اسم الكاتب وصورته
صورة الكاتب محمـد العلـي

عامٌ مضى سقوط الدكتاتور المهووس بالقتل والتدمير، عامٌ واحد فقط، لكنه كان كافيًا ليكشف حجم التحديات وحجم الآمال، وليُظهر أن ما بين الاحتفال والواقع مسافة طويلة تحتاج لعملٍ صادق، لا لشعارات، كما كشفت عن شيخصية بشار الأسد بعد هروبه دون أي محاولة للحفاظ على وحدة البلاد.

الفيديوهات التي سربتها قناة العربية للأسد مع مستشارته الراحلة لونا الشبل في الغوطة الشرقية، تفسر هذا الهروب وتؤكد تكهنات السوريين حول تركيبة هذه الشخصية الدموية واستخفافها بالسوريين وبسوريا.

في الذكرى الأولى لهذا السقوط المدوي، شهدت المدن السورية—من دمشق إلى حلب وحمص وطرطوس ودير الزور وتل أبيض ورأس —احتفالات واسعة، وعروضًا عسكرية وفنية، ومظاهر فخرٍ بانتهاء حقبة دامية امتدت لعقود إبان حكم حزب البعث بقيادة عشيرة الأسد وطائفته.

على الجانب الآخر للفرات، غاب هذا المشهد عن مدن الجزيرة السورية، حيث منعت القوات الكردية (قسد) السكان من المشاركة، واعتقلت من حاول رفع علم الثورة أو الاحتفال بسقوط النظام بلافتة تقول “من حقنا أن نحتفل”، في صورة عكست حقيقة الواقع بخلاف الشعارات بما فيها “سوريا الديمقراطية” التي ترفع صور أوجلان وتحتفل بعيد ميلاده وتمنع رفع العلم الوطني والاحتفال بالعيد الوطني.

ما تحقق خلال عام هو بداية طريق، لا نهايته هذا أمر يدركه الجميع، فالسوريون بدأوا يستعيدون مؤسساتهم، ويعيدون رسم معالم دولتهم، لكنّ الأخطار لا تزال تحيط بمشروع الدولة الموحدة الحرة، أبرزها ابعاد بعض القوى الفاعلة خلال سنوات الثورة  ضد نظام الأسد عن المشهد والاعتماد عن المقربين للتيار الحاكم إلى جانب التباطؤ في الاستجابة لمطالب الناس.

هنا تبرز التحذيرات من تحوّل هيئة تحرير الشام إلى “حزب مغلق” يميز نفسه عن المجتمع، وتيار منفصل عن القاعدة الشعبية السنّية  وخاصة قوى الثورة السورية والمعارضة التي وقفت مع دمشق الجديدة حتى بعد “احداث الساحل والسويداء”، مثل رجال الائتلاف، الجيش الحر، النشطاء الأوائل، والإعلاميون الذين دفعوا ثمنًا باهظًا ليصل صوت الثورة إلى العالم على مدى 14 عاما.

هؤلاء لا يطالبون بتسليم السلطة، ولا بالتراجع خطوة إلى الوراء، بل بالعودة إلى أهداف الثورة السورية، وقطع أي ارتباط بالإرث الجهادي للقاعدة، وهذا ما يؤكد عليه الرئيس أحمد الشرع مرارا، وهو تغيير ربما لا يقتنع به من وضعوا أنفسهم في صف المعارضة للحكم الجديد من الكرد والعلويين والدروز و وغيرهم من السياسيين والإعلاميين السوريين والنشطاء.

والأمر ذاته شرق الفرات في الجزيرة السورية…حزب الاتحاد الديمقراطي، المسيطر على مناطق واسعة شرق سوريا،  لكن الحزب  لديه سلطة مستقرة هناك منذ 10 سنوات، لذا لديه القدرة على اختطاف إرادة السكان في الحسكة والرقة بسهولة مقارنة بفاعلية الحكومة المؤقتة في دمشق وعمرها عام واحد، وهنا لا أحد يطالبه بتسليم السلطة، لكنه مطالب—كما هيئة تحرير الشام—بقطع علاقته مع حزب العمال الكردستاني، وبالعودة إلى سياق وطني سوري، لا مشروع عابر للحدود.

لا يمكن بناء مستقبل مشترك مستقر، فيما ترتبط بعض القوى بمنظماتها الأم خارج البلاد، سواء كانت إسلامية ترفع شعار الجهاد أو قومية مسلّحة تهدد دول الجوار.

في هذا السياق، بيان الأمين العام للأمم المتحدة بمناسبة سقوط الأسد في ثامن كانون أول، كان واضحًا: ما تنتظره سوريا هو أكثر من انتقال سياسي—إنه فرصة لإعادة بناء مجتمع منهك، وردم الانقسامات العميقة، وتأمين عودة اللاجئين والنازحين، وإطلاق عدالة انتقالية حقيقية، وبناء دولة خاضعة للمساءلة، تشارك فيها كل الأطراف.

والمدخل هو معالجة ملفات كبرى لا يمكن تأجيلها إلى جانب القضايا السياسية والعلاقات الخارجية التي ركزت عليها دمشق وقسد على حد سواء، ومن هذه الملفات العدالة الانتقالية ووضع آليات تحاسب كل من ارتكب جرائم، والاقتصاد وإعادة تشغيل دورة الحياة بعد سنوات الحرب، والانتخابات الحرة والنزيهة باعتبارها الطريق الوحيد لشرعية دائمة، وتوحيد البلاد بعد سنوات التشظي سواء على أساس اتفاق 10 آذار أو غيره، بهدف بناء جبهة داخلية موحدة في مواجهة تهديدات الاحتلال الإسرائيلي الذي يحاول استغلال اللحظة السورية وتفكيك المشهد لصالحه.

العام الأول مر بسرعة ولم يستوعب السوريين ما حصل بعد، حتى أنهم مازالوا يحتفلون ويحتفلون،  لكن الخطر الأكبر اليوم ليس في العودة إلى الوراء، بل في صناعة “استبداد جديد” بأسماء وشعارات مختلفة غرب الفرات أو شرقه.

ونعود ونكرر، لا أحد يطالب القوى التي أسقطت النظام أو التنظيم وغيرها من التيارات العاملة على التمدد بمفاصل الدولة بصمت، لا أحد يطالبها بأن تتخلى عن مواقعها برأس السلطة، لكنّ الجميع ينتظر منها أن تتنازل عن أوهام الأيديولوجيا وعن طموحات الهيمنة، وأن ترفع راية الثورة لا رايتها الخاصة، وأن تسير على طريق الثورة وتتبنى أهدافها خارج هذا الاطار سيظل السوريون يشعرون بأن من يدير هذه البقعة من البلاد أو تلك لا يمثلهم وربما سيرون فيه صورة دولة إقليمية أو قوة دولية تدعمه على أرضهم.

سوريا لم تعد كما كانت… لكنها لم تصبح بعد ما يريد لها شعبها أن تكون، والفريق الفائز بالنهاية من يستطيع إقناع السوريين بأنه يعمل على تحقيق أهداف الثورة السورية كاملة غير منقوصة!