“عندما نقول دير الزور نتذكر الجسر المعلق، حقيقةً هو معلق بقلوبنا”، على عكس دعائم الجسر التي نسفتها قوات النظام السوري وسوتها بالأرض، منذ ثماني سنوات، لا يزال جسر دير الزور المعلق راسخًا في ذاكرة الناشط الإعلامي مصعب الحنت، الذي نشأ وكبر ونسج ذكرياتٍ لا يمكن أن ينساها على أطلاله.
مصعب (40 عامًا) لجأ من سوريا إلى ولاية شانلي أورفه التركية، لا يزال يتذكر مشاهد من طفولته على هذا الجسر، “أتذكر عندما كنت صغيرًا كيف كانت تعبر سيارات الأجرة الجسر”، موضحًا لعنب بلدي أن كل سيارة كانت تنتظر الأخرى لتمر من الجهة المقابلة نظرًا لعدم اتساع الجسر لرتلين.
وأشار إلى أن عملية مرور السيارات كانت يديرها موظفان على طرفي الجسر، يتواصلان مع بعضهما من أجل التنسيق.
وحتى عام 1980، بقي الجسر المعلّق المعبر الوحيد الواصل بين الريف والمدينة (بين ضفتي الفرات)، حين أنشئ جسر موازٍ له سُمي بـ”جسر السياسية”، ولا يبعد عن المعلّق سوى مسافة قصيرة.
الجسر منبر الثورة
كاميرة مصعب الذي كان يعمل ناشطًا إعلاميًا في دير الزور، وثقت العديد من مقاطع الفيديو لقصف النظام السوري للجسر.
وقال لعنب بلدي، “كنت أصور تقريرًا في إحدى مناطق دير الزور وأتاني الخبر الأليم بسقوط الجسر… كان الخبر مؤلمًا لكل ديري… هذا الجسر له رمزية خاصة في قلوبنا”.
يعتقد مصعب أن النظام كان يخشى من تقدم “الجيش الحر” عن طريق الجسر المعلق “وخاصة إلى حي الحويقة، وهو على ما دفعه إلى تدمير الجسر”، في 2 من أيار 2013.
ويتذكر الناشط الإعلامي أنه مع بدء الحراك الشعبي ضد النظام السوري في 2011، رفع علم الثورة على الجسر المعلق، كما خرجت مظاهرات في مياه الفرات وتم تصويرها من على متن الجسر ذاته.
“أغلب الجسور في مدينة دير الزور هدمها النظام، ولكن عندما هدم الجسر المعلق كانت الصدمة الأكبر عند كل الديريين”، بحسب ما قاله الناشط الإعلامي طارق مهيدي، لعنب بلدي.
وأضاف مهيدي، “تاريخ هدم الجسر لا يمكن أن أنساه لأنه جاء قبل عدة أيام من اليوم الذي خرجت فيه من مدينتي دير الزور”، إذ “كانت حالة الفصائل في المدينة قد وصلت لأسوأ درجة من الخلاف، أصبت بالإحباط وقتها وقررت الخروج من مدينتي”، وفق قوله.
جاذب للسياح
ويذكر مهيدي، الذي يقيم حاليًا في اسطنبول التركية، أن الجسر كان مقصدًا لأهالي المدينة في النزهات والأعياد والمناسبات وفي كل الأوقات.
وأيضًا كان على القادمين إلى المدينة من سيّاح وغيرهم من أهالي المدن الأخرى زيارة الجسر المعلق والتقاط الصور عليه.
وفي فصل الصيف كان شبان المدينة وما حولها يرمون بأنفسهم من الجسر بهدف الغطس في نهر الفرات والسباحة فيه.
لم يكن له مثيل إلا في فرنسا
بُني الجسر عام 1925، أي في فترة الاحتلال الفرنسي لسوريا (1920-1946)، وبنته “الشركة الفرنسية للبناء والتعهدات”، بإشراف المهندس الفرنسي مسيو فيفو، على مدى ست سنوات، بطراز حديث في ذلك الوقت، ولم يكن له نظير إلا جسر معلّق واحد في جنوبي فرنسا.
وكان أبناء المدينة الرافد الأساسي للعمل، وتوفي عدد منهم خلال البناء، خاصة في مرحلة إنشاء الأعمدة الإسمنتية.
يستند الجسر على أربع قواعد تنبثق عنها أربع ركائز بطول 25 مترًا لكل ركيزة.
يبلغ طوله 476 مترًا وعرضه أربعة أمتار، وارتفاعه 36 مترًا، وأُنير لأول مرة في أربعينيات القرن الماضي.
خوف من السير عليه
تخوّف أهالي المدينة من السير على الجسر بداية إنشائه، بسبب كثرة اهتزازه خاصة مع عبور السيارات عليه، ما دفع المهندس الفرنسي إلى المغامرة، ليثبت للأهالي سلامة الجسر، وركب في قارب مع عائلته وتوقف تحت الجسر تمامًا، وطلب أن تسير ثماني سيارات دفعة واحدة فوق الجسر المعلّق، فمرت السيارات بأمان وتيقّن الأهالي من أمان الجسر.
وبقيت السيارات تسير على الجسر حتى إنشاء جسر السياسة الموازي له عام 1980، ومُنعت بعد ذلك للحفاظ عليه.
المصدر: عنب بلدي