محمد الحسون – عربان نت
صدرت الطبعة الأولى من رواية “قلوب على الأسلاك” للكاتب السوري عبد السلام العجيلي عام 1974 م عن دار الأهلي للطبع والتوزيع، وأمست ضمن أفضل مائة رواية عربية ثم طبعت للمرة الثانية عام 1990م.
ناشر الرواية التي تظنها تدور عن الحب الشاغل الأكبر للكبار والصغار، يقول إن بطل الرواية عرف أربع نساء في دمشق، هدى وماجدة ونهاد وصفية، واحدة قادته للحب على طريقتها، والثانية قدمت له قلبها في تفتحه الأول فهرب منها، والثالثة كانت شخصيتها أقوى منه وحاول أن يستهويها لكنها فضلت عمه الثري عليه! والرابعة أحبها ولم يجرؤ على البوح بحبه لها.
والروائي الطبيب عبد السلام العجيلي أديب وكاتب سوري ولد في مدينة الرقة سنة 1918 م، عمل في الطب و السياسة إضافة للأدب، درس في الرقة و حلب و دمشق وتخرج من جامعة دمشق – طبيباً عام 1945، انتخب نائباً عن الرقة عام 1947.
تولى عدداً من المناصب الوزارية في وزارة الثقافة و الوزارة الخارجية والإعلام عام 1962، يعد أحد أهم أعلام القصة والرواية في سوريا والعالم العربي، و أصدر أول مجموعاته القصصية عام 1948 بعنوان “بنت الساحرة”.
ورواية عبد السلام العجيلي محل الحديث “قلوب على الأسلاك” ليست مجرد غراميات شاب فقط وإنما هي أيضاً قصة سنين مضطربة عصفت بالبلاد في مهب تيارات اجتماعية وسياسية فاصلة، وغاص الباحثان د.عبد الله أبو هيف والمغيرة الهويدي فيها لدراسة وتحليل الوعي الممكن في الرواية.
واعتمد الباحثان “المنهج البنيوي التكويني” في رصد أشكال الوعي لتحديد ملامح الطبقة البرجوازية في تعبيرها عن فهمها لطبيعة المرحلة التاريخيَّة ، عشية الانفصال بين سورية ومصر ، فتظهر الرواية موقف البرجوازيَّة السورية من الوحدة ، واستشرافها واقع الانفصال بما يدفعها للخروج من المأزق بالهروب بوصفه تعبيراً عن عجزها فشلها في تأصيل وجودها في الوطن ، ليكون الهروب هو الحل الأفضل للحفاظ على جوهرها ، وطريقة مناسبة للتكيّف مع الواقع الجديد.
وانصب تركيزهما على عبد المجيد عمران عم بطل القصة طارق عمران ، باعتباره برجوازي من أصول إقطاعية تحسس الأخطار وقفز من المركب قبل أن يغرق بعد انفصال سوريا عن مصر1961م في اطار “الهروب” بعد أن كان يقاتل لإنشاء تلفريك بين قمة قاسيون وقلب دمشق.
وتكيفت شخصيات أخرى مثل “نهاد” التي تركت زوجها وعاشقها طارق للالتحاق بالمسؤول المصري المتنفذ، وشخصية “ممدوح” التي كانت سبيل البطل إلى مقهى البرازيل ومثقفيه المطاردين وإلى الحانات والرذيلة، هي أيضا تكيفت مع الواقع متذرعة بعدم المقدرة على مقاومته.
وبعد الهروب والتكيف هناك الفشل، أولها فشل البرجوازية السورية بإكمال مشروعها بالتحديث وبالتالي تغيير موقفها من “الوحدة السورية المصرية” وهذا قد يفسر مواقف أصحاب الأموال مما يحدث حاليا في سوريا، وأيضا فشل البطل على المستوى العاطفي مع النساء وغيرذلك ثم عودته إلى قريته، بعد أشهر قضاها منبهرا بدمشق.
يقول بعض النقاد أنها رواية جميلة و ممتعة لا تنقصها متانة اللغة ولا غنى التصاوير الأدبية أو الأفكار السياسية التي ما زالت تواكب زمننا الحالي و خصوصاً في هذه الوضع و ما تشهده البلد من حالة عدم استقرار، إلى جانب تصور دمشق بشوارعها وبساتينها ووسائط نقلها (الترام والسيارات) بعيون شاب قادم من الريف ليكون في مجتمع رجال الأعمال مخترقا الطبقات، وهنا نجح العجيلي في محاولته رتق الفتق بين طبقات المجتمع السوري.
ويقول آخرون إن العجيلي أعطى فرصة لكل شخصية للحديث عن نظرتها للواقع والحياة لتظهر الرواية مجسدة للواقع لا مبالغة فيها، فعندما شعر صاحب مشروع التلفريك بقرب الانهيار السياسي وما يتبعه من تداعيات اقتصادية هرب إلى الدول المتقدمة مع زوجته، بينما بقي الفقراء والعاجزون.
ومن المفيد ان يقرأ كل سوري هذه الرواية ويضع اسقاطاته الشخصية على الواقع ليعرف مدى أهميتها رغم البساطة والسلاسة.