غادر بشار الأسد سوريا هربًا من تقدم الفصائل السورية نحو العاصمة دمشق بعد انهيارات متتالية لقوات النظام السوري على مدى 11 يومًا من المواجهات مع فصائل المعارضة القادمة من الشمال والسكان المنتفضين في محافظات الجنوب الأربعة.
وقالت إدارة العمليات العسكرية إن الطاغية بشار الأسد هرب!
وبمجرد سماع الخبر المقتضب عن هروب الأسد شملت الاحتفالات معظم مناطق البلاد واندفعت جموع السوريين إلى ميادين المدن والساحات لتحطيم تماثيل بشار الأسد ووالده حافظ الأسد وشقيقه باسل الأسد واسط اطلاق الرصاص والمفرقعات في الهواء في ليلة باتوها بأعين مفتوحة على الشاشات بانتظار “أخبار الحرية”.
تطورات الميدان
تتسارع الأحداث في سوريا على وقع انهيارات متتالية لقوات النظام على الأرض. بدأ ذلك مع هجوم فصائل إدلب بقيادة “هيئة تحرير الشام” على حلب يوم 27 تشرين الثاني 2024، بهدف “ردع العدوان” بعد تعرض مناطق سيطرتها لأكثر من 1500 هجوم بطائرات إيرانية مسيرة أسفرت عن مئات الضحايا وتهجير 1500 عائلة.
السيطرة على حلب أعقبها تقدم سريع نحو تخوم حماة، خاصة بعد إطلاق فصائل “الجيش الوطني السوري” المدعوم تركيًّا معركة “فجر الحرية”، التي نجحت خلال يوم واحد في السيطرة على قاعدة “كويرس” الجوية قرب بلدة دير حافر، ومن ثم التوجه إلى بلدة السفيرة، ما أدى إلى إغلاق آخر طرق الإمداد لقوات الأسد بحلب. قسم من القوات استسلم، بينما انسحب القسم الأكبر نحو حماة وحمص، التي شهدت مواجهات عنيفة انتهت بانهيار الجيش السوري.
عملية الالتفاف على حمص عبر الصحراء والتوجه إلى دمشق من قبل قوات خاصة للمعارضة، تحمل اسم “العصائب الحمراء”، أحدثت انهيارات سريعة بعد تسللها إلى قلب العاصمة بحثًا عن بشار الأسد في محيط القصر الرئاسي بحي المالكي الراقي.
القوات المتقدمة من الشمال تجنبت الاصطدام بالقوات المنتشرة في قرى تقطنها أقلية مسيحية مثل محردة ووادي النصارى أو أقلية إسماعيلية مثل سلمية، حيث تم الاتفاق مع السكان على الوقوف على الحياد، لتتابع المعارضة تقدمها عبر طريق حلب-دمشق الدولي بسرعة مذهلة انتهت بسقوط العاصمة في أيدي فصائل الشمال والثوار من محافظات الجنوب (درعا، السويداء، القنيطرة، وريف دمشق).
اجتماع الدوحة والحل السياسي
على الصعيد السياسي، تحرك المشهد بوتيرة متسارعة لاحتواء تداعيات التطورات الميدانية. الإيرانيون حاولوا جاهدين عبر زيارات لدمشق وأنقرة وبغداد، لكن سيطرة المعارضة السورية على العاصمة جاءت قبل صدور بيان الدوحة.
عُقد اجتماع الدوحة بمشاركة دول مسار أستانا الثلاث (تركيا، إيران، روسيا) وخمس دول عربية (قطر، السعودية، مصر، العراق، الأردن)، بهدف وضع إطار سياسي جديد للحل في سوريا. رغم غياب وزير الخارجية الروسي عن الاجتماع، عكس الحضور العربي المكثف تحولًا في الأولويات الإقليمية نحو إنهاء الأزمة.
البيان الختامي للاجتماع شدد على ضرورة إطلاق عملية سياسية شاملة توقف العمليات العسكرية وتضع حدًا لمعاناة السوريين. كما أكّد على أهمية تحقيق تطلعات الشعب السوري في الأمن والعدالة، مع التأكيد على وحدة الأراضي السورية وسيادتها. كذلك تمت الدعوة إلى تسهيل عودة اللاجئين والنازحين، وتحقيق توافق دولي لتقديم المساعدات الإنسانية العاجلة.
مصير الأسد وخذلان الحلفاء
مصير بشار الأسد ونظامه حُسم داخل العاصمة دمشق. تمكنت المعارضة من تحرير المعتقلين من السجون، وعلى رأسها سجن صيدنايا سيئ السمعة. هبطت طائرة تقل بشار الأسد في موسكو، حيث منحه فلاديمير بوتين حق اللجوء، وكانت عائلته قد سبقته منذ أسبوع.
خلال 11 يومًا، بات واضحًا أن النظام السوري يعاني من انشقاقات داخلية كبيرة، فضلًا عن هروب جماعي للجنود والضباط. تساقطت المدن السورية واحدة تلو الأخرى في أيدي المعارضة المسلحة، مما أثار الذعر داخل الدوائر المقربة من الأسد. غياب الدعم الجوي الروسي، الذي توقف بعد جلسة مجلس الأمن الخاصة بسوريا، زاد من تفاقم الوضع.
الجلسة شهدت استقطابًا حادًا بين حلفاء النظام روسيا وإيران وباقي أعضاء المجلس، حيث ناشد رائد الصالح، مدير الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) المجتمع الدولي للتدخل العاجل لوقف الجرائم المستمرة بحق الشعب السوري، مؤكدا أن الأيام الستة 27 تشرين الثاني -3 كانون أول 2024، شهدت غارات نفذها النظام السوري وحلفاؤه الروس والإيرانيون أدت إلى مقتل أكثر من 100 مدني، وإصابة 360 آخرين، وتشريد عشرات الآلاف، معظمهم نساء وأطفال.
وذكر الصالح أن هذه الهجمات استهدفت عمدًا المدنيين والبنية التحتية الحيوية، بما في ذلك المستشفيات والمدارس ومخيمات النازحين.
غياب الدعم الإيراني وحزب الله عن المشهد كان نتيجة للخسائر الكبيرة التي تكبدتها ميليشياتهما في لبنان وسوريا. حزب الله، الذي ساند نظام الأسد لسنوات، تراجع بسبب الاستنزاف المستمر، إضافة إلى تجنيد الآلاف من أبناء الطائفة الشيعية في مناطق حلب، دير الزور، حمص، وريف دمشق، التي شهدت موجات تهجير قسري للسكان نحو الشمال السوري.
إشارات دولية ومخاوف من تصعيد خطير.
أكّدت جامعة الدول العربية أنها تتابع باهتمام بالغ التطورات المتسارعة في سوريا، معتبرة أن المرحلة الدقيقة الحالية تتطلب من جميع السوريين إعلاء مفاهيم التسامح والحوار وصون حقوق جميع مكونات المجتمع السوري، ووضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، والتحلي بالمسؤولية حفاظًا على الأرواح والمقدرات، والعمل علي استكمال عملية الانتقال السياسي على نحو سلمي وشامل وآمن.
وشددت الجامعة العربية، في بيان اليوم، على أن الحفاظ على وحدة أراضي سوريا وسيادتها، ورفض التدخلات الأجنبية بكافة أشكالها، تظل عناصر محورية وأساسية في الاجماع العربي حيال سوريا يتعين صونها والدفاع عنها، داعية كافة القوى المهتمة بتحقيق الاستقرار إقليميًا ودوليًا إلى دعم الشعب السوري لتخطي هذه الفترة الانتقالية .
وأكّدت أنها لن تتوانى في مواكبة ودعم سوريا البلد العربي ذي التاريخ المديد والإسهام الضخم في مسيرة الحضارة الإنسانية، وصولًا إلى تجاوز المرحلة الحالية بسلام، مجددة إدانتها الكاملة لما تسعى إسرائيل إلى تحقيقه بشكل غير قانوني، مستفيدة من تطورات الأوضاع الداخلية في سوريا، سواء علي صعيد احتلال أراضي إضافية في الجولان، أو اعتبار اتفاق فض الاشتباك لعام 1974 منتهيًا.
وأعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن اتفاقية فض الاشتباك لعام 1974 قد انهارت، مؤكدًا أن إسرائيل لن تسمح لأي قوة معادية بالتموضع على حدودها بعد انسحاب جنود جيش الأسد.
بايدن: إدارة المخاطر بعد سقوط الأسد
قال الرئيس الأمريكي جو بايدن اليوم الأحد إن الولايات المتحدة ستعمل مع الشركاء والأطراف المعنية في سوريا للمساعدة في اغتنام الفرصة وإدارة المخاطر، وذلك بعد أن أطاح مقاتلو المعارضة بالرئيس السوري بشار الأسد.
وأضاف في تصريحات بالبيت الأبيض أن الولايات المتحدة ستدعم جيران سوريا خلال الفترة الانتقالية وستقيم أقوال المعارضة المسلحة وأفعالها.
المعارضة تضمن سلامة القواعد والدبلوماسيين الروس
ذكرت وكالات أنباء روسية الأحد، نقلًا عن مصدر في الكرملين، أن زعماء المعارضة السورية ضمنوا سلامة قواعد روسيا العسكرية وبعثاتها الدبلوماسية داخل سوريا.
وأفادت وكالة تاس الرسمية أن المسؤولين الروس “على اتصال بممثلي المعارضة السورية المسلحة، التي ضمن قادتها سلامة القواعد العسكرية الروسية والمؤسسات الدبلوماسية على الأراضي السورية”.
تطورات إضافية وردود الفعل الدولية
- ائتلاف المعارضة السورية: أعلن الأحد أنه يعمل على تشكيل هيئة حكم انتقالية تحظى بسلطات تنفيذية كاملة. وأضاف الائتلاف عبر منشور على منصة إكس أنه يتطلع لإقامة شراكات استراتيجية مع دول المنطقة والعالم.
- وكالات أنباء روسية: بشار الأسد وعائلته يصلون إلى موسكو ويحصلون على حق اللجوء.
- الفصائل السورية المعارضة: تعلن إسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد.
- المرصد السوري لحقوق الإنسان: قتل أكثر من 900 شخص، بينهم 138 مدنيًا، منذ بدء هجوم الفصائل المعارضة في سوريا يوم 27 تشرين الثاني/نوفمبر والذي أدى فجر الأحد إلى إسقاط الرئيس بشار الأسد بعد 13 عامًا من الحرب الأهلية. وقال المرصد “في حصيلة لمعارك إسقاط الأسد، قتل 910 أشخاص هم 392 من الفصائل و380 من قوات النظام والميليشيات الموالية لها و138 مدنيًا.”
- غارات إسرائيلية: إسرائيل نفذت ثلاث غارات جوية على مجمع أمني كبير في منطقة كفر سوسة بدمشق، بالإضافة إلى مركز أبحاث زعمت إسرائيل أن علماء إيرانيين يطورون فيه صواريخ، حسب رويترز.
- الجيش الإسرائيلي: يفرض حظرًا للتجول في خمس بلدات ضمن المنطقة العازلة في جنوب سوريا.
- الجولاني زعيم تحرير الشام، وهو القائد في إدارة العمليات بالمعارضة السورية المسلحة أحمد الشرع يصل إلى العاصمة السورية دمشق التي سيطرت عليها المعارضة في ساعات الفجر الأولى وألقى كلمة من الجامع الأموي انتقد فيها ايران.
- منبج: استمرار المواجهات بين الفصائل المدعومة من تركيا والقوات الكردية المدعومة أمريكيًا والمعروفة باسم قسد، وهذا ما ينغص فرحة السوريين في جميع مدن البلاد وفي المنافي.
مع تسارع الأحداث، يبقى السؤال الأكبر: هل نجحت المعارضة المسلحة والثوار في إسقاط الأسد عسكريًا، أم أن التسوية السياسية سبقت الانهيار الكامل للنظام؟ في الحالتين، عصر الأسد انتهى، وسوريا تدخل مرحلة جديدة تحمل آمالًا بتحقيق الاستقرار والعدالة التي طال انتظارها.