أثار مقطع مصور لسيدة سورية ضجة واسعة بعد منعها مع نحو 70 سوريًا من عبور معبر “فيش خابور” من إقليم كردستان العراق إلى المناطق السورية الخاضعة لسيطرة القوات الكردية (قسد) في الحسكة. بينما حاولت أطراف إعلامية تبرير الحادث بوصفه “سوء تفاهم”، كشفت تسجيلات متلاحقة رواية مختلفة، واتضح أن القضية أعادت تسليط الضوء على طريقة المعبر في التعامل مع العائدين السوريين.

قالت سيدة سورية تدعى “بيان” عائدة من إقليم كردستان العراق إلى سوريا، إنها تعرضت مع عشرات السوريين لـ”تمييز عنصري” في معبر فيش خابور – المالكية، في حين أثار ظهور روايات متناقضة بشأن الحادثة، جدلاً واسعًا على وسائل التواصل الاجتماعي، وسط اتهامات للمرصد السوري لحقوق الإنسان بـ”التضليل الإعلامي حين يتعلق الأمر بالإدارة الذاتية”.

وبثّت السيدة بيان، التي كانت من ضمن مجموعة من نحو 70 سوريًا حاولوا العبور من شمال العراق إلى سوريا، مقطعًا مصورًا عبر هاتفها المحمول يظهر انفعالها وغضبها مما وصفته بـ”تمييز واضح”، قائلة إن “بعض السوريين سمح لهم بالدخول فقط بسبب انتمائهم العرقي و المناطقي أو علاقاتهم مع مسؤولي الإدارة الذاتية”، بينما تم تأخير أو منع آخرين دون تفسير واضح.

لاحقًا، في اليوم التالي نشرت صفحات مقربة من الإدارة الذاتية الكردية فيديو ثانٍ لبيان، ظهرت فيه في حافلة بعد عبورها المعبر، وهي تقول: “ألف الحمد لله. وصلنا، طلعنا على البولمان، وما صار معنا أي مشكلة. كان مجرد سوء تفاهم”.

بينما كانت السيدة بيان تُجبر على تعديل روايتها، عمد المرصد السوري إلى إعادة نشر الفيديو مع منشور باعتباره “دليلاً” على أن لا عنصرية في إدارة المعبر”.

وأفاد المرصد بعودة 135 مواطناً سورياً من إقليم كردستان إلى الأراضي السورية عبر معبر فيشخابور الحدودي، ضمن رحلتين منظمتين خلال الـ 48 ساعة الماضية. وقال المرصد، يوم الخميس (26 حزيران 2025): “دخل يوم أمس نحو 60 شخصاً، تلاهم اليوم أكثر من 75 شخصاً .

في اليوم ذاته، أعلن تلفزيون سوريا أن السلطات الكردية في معبر سيمالكا سمحت بدخول نحو 70 سورياً كانوا قد مُنعوا سابقاً، وقالت إن السبب كان غياب التنسيق مع معبر فيشخابور في إقليم كردستان العراق.

لكن هذه الرواية تتناقض مع الشهادات المسجلة من أرض الواقع، والتي تؤكد أن من تم رفض دخولهم كانوا من العرب السوريين، بينما تم السماح للأكراد فقط، ما يجعل تفسير “سوء التنسيق” غير مقنع.

وتضمنت منشورات على صفحات أنصار للإدارة الذاتية وناشطين موالين لها حملات تخوين وشتائم طالت السيدة بيان، واتهموها بـ”الكذب والدجل”، في سلوك يشي بمحاولة ممنهجة لتبرير الانتهاكات ضد العائدين من غير الأكراد.

لكنّ فيديوًا ثالثًا أعاد إحياء الجدل، ظهرت فيه بيان وزوجها بعد وصول دمشق يؤكدان أن ما جرى لم يكن سوء تفاهم، بل كان تمييزًا مقصودًا وتهديدًا صريحًا.

“واضحة… عينك عينك. ويعرفوا إنهم كذّابين”، قالت بيان في الفيديو الأخير، مضيفة: “بعد ما انفضحوا صاروا يحاولوا يبيضوا وجههم بالإعلام. مدير المعبر قال لي: هيك عملتِ ضجة، هيك فضحتينا”.

