قال مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان إن أي انتقال سياسي في سوريا يجب أن يضمن مساءلة مرتكبي الانتهاكات الخطيرة، ومحاسبة المسؤولين عنها. وأكد أن السبيل الوحيد للمضي قدما هو عملية سياسية مملوكة وطنيا تضع حدا لسلسلة المعاناة، وتلبي تطلعات جميع السوريين، وتضمن الحقيقة والعدالة والتعويض والتعافي والمصالحة. 

وفي مؤتمر صحفي عقده في جنيف – كان مقررا مسبقا – شدد فولكر تورك على ضرورة جمع كل الأدلة وحفظها بعناية لاستخدامها في المستقبل، مضيفا أنه “سوف يكون إصلاح أجهزة الأمن أمرا أساسيا. ويجب أن يضمن الانتقال أيضا معالجة مأساة الأشخاص المفقودين”.

وقال تورك: “رأينا نظاما يُطرد من السلطة بعد عقود من القمع الوحشي، وبعد ما يقرب من 14 عاما من الصراع الدائر”. وأشار إلى أن مئات الآلاف من الأرواح فُقدت خلال هذه الفترة، واختفى أكثر من 100 ألف شخص، وأجبر نحو 14 مليون شخص على النزوح من ديارهم، في ظل ظروف وحشية للغاية في كثير من الأحيان.

وأضاف: “لقد التقيت بالعديد منهم على مر السنين، وشهدت يأسهم وصدمتهم وهم يشهدون على أخطر انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبت ضدهم، بما في ذلك التعذيب واستخدام الأسلحة الكيميائية”.

وأشار إلى أنه خرج السوريون إلى الشوارع بأمل وقلق كبيرين بشأن المستقبل؛ “الأمل في أن تكون هذه فرصة للبلاد لبناء مستقبل قائم على حقوق الإنسان والحرية والعدالة. والقلق لأن الكثير من الأمور غير مؤكدة”.

حماية الأقليات

وذكر مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان إن تقارير تفيد بأن الأعمال العدائية مستمرة في بعض أجزاء من سوريا، بما في ذلك في الشمال الشرقي. وقال تورك: “من المهم حقا، بل ومن الضروري في الواقع، أن تمتثل جميع الأطراف لالتزاماتها بموجب القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان”.

وشدد على أنه ينبغي اتخاذ جميع التدابير لضمان حماية جميع الأقليات، وتجنب الأعمال الثأرية والانتقامية. وأضاف أنه من الضروري أن تكون حقوق الإنسان لجميع السوريين في صميم هذه العملية، من خلال المشاركة الهادفة والشاملة، بما في ذلك النساء والشباب على وجه الخصوص.

وقال إنه يجب استعادة سيادة سوريا ووحدتها واستقلالها وسلامة أراضيها، موضحا أن مكتبه مستعد لدعم عملية الانتقال.

وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش قد قال أمس “يمكن اليوم للشعب السوري اغتنام هذه الفرصة التاريخية لبناء مستقبل مستقر وسلمي، بعد 14 عاما من الحرب الوحشية وسقوط النظام الديكتاتوري”.

جاء ذلك بعد دخول المعارضة المسلحة إلى العاصمة السورية دمشق 8 كانون أول 2024، فيما غادر الرئيس المخلوع بشار الأسد البلاد وفق التقارير.

منظمة حظر الأسلحة الكيميائية تراقب الوضع

من جانبها، قالت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية إنها تراقب عن كثب التطورات الأخيرة في سوريا، مع إيلاء اهتمام خاص لحالة المواقع المتعلقة بالأسلحة الكيميائية وغيرها من المواقع ذات الأهمية.

وأوضحت المنظمة في بيان أصدرته أمس الاثنين أنها تراقب الوضع خصوصا فيما يتعلق بأمن وسلامة مواقع وأماكن البحث والتطوير والإنتاج والتخزين والاختبار المعلنة للأسلحة الكيميائية، وأي تحركات أو تغييرات أو حوادث تتعلق بمواد ووثائق من هذه المواقع والأماكن، والتدابير التي يجري تنفيذها لضمان الامتثال لاتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية في ظل الظروف الحالية.

وأوضحت المنظمة التي تتخذ من مدينة لاهاي الهولندية مقرا لها، أن أمانتها الفنية تواصلت مع السفارة السورية في هولندا بهدف التأكيد على الأهمية القصوى لضمان سلامة وأمن جميع المواد والمرافق المتعلقة بالأسلحة الكيميائية في جميع المواقع على أراضي سوريا. وأكدت أن الأمانة على استعداد للمشاركة بشكل أكبر في هذه المسائل مع السلطات السورية ذات الصلة والشركاء الدوليين.

