تعتبر مدينة طرطوس القديمة أهم ميناء قديم في سورية، وتحتوي على العديد من المعالم الأثرية والتي تشهد على عظمة المنطقة وموقعها المميز وتجارتها البحرية وعراقة سكانها وشهرتهم بالصيد والعمل في البحار، ودورهم الاقتصادي عبر التاريخ السوري لكن مع وصول النظام الحالي إلى الحكم عمل على تهميشهم وتهجيرهم ومصادرة مراكبهم البحرية تحت بند التأمين.



الأخطر من هذا كله انتهاج النظام سياسة التغير الديموغرافي بحقهم وجلب أتباعه إلى المنطقة والتضيق على أنشطتهم التجارية والصناعية وزرع الأفرع الأمنية قربهم وحجب التنمية وحصر الاستثمارات السياحية المهمة بيد أنصاره وأزلامه والمقربين من عائلة الأسد.
وانحصرت سكنى من تبقى منهم ضمن القلعة القديمة أو ما تسمى بمنطقة الساحة بما تشكله لهم من ذاكرة جمعية وملاذاً أخيراً بعد أن همشتهم مشاريع النظام ومخططاته التنظيمية الطائفية ..!

 المدينة القديمة


وبتاريخ 11 / 2/2022 تناول “تلفزيون سوريا” ببرنامج لم شمل موضوع المدينة القديمة بطرطوس ضمن سياق يشابه روايات النظام الكاذبة ، وهنا ومن موقع الحرص على هذا المكون العريق يقتضي التنويه، أن المدينة القديمة أو منطقة الساحة هذا حالها منذ زمن طويل والحديث إن المخالفات والبناء فيها بسبب كثرت النازحين جرّاء الحرب، كلام يجانب الصواب!!


والواقع أن هذا وضع المنطقة منذ ما يقارب الأربعين سنة والنظام تعمد اعتقال أهلها وتهجيرهم وتصوير أنهم بؤرة إرهاب وخطر!! لذا هاجر معظم شبابها وعدد كبير من أسرها هربت خوفاً من النظام، ولم يسكن أي نازح في المدينة القديمة خوفاً من الميليشيات التي تداهم المنطقة بشكل دائم !!


وبالنسبة لإقامة السكان بهذه المنقطة فهي منذ زمن طويل جداً، و النظام ومديرية آثاره جعلوا المنطقة مصدرا لكسب المال بحجة المخالفات، ولم يقدم أي مشروع تنمية للمنطقة أو للنقل إلى الأحياء الجديدة طرطوس والتي بقيت حكرا على المحسوبين عليه رغم توفر الفرص والتمويل الأجنبي !!


والملفت للنظر إقدام النظام وبشكل طائفي وغير قانوني على العبث بتركيبة الوجه البحري للمدينة وتقسيمة بشكل طائفي، وبهذه المنطقة لا يوجد إلّا مقهى شعبيا واحدا لم يسلم من استفزاز أنصار النظام، في وقت انطلاق استثمارات رامي مخلوف ابن خال بشار الأسد بمشروع “بورتو طرطوس” المخالف لقانون الآثار السوري، والذي شوّه الواجهة البحرية الأثرية للأبنية المرتفعة وسط صمت ومباركة المؤسسات المعنية بالآثار ضمن حكومة النظام وذلك بسبب استشراء الفساد ، حتى أن بناء البرج المتقدم أو ما يعرف ببناء الطاحونة القديمة لم يسلم من التخريب، حيث أزيلت مروحة الطاحونة القديمة وحول البناء إلى مطعم بخلاف القانون !!!

مشروع بورتو طرطوس


بالعودة إلى كلام المتحدث على “تلفزيون سوريا”، من المستغرب اقحام الدستور السوري بالموضوع وأن الدستور يمنع البناء ..! علماً الأهالي موجودين في المنطقة منذ زمن طويل وحتى قبل الفترة العثمانية .. وإضافة أن موضوع الآثار هو يخص قانون الآثار السورية وليس الدستور ..! وقد نص قانون الآثار صراحة على مسؤولية الدولة عن صيانة الآثار وترميمها وحمايتا وتنميتها ووضع أي مشاريع استملاك مقابل التعويض المناسب!


ويمكن القول أن دائرة آثار طرطوس الموجودة بنفس المنطقة .. تحولت لشرطي فاسد !! وشاهد زور يسيء لأهل المنطقة، حتى أن الموظفين فيها يدعون أنهم لا يستطيعون الخروج من الباب بمنطقة الساحة لشدة خوفهم ..!! و مدير آثار طرطوس مروان حسن بات شريكا ببيع المنطقة للمستثمرين ويطالب بشكل دائم بنقل دائرة الآثار من المدينة القديمة بحجة الخوف على أمن الموظفين كون هذه المنطقة هي من شهدت أول مظاهرات مناهضة لنظام الأسد بطرطوس وتدعو لإسقاطه!! قبل إقدام النظام مؤخراً على نقل تمثال صالح العلي إلى الساحة الجديدة في المنطقة !!!


ونهاية القول: المنتظر من تلفزيون معارض ويحمل اسم سوريا أن يكون على قدر أسمه الكبير و مدافعاً عن أهل المدينة القديمة والذين هجّروا واعتقلوا و كانوا أول المتظاهرين ضد النظام التسلطي، لا أن يصورهم كمخالفين للدستور وخارجين عن القانون.



عمر البنيه