حسن نصر الله، الشخصية المحورية في السياسة اللبنانية والإقليمية، كان دائمًا موضع جدل، يجسد وجه المقاومة المسلحة ضد إسرائيل في اطار المحور المرتبط بإيران للبعض، ووجهًا للصراع الدائم في المنطقة للبعض الآخر. مسيرته الطويلة ومواقفه الصلبة جعلته واحدًا من أكثر الشخصيات تأثيرًا في الشرق الأوسط، قبل أن يتعرض لانتقادات بسبب التدخل في سوريا والتردد بدخول الحرب مع غزة. ولكن مع إعلان مقتله في غارة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت، يُطرح السؤال حول تأثير هذه الحادثة على المنطقة، ومستقبل التنظيم الذي قاده لأكثر من ثلاثة عقود.


النشأة والبداية


ولد حسن عبد الكريم نصر الله في 31 أغسطس 1960، في قضاء المتن بلبنان، لعائلة متواضعة تنحدر من قرية البازورية بالقرب من مدينة صور جنوبي لبنان. كانت نشأته في ظل أجواء التوترات السياسية والاجتماعية في لبنان قبل اندلاع الحرب الأهلية في 1975، وبدأ نصر الله في دراسة العلوم الدينية في بيروت، لكنه سرعان ما انتقل إلى مدينة النجف في العراق عام 1976 ليواصل تعليمه الديني في الحوزة العلمية.

هناك في النجف، التقى نصر الله برموز الحركة الشيعية في العالم العربي، وشكّل جزءًا من النواة التي ستسهم لاحقًا في تأسيس “حزب الله”. بعد عودته إلى لبنان مع اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية، انضم نصر الله في البداية إلى حركة “أمل”، لكنه سرعان ما انشق عنها بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان في 1982 لينضم إلى التنظيم الوليد حينها، “حزب الله”.

الصعود إلى القيادة


انضمامه لحزب الله كان نقطة التحول الكبرى في حياة نصر الله. سرعان ما برز كأحد الشخصيات القيادية في الحزب، حيث لعب دورًا محوريًا في تجنيد وتدريب الخلايا العسكرية، وغادر لبنان إلى مدينة “قم” الإيرانية عام 1989 وعاد منها ليُنتخب عام 1992 أمينًا عامًّا للحزب بعد اغتيال أمين عام الحزب عباس الموسوي على يد إسرائيل، وهو المنصب الذي شغله حتى يوم مقتله.

تحت قيادته، نما حزب الله من ميليشيا صغيرة إلى قوة سياسية وعسكرية هائلة في لبنان، وحقق العديد من الانتصارات البارزة ضد إسرائيل، أبرزها الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان عام 2000 دون مفاوضات أو اتفاق سلام، وهو ما عزز من شعبيته داخل لبنان وخارجه.
وفي 2006، دخل حزب الله في مواجهة عسكرية مفتوحة مع إسرائيل استمرت 34 يومًا، في ما عُرف بـ”حرب تموز”. رغم الخسائر البشرية والدمار الكبير الذي لحق بلبنان، تمكّن الحزب من الصمود في وجه القوة العسكرية الإسرائيلية، مما عزز صورة نصر الله كزعيم مقاوم.
لكن بعد حرب 2006، تغيرت أولويات نصر الله وحزب الله، خاصة بعد اندلاع الثورة في سوريا عام 2011. أعلن نصر الله دعم الحزب الكامل لنظام بشار الأسد، وأرسل مقاتليه للمشاركة في المعارك ضد قوات المعارضة السورية. كان هذا التحول مثيرًا للجدل، حيث اتهمه البعض بالتخلي عن مبادئ المقاومة ضد إسرائيل، وجرّ الحزب إلى صراع على الأراضي السورية انعكس سلبا على صورته حتى في شمال لبنان.

شخصية نصر الله

ما يميز حسن نصر الله هو قدرته على الجمع بين الشخصية الدينية الكاريزمية والقائد العسكري المحنك. خطبه التي كان يلقيها من منذ 2006 كانت تثير شغف مؤيديه في العالم العربي، بينما أثارت قلق خصومه، خاصة في إسرائيل. يتمتع نصر الله بمهارة خطابية عالية، وكان يعرف كيف يستخدم الإعلام لنشر رسائله وإيصال مواقفه.
منذ عام 2011، ومع انخراط حزب الله في الحرب السورية، وجد نصر الله نفسه في موقف معقد، حتى اضطر للإعلان عن وجود مقاتليه على الجبهات في سوريا مؤكدا استعداده للمشاركة فيها شخصيا ولمضاعفة العدد، ورغم محاولاته المستمرة للحفاظ على دوره كقائد للمقاومة، بدأ الحزب يخسر بعضًا من شعبيته، خاصة مع تزايد الأزمات الاقتصادية في لبنان واتهام الحزب بأنه يسهم في تفاقمها بسبب دوره الإقليمي.

خذلان غزة واستهداف الضاحية


ومع انطلاق عملية “طوفان الأقصى” في تشرين أول عام 2023، تعرض نصر الله لانتقادات لاذعة من أطراف فلسطينية لعدم تدخل حزب الله بشكل قوي لدعم قطاع غزة ضد الهجوم الإسرائيلي. هذه الانتقادات زادت من الضغط عليه، ووضعت حزب الله في موقف حرج، وسط تساؤلات عن دور الحزب المستقبلي.
وكان يبدو واضحا أنه يحاول عدم استفزاز إسرائيل من خلال استخدام صواريخ وأسلحة بسطة لمشاغلتها دون إيقاع أضرار كبيرة ولم يستخدم صواريخ ثقيلة.

في صباح يوم السبت، أعلنت إسرائيل عن مقتل نصر الله في غارة جوية استهدفت مقر قيادة حزب الله في الضاحية الجنوبية لبيروت، بعد أسبوع من سلسلة غارات جوية واغتيالات أوقعت مئات القتلى وآلاف الجرحى. ورغم أن العديد من الشخصيات العامة اللبنانية والإقليمية نعتته، إلا أن مقتله يفتح الباب على مصراعيه لمرحلة جديدة في المنطقة، مع تساؤلات حول مستقبل حزب الله ومن سيقوده في المرحلة القادمة.

وأحدث موقف حسن نصر الله، خلال العد الأخير شرخا في المجتمع العربي بسبب تحالفه مع إيران التي لعبت دورا سلبيا في سوريا واليمن والعراق، بعد أن كان مدى سنوات طوية شخصية محورية في الصراع العربي-الإسرائيلي وفي السياسة اللبنانية، و أيضًا رمزًا للصراعات المعقدة التي تعصف بالمنطقة منذ عقود.


محمد الحسون