في محادثات رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني مع بشار الأسد في دمشق، طرح موضوع إعادة تشغيل خط تصدير النفط العراقي عبر سوريا عبر ميناء بانياس على سواحل البحر الأبيض المتوسط.


والواقع أن ملفات مكافحة “الإرهاب” والتهريب وأمن الحدود مرتبطة بتصدير النفط عبر الخط المغلق منذ40 عاما، وخاصة أن العقيدة التي تحدث عنها بشار الأسد خلال المؤتمر الصحفي المشترك، لعبت دورا كبيرا بتعطيل هذا الخط على مدى عقود.


إذا استثنينا الأسباب العقدية الحالية بين حكام بغداد ودمشق، يُعتقد أن نجاح جهود إعادة تشغيل خط النفط العراقي باتجاه مصفاة بانياس على الساحل السوري غير مرجح لسببين.

أولًا، وجود خلايا لتنظيم الدولة الإسلامية في المنطقة التي يمر بها الخط في قلب البادية السورية، وثانيًا، تم اتخاذ إجراءات عقوبات من قِبَل واشنطن، مثل قانون قيصر وقانون الكبتاغون، للحد من مصادر تمويل بشار الأسد، وبالتالي، لن يُسمح للنظام بالوصول إلى مصادر دخل من النفط للاستمرار في حربه ضد الشعب السوري.


بلغ مجموع الطاقة التصديرية لخطوط “بانياس وطرابلس” في منتصف السبعينيات من القرن الماضي 1.4 مليون برميل باليوم رغم توقف خط حيفا بعد احتلال مجموعات اليهود فلسطين عام 1948م بدعم بريطاني.



كما جرى نسف منشآت ضخ النفط في محطات الضخ السورية خاصة محطة (T4) في 2 تشرين الثاني 1956 وذلك احتجاجا على مشاركة بريطانيا مع إسرائيل وفرنسا في العدوان الثلاثي على مصر في حرب السويس ما أدى الى توقف ضخ النفط العراقي تماما، وفقا لصاحب كتاب (العراق وصناعة النفط والغاز الصادر عن جامعة نومنكهام البريطانية في ايار2012)

و أغلق الخط السوري في عام 66 اثر استيلاء حزب البعث على الحكم ولم يشغله حتى ضاعف الرسوم بنسبة 46 بالمئة.

وبعد انقلاب حافظ الأسد وسيطرته على الحكم رفع الرسوم الى مستوى رسوم خط النفط السعودي (التابلاين) فوافقت شركة نفط العراق المحدودة على ذلك عام 1971م، وبعد تأميم العراق