البلاد تعزز القدرات المؤسسية، بما في ذلك إعادة تأهيل المستشفيات والمراكز الصحية ومحطات المياه، بالإضافة إلى تعزيز شبكات الأمان الاجتماعي.

ورغم هذا التقدم، حذر مجددا من تفويت “فرصة نادرة” للشعب السوري، مشيرا إلى أن النداء الإنساني هذا العام لم يُموّل إلا بنسبة 18%.

وقال: “لقد أُغلقت المستشفيات والمراكز المجتمعية والأماكن الآمنة للنساء والفتيات نتيجة لخفض التمويل، مما أدى إلى تفاقم مخاطر الحماية، بما في ذلك مزيد من الزواج المبكر والعنف القائم على النوع الاجتماعي”.

منذ ديسمبر/كانون الأول، عاد أكثر من 900 ألف لاجئ ونحو 1.9 مليون نازح داخلي إلى ديارهم. وفي هذا السياق، قال وكيل الأمين العام إنه بدون مزيد من التمويل، ستُقلص الجهود المبذولة، “مما يهدد استدامة هذه العودة”.

وأضاف أنه يود أن يعلن في مثل هذا الوقت من العام المقبل أن العمليات الإنسانية الطارئة في سوريا قد تقلصت بشكل كبير، “ليس لأن تخفيضات التمويل أجبرتنا على ذلك، بل تحديدا لأن المجتمع الدولي ضخ الاستثمارات اللازمة في مستقبل سوريا”.