وضع اللاجئين

بدوره، قال المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي إن سوريا تقف الآن عند مفترق طرق بين السلام والحرب، وبين الاستقرار والفوضى، وبين إعادة الإعمار أو المزيد من الخراب. وفي بيان أصدره اليوم الاثنين، أكد أن “هناك فرصة عظيمة أمام سوريا للتحرك نحو السلام وأمام شعبها للبدء في العودة إلى دياره”.

لكنه أوضح أنه في ظل استمرار الوضع غير المؤكد، يواصل ملايين اللاجئين بعناية تقييم مدى الأمان للقيام بذلك. وفيما يتحمس البعض للعودة، يتردد البعض الآخر.

وقال غراندي إن المفوضية تنصح بالاستمرار في التركيز على قضية العودة، وسوف يكون الصبر واليقظة ضروريين، على أمل أن تنحى التطورات الجارية على الأرض منحى إيجابيا، مما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة أخيرا، مع تمكن اللاجئين من اتخاذ قرارات مستنيرة.

وأضاف المسؤول الأممي: “دعونا لا ننسى أيضا أن الاحتياجات داخل سوريا لا تزال هائلة، حيث إنه في ظل البنية التحتية المتهالكة واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية، فإن هناك حاجة إلى تأمين مساعدات عاجلة مع اقتراب فصل الشتاء – بما في ذلك المأوى والغذاء والمياه والدفء”.

الوضع الإنساني

وعلى الصعيد الإنساني، قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إن أكثر من 16 مليون شخص في سوريا يحتاجون بالفعل إلى مساعدات إنسانية، وإنه مع تطورات الوضع فإن هناك حاجة ملحة لمزيد من المأوى والغذاء ومرافق الصرف الصحي.

وأفاد المكتب بأنه منذ 28 تشرين الثاني/نوفمبر وحتى الأحد، نزح حوالي مليون شخص، معظمهم من النساء والأطفال، وخاصة من محافظات حلب وحماة وحمص وإدلب.

ونبه إلى أن الموضع متقلب للغاية، مع ورود تقارير عن عودة مزيد من الأشخاص في اليومين الماضيين، وتعطل طرق النقل، مما حد من تحركات الأشخاص والبضائع وتسليم المساعدات الإنسانية، مضيفا أنه تم الإبلاغ عن نهب ممتلكات مدنية ومصانع، وكذلك مستودعات تحتوي على إمدادات إنسانية.

وشدد على أنه رغم التحديات والوضع المتقلب، يواصل المكتب وشركاؤه تقديم المساعدات الطارئة في شمال غرب سوريا، مؤكدا أن جميع المنظمات الإنسانية استأنفت عملياتها في إدلب وشمال حلب، كما ظلت المعابر الحدودية الثلاثة من تركيا التي يتم استخدمها لتقديم المساعدة إلى سوريا ظلت مفتوحة.

وأوضح أنه يتم تقديم المساعدات في الشمال الشرقي لأولئك الذين فروا مؤخرا من حلب. وقال إنهم يقدمون المساعدات الأساسية في حلب بما في ذلك الغذاء والصحة وخدمات التغذية والدعم، ودعم الوصول إلى المياه النظيفة.

مستشفيات مثقلة

وعلى الصعيد الصحي، أفاد مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية بأن المرافق الصحية أصبحت مثقلة مع عمل المستشفيات الكبرى بطاقة محدودة بسبب نقص الموظفين والأدوية والإمدادات، مؤكدا أن الشركاء في مجال الصحة يواصلون تقديم الخدمات الأساسية في المناطق المتضررة، بما في ذلك توفير مجموعات العلاج من الرضوح.

وأضاف أنهم نشروا وحدات طبية ومراكز استقبال في جميع أنحاء الرقة والطبقة والحسكة. وأوضح أن منظمة اليونيسف وصندوق الأمم المتحدة للسكان نشرا فرقا متنقلة وأنشأوا عيادات ثابتة هناك. وقال المكتب إنه في شمال غرب سوريا، استأنفت جميع المرافق الصحية الأربعة والعشرين التي أوقفت عملياتها مؤخرا خدماتها، على الرغم من أن البعض الآخر لا يزال غير عامل، بما في ذلك بسبب نقص التمويل.

وشدد على أن التمويل الكافي أمر بالغ الأهمية للمكتب وشركاء الأمم المتحدة لتوسيع نطاق الاستجابة لتلبية مستوى الاحتياجات. ولفت إلى أن خطة الاستجابة الإنسانية البالغ قيمتها 4 مليارات دولار تم تمويلها بنسبة تزيد قليلا عن 30 في المائة، حيث تم استلام 1.3 مليار دولار فقط حتى الآن.

ودعا مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية الأطراف إلى تسهيل العمليات الإنسانية الآمنة ودون عوائق للوصول إلى المحتاجين أينما كانوا.

المصدر: الأمم المتحدة