خلال الأسبوع الأول من شهر رمضان ألح أولاد “مريم العزو” على والدتهم، لإعداد أكلة “الكتل”، وأقنعوها بأن الجو مازال بارداً، وكأنه امتداد لشتاء تفضله السيدة لطبخ هذا النوع من الطعام الذي يحتاج لجهد خلال عمليتي الإعداد والطهي.
و”الكتل” أكلة تتكون من عجينة من الجريش (قمح مجروش) يخلط بقليل من الطحين بغرض إكسابه لزوجة تساعده على التماسك لاحتواء الحشوة المؤلفة من اللحم المفروم والبصل مع بهارات، قبل قليها بالزيت أو سلقها بالماء مع الملح والسمن.
تتحدر مريم (41 عاماً) من عائلة عربية كانت تقطن في منطقة “عباه” على ضفاف نهر الجرجب الكبير “جومر” شمالي الحسكة إلى جوار عائلات سريانية (الاقصوارنة) منذ ثمانينيات القرن الماضي، وهذا جعلها ووالدتها تكسبان خبرة في الأطعمة والمربيات وطرق تجهيزها بطرق عديدة.
وتركز السيدة على طريقة صناعة “الكتل” مسلوقاً، فتقول إنها تحضر كمية مناسبة من “الجريش” تنقعها بالماء وفي هذه الأثناء تجهز الحشوة عبر فرم البصل وقليها مع اللحمة بالزيت أو السمن حتى مرحلة الاستواء تقريباً، ثم تعود لتجهيز العجينة من منقوع “الجريش” الذي تخلطه بقليل من الطحين ليتحول إلى عجينه متماسكة ثم تضيف بعض الملح والفلفل الأسود والبصل المبشور الناعم وتعجنه بشكل جيد، بعد ذلك تحوله إلى كرات وتستخدم إصبعاً أو اصبعين لتحويله إلى ما يشبه القمع المقعر قبل حشوه واغلاق أطرافه بيدها.
وعندما تنهي نصف الكمية تبدأ في وضع القطع الجاهزة في قدر يحوي ماء يغلي وملح وأحياناً بعض الحمص والبصل وتنتظره حتى يطفو على سطح المياه المغلية عندها ترفعها من الماء إلى الصحن أو الصينية حسب كمية الأكلة وحجم العائلة لتكون جاهزة بعد الانتهاء من استخراجها للتقديم على المائدة مباشرة.
وتضاعفت أسعار مواد ومستلزمات طبخة “الكتل” مرات عديدة عن سعرها قبل أن تعم الحرب جميع أنحاء البلاد، فارتفع اللحم من 200 ليرة إلى 4 آلاف أي إلى 20 ضعفاً على الأقل (10 -15 ألف حاليا)، فيما ارتفع البصل والجريش من بضع ليرات إلى 150 للبصل(500-700 حاليا) و250 للجريش، وفق السيدة.
ورغم ذلك، فإن مريم تكون سعيدة لتحضيرها بمساعدة بناتها وتشعر بدفء الأجواء الرمضانية لأن إعدادها يستغرق ساعات من العمل قبل أن تصدح المآذن بالأذان معلنة موعد الإفطار، ليحتل صحن “الكتل” مكاناً في وسط الأطعمة على المائدة، فيما تملأ رائحتها أرجاء المنزل ومحيطه فيكون لزاماً عليها إرسال جزء منها إلى الجيران الذين يبادلونها بأطباق أعدوها لإفطارهم.
وحول القيمة الغذائية لـ “الكتل”، يقول خبير التغذية حارث بليبل إن الكتل أكلة تشبه أكلات كثيرة يتم تناولها اليوم منها الكبة المسلوقة والمقلية، وهي عبارة عن جريش ولحمة مفرومة وبهارات مع بصل، وتعتبر مصدر جيد للبروتين بوجود اللحم ومصدر للنشا، لكنها فقيرة بالفيتامينات والأملاح المعدنية الأخرى لذا تحتاج إلى وجود السلطات إلى جانبها على المائدة لدعمها بالفيتامينات والأملاح المعدنية، أمّا بشكلها هذا فهي عبارة عن مصدر بروتين و دهون والنشأ فقط.
وأشار إلى أن “الكتل” المسلوق له ميزات جيدة بالنسبة للمقلي الذي تزيد فيه نسبة الدهون، لكن المسلوق منه يعتبر نوعاً جيداً حميداً ضمن معايير التغذية.
بالنسبة لكبار السن، فإن أكلة الكتل والتي تحضر على طريقة السلق بالماء والملح مفضلة لديهم عن الطريقة الثانية وهي القلي بالزيت بعد تجهيزها، كما يفضلونها على شكل هلال وليس على شكل أقراص كما تصنع في أحياء مدينتي القامشلي والحسكة أو حتى اسطوانية أو بيضوية مثل الكبة.
يفضل الحاج علي التمر (65 عاماً) الكتل المسلوق لأنه أكثر طراوة مع سلق أفضل مع ملح مع الإيدام (الدهن) أو الشحم ويمكن استخدام ماءه بطهي شوربة العدس، ما يعطيها نكهة خاصة.
يقول التمر إنه لا يستطيع مقاومة الرائحة الزكية لهذه الطبخة، فلا يمر الشتاء إلّا ويطلب من زوجته إعدادها على العشاء مرات عديدة، وهي تضيف حبات الرمان إليها أحياناً فيصبح مذاقها رائعاً، ويؤكد الرجل على وجوب ترك قطع الكتل داخل الماء الذي يغلي داخل القدر على النار حتى يستوي جيداً كيلا يضر بمن يتناوله.
ولشدة حبه لهذه الأكلة، يروي الحاج علي أنه في إحدى المرات قرر اصطحاب حصته من “الكتل” أثناء رحلته إلى مدينة حلب لتكون فطوره بعد صيام يوم رمضاني ذات شتاء، وعند وصولهم مدينة عين عيسى شمال الرقة بعد ساعتين من المسير في الحافلة حل موعد الإفطار فتوقف السائق في المدينة، حيث تناول الرجل مع شقيقه وجبتهما المفضلة مع بعض العصائر ومشروبات طلباها من صاحب “الاستراحة”.
ويقول التمر إن لها مذاقاً لا يمكنه نسيانه أبداً وإنه كان محقاً باصطحابه تلك الوجبة معه حتى لا يفلس وشقيقه الأصغر من تلك الوجبة الدسمة بسبب السفر.
وكثيراً ما يقدم الناس سابقاً على ذبح خراف يربطونها للتسمين بغرض طبخ أكلة “الكتل”، ويمكن لبضع قطعات منه أن تشبع الإنسان… إنها أكلة “الأكابر”، على حد قول الرجل.
في السابق، لم تكن هناك أنواع كثيرة من الأطعمة تشبه “الكتل” فهي تتفرد في بالمائدة، لكنها حالياً تواجه منافسة من قبل مأكولات أخرى مثل “الكبيبات” و”السمبوسك” الذي يعتبر أسهل من اعداد الكتل ويقلى بالزيت على شكل شبه قطع الكتل أو على شكل أقراص مدورة.
المصدر : موقع اقتصاد…مال وأعمال السورين