في ربيع 1794 م أعدم كامي ديمولان بالمقصلة و جورج دانتون خلال “عهد الإرهاب” الذي قتل خلاله 144 عضوا من أعضاء المؤتمر الوطني للثورة الفرنسية على يد رفيقهم ماكسميليان روبس بيير بحجة حماية مكاسب الثورة، التي بدأت “تأكل أبناءها”.

وانحراف الثورة الفرنسية بشكل دموي خطير خلال عامي 93 و94 من القرن الثامن عشر نتيجة العنف بسبب الصراع بين الفصائل السياسية المتناحرة من الجيروندين واليعاقبة وإعدام من وصفوا بأنهم “أعداء الثورة” يشبه إلى حد ما هذه الفترة من الثورة السورية لجهة اعتقال قادة لهم خط ثوري واضح أو تصفيتهم في مناطق تقول إنها تمثل الثورة وترفع رايتها، مع فارق جوهري هو سيطرة جيوش الثورة الفرنسية على كامل فرنسا وقتها بينما استقر الأمر لفصائل الثورة السورية في بقعة نفوذ الجارة تركيا وتحت حمايتها.

فالفصائل العسكرية والسياسية السورية تتعارك لاقتسام جلد الدب قبل اصطياده أصلا! وتسير وفق أجندات رسمتها اتفاقات دول كبرى أو إقليمية لا تكترث لأهداف الثورة أو أحوال الشعب السوري خلال تحقيق مصالحها السياسية والاقتصادية.

و يمكن إطلاق اسم “عهد الارتزاق” على هذه المرحلة لارتباط جميع الأطراف بأجندات غير سورية ولما حصل فيها من عمليات تجنيد لمرتزقة على المستوىات كافة أولها السياسي ثم الإعلامي وأخيرا العسكري، مع ممارسات لارهاب الناس، كما حصل في اخماد قسد لاحتجاجات ديرالزور والجيش الوطني لاحتجاجات رأس العين عبر الاعتقالات والتصفيات رغم سيطرتهما على أجزاء من البلاد حددتها الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا وروسيا.

ويظهر الارتزاق السياسي بأي خطوة لجهة معارضة أو تحالف سياسي تراهن على وعود من طرف دولي، ولن تأتي بنتائج أفضل من مسارات “أستانا” و”سوتشي” فزيارة العواصم باللباس الأنيق لا تقنع قادة تلك الدول بأنهم أمام ثوار أو أشخاص يمثلون ثورة شعب بل أمام طامعين بالسلطة والجهاه والمال وعلى هذا الأساس يتعاملون معهم! أو على الأقل كمعارضة تصبو لاقتسام السلطة مع بشار الأسد وهذا يشمل كل من زار موسكو تحت أي ذربعة!

وأيضا على هذا الأساس حاول الائتلاف تأسيس “مفوضية عليا للانتخابات” ونسي الجزء الأول من اسمه ” الائتلاف الوطني لقوى الثورة” أي التغيير الحذري واعتمد كل الاعتماد على جزئه الأخير”المعارضة السورية” التي تؤمن بإصلاح النظام ومشاركته ثم وركبت موجة الثورة بعد تشكيل المجلس الوطني في إسطنبول خلال العام الأول من انطلاقها.

وعلى المستوى العسكري أمسى المقاتلون السوريون يقاتلون إلى جانب طرفي النزاع الأذري-الأرمني وقبلها في ليبيا بعد ثورة أطاحت بمعمر القذافي عام 2011، إذن أمسوا جنودا بيد من يريد ليستفيد من خبرتهم في السلاح والجلد على المصاعب وظروف الحرب واستخدام ومواجهة أحدث أنواع الأسلحة مستغلا حاجة معظم السوريين، الذين يكابدون شظف العيش في مخيمات نصبت على أسوار الوطن المستباح فجندتهم تركيا للقتال إلى جانب حكومة طرابلس.

وفي المقابل عملت روسيا على تجنيد مئات الشباب على شكل دفعات من الداخل السوري، حيث يعيشون قلقا دائما حول تأمين المأكل والمشرب والمسكن لأطفالهم في بلد دمرت بنيته التحتية ومعظم مساكنه الحرب، لذا تساق لك تبريرات كثيرة عندما تحادث شخصا غادر عمله في ورشة خياطة أو كسائق أوعتال ثم تراه في قاعدة حميميم الروسية قد جند للقتال في ليبيا لكن لحماية النفط أو إلى جانب قوات بنغازي بقيادة خليفة حفتر.

أما الولايات المتحدة الأمريكية ودول التحالف فقد دعمت الكثير من الفصائل وما زالت، وأبرزها حاليا “قسد” و”مغاوير الثورة”،والذين كرستهم لقتال تنظيم “الدولة الإسلامية” وكل تنظيم موصوف كمتشدد، أي لهم وظيفة محددة لا يتعدونها، وهذا ما تسعى تركيا فعله مع الجيش الوطني عبر تحديد مهمته بقتال قسد قرب حدودها.

ولا ننسى قطاع الإعلام وهو أحد أركان الثورة السورية الأساسية، والذي دخل هذه المرحلة على أقسام بعضها على شكل “دعاية” للفصائل العسكرية -بمختلف مشاربها-ودخل هذه المرحلة بدخولها هذه الفصائل، بينما سبقته أقسام كثيرة منها المدافع عن مشاريع عربية متناحرة أو دول إقليمية و غربية تمول وكالات وإذاعات ومحطات يشرف عليها خبراء من دول أجنبية يطالبون الصحفيين بالتزام الحياد والموضوعية رغم الافتراض بأنهم إلى جانب الثورة أو على الأقل يتبنون وجهة نظر معارضة، وحتى على الجانب الآخر مع روسيا وإيران.

ويبقى المتسترون بغطاء الأعمال الإنسانية أكثر فئات الارتزاق راحة في البال لتوفر عوامل الأمان والمال والقدرة على اتخاذ موقف رمادي بحجة الحياد مع الحجج القوية لممارسة أعمالهم التي لا تخلو من إهانة لصورة المواطن السوري وأنفته من خلال التصوير لكسب المزيد من الدعم لمشاريعهم.

إذن نحتاج لتحديد أهداف الثورة السورية ومدى التزام من يدعون تمثيلها أو يمثلونها رسميا في السير نحو تحقيق الحرية والكرامة للسوريين ورفض الدعم المشروط واستمرار النضال على مساحة البلاد كاملة لا جزء منها لتجاوز مرحلة “الارتزاق”!



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *