محمد الحسون
تابعت مرات عديدة فلم “الجوع” للمخرج المصري علي بدرخان الذي تدور أحداثه حول “ابن عاهرة” يعمل “عربجي” يجد نفسه فجأة الحاكم المطلق للحارة (الفتوة) بعد انتصاره على “الفتوات” السابقين المتسلطين على الناس نتيجة اهانتهم لوالدته وفي كل مرة أجد تطابقا بين الصورة الذهنية لجيلنا عن بدايات “حزب البعث” مع تطور الشخصية داخل الفلم.
فيتسرب الفرح إلى قلوب الناس لهزيمة الظالمين على يد أحد أبناء “الحارة” يدعى “فرج الجبالي” (محمود عبد العزيز سرعان ما تتسللت إلى حياته مظاهر الثراء عبر زوجته الجديدة ”ملك” التي تلعب دورها “يسرا فتتحوّل هذه الشخصية من خيّرة إلى شريرة بشكل واقعي له مبرراته ما يتقاطع مع مصالح تجار كبار ومرابين يمتصون دماء الشعب.
وفي التاريخ السوري القريب هكذا دخل البعث الحياة السياسية للبلاد تحت شعارات تساند “العمال والفلاحين” ضد استغلال “الملاك والإقطاعيين” قبل أن ينقلب حافظ الأسد على شركائه وتخلصه من مؤسسي حزب البعث في البدايات ثم احتكاره للسلطة وثروات البلاد.
وروع كل من حاول رفع صوته لمساعدة السكان الفقراء وعذبه وغيبه بالسجون، كما فعل “فتوة القاهرة” بشقيقه الذي ساند الفقراء احتجاجا على احتكار القمح وذلك رغم مساندته للزعيم الجديد بداية الأمر على أمل الخلاص من التبعية والظلم والتسلط والفقر.
فمحاصرة بشار الأسد للناس أخيرا عبر فرض ضرائب على رجال سوريا اجمالا لرفد خزينته بالقطع الأجنبي لمواجهته تداعيات تطبيق “قيصر” الأمريكي وحرص على تهديدهم بمصادرة كل ما يملكون داخل حدود الوطن مالم يستجبوا لهذا الابتزاز.
والناظر إلى حال السوريين في الوقت الحالي يشرق بدموعه بسبب ما يقاسونه من فقر وقلة من الضائقة الاقتصادية وتطاول بالطوابير أمام المخابز والمؤسسات ومحطات المحروقات رغم أن بلادهم مازالت تنتج القمح والنفط والخضار والفواكه بوفرة تفيض عن حاجتها أحيانا.
إذن بعد الانتهاء من التضييق على السوريين في الداخل وإرهاقهم ومطاردتهم لجأ النظام إلى حصار من غادر منهم هربا من الموت قتلا أو جوعا، فشرع بإصدار قوانين شكك خبراء بدستوريتها تفرض على كل سوري قرر الابتعاد عن دائرة القتل حتى لا يكون قاتلا بعد أن نجا من كونه مشروع قتيل، فهم حاليا أمام خيارين إما دفع ثمانية آلاف دولار أمريكي بدل خدمة عسكرية إجبارية أو خسارة كل ما يملكون داخل البلاد.
وهي طريقة لجباية الأموال تشبه ما كانت مناهج المدارس ووسائل الإعلام والمسلسلات السورية تصوره لنا عن أواخر الحكم العثماني لبلاد العرب قبيل السقوط، وهي الفترة ذاتها التي صورها فيلم ”الجوع” الذي انتج عام 1986 للحديث عن أوضاع الناس نهاية القرن التاسع عشر.
ويبقى القول إن تصرفات حكومة النظام وقراراتها في الفترة الأخيرة تشكل مجموعة مسامير في نعشه بعد دق اسفين “بدل الخدمة” بينه وبين شريحة واسعة من مواليه وجزء صامت من الشعب السوري يحتاج إلى معجزة للانتفاض ضد بشار الأسد أو أسباب قاهرة كالتي دفعت زبيدة “سعاد حسني” -أحد المتضررين من الظلم-لاستنهاض همم “الدراويش” للثورة على الدكتاتور الجديد وفتح مخازن القمح أمام الفقراء.