وتحدثت السيدة عن وجود عناصر مسلحة في المعبر، مضيفة أنها شعرت بالخوف من طريقة تعامل العناصر معها، مشيرة إلى أن اسمها كان مطلوبًا بالاسم من قبل الإدارة الذاتية. “قالوا لي: طالبين بيان بالاسم. وأنا بيان. قسد كانت بدها تعرف أنا مين قبل ما أوصل”، وفق قولها.

المرصد السوري يدعو قسد للتوضيح

في خضم تصاعد التفاعل، نشر المرصد السوري لحقوق الإنسان، الذي يتخذ من بريطانيا مقرًا له، تعليقًا على الحادثة قائلاً:

“برسم إدارة معبر سيمالكا التابع للإدارة الذاتية… توضيح مطلوب بشأن التعامل مع هؤلاء السوريين على أساس ‘عنصري'”.

وأضاف المرصد: “من أقحم اسمنا في القضية هم من الشبيحة الجدد الذين اعتادوا مهاجمتنا بسبب دفاعنا عن كافة مكونات الشعب السوري”.

لكنّ ناشطين اتهموا المرصد بـ”التقليل من خطورة الحادثة”، معتبرين أن صيغة البيان جاءت “لطيفة ومتسامحة” مقارنة مع مواقف سابقة اتخذها المرصد من انتهاكات فصائل معارضة في مناطق أخرى.

“لو حصل هذا في عفرين أو إدلب، لكان خطاب المرصد مختلفًا تمامًا”، كتب أحد الصحفيين السوريين على منصة إكس.

في منتصف حزيران، أصدرت حكومة كردستان العراق قراراً بإعفاء السوريين المخالفين من الغرامات، وتسهيل مغادرتهم إلى سوريا. كما تعهدت بتأمين العودة البرية وعاملتهم باحترام شديد. وهذا ما يعكس تناقضاً مع سلوك قسد في الجانب السوري، التي واجهت العائدين بالمنع والتمييز.

لتبرير الانتهاكات ضد العائدين من غير الأكراد.

شهادات من المعبر.. تمييز علني

تطابقت شهادات سوريين حاولوا العبور مع بيان. أحدهم قال: “من الساعة تسعة الصبح وأنا واقف على معبر سيمالكا، بعد ثلاث سنين من الإقامة في أربيل… وصلت أنا وزوجتي الحامل بآخر شهر، وما معنا أوراق نظامية. سلّمت الجوازات، كانت منتهية، وانتظرت نص ساعة. قلت للشاب الموجود إنو مرتي حامل ووضعي صعب، صرخ بي: روح اقعد ع الطرف.. الجو كان نار، وكراسي حديد، ونحن طالعين من الفجر”.

يتنهّد الرجل المنحدر من حلب، ويضيف في فيديو مع الصحفي السوري قتيبة:
“كل هالانتظار، وكل شي كان واضح من أول لحظة… لأني عربي، لأني شامي، لأني مو كردي! شب كردي كان معي بنفس الباص، ساعدني بالغرض، دخل مباشرة وما حدا سأله شي. لما حكيت مع الضابط المسؤول، قال لي بالحرف: ‘ما عم بقدر دخلك، لأنك عربي’.”

وأضاف انهم خدعوا العائدين بالقول أنهم سيدخلون الأراضي السوري، لكنهم أعادوهم إلى العراق: “رجعونا بإجبار بباص فيه أكتر من خمسين شخص، وهو لا يكفي غير 20، رجعونا على إقليم كردستان. أنا انسرقت، شنطتين من أغراضي ما لقيتهم. معي 6 آلاف دولار، ودفعت كلشي: خروجية، دخولية، وترتيبات، وحتى طلبت سيارة خاصة تجي من حلب تاخدني. بس ما كان في فرصة… لأنه بكل بساطة: أنا عربي”.

وتسيطر “قسد” على معبر فيش خابور (سيمالكا) الذي يقع على نهر دجلة، ويربط بين محافظة الحسكة في سوريا وإقليم كردستان العراق. وقد أثار المعبر في السنوات الماضية شكاوى متكررة من مواطنين سوريين بشأن “معايير غير واضحة للدخول”، بينما تنفي الإدارة الذاتية هذه الاتهامات، مؤكدة أن إجراءاتها “تنطلق من مقتضيات أمنية ولوجستية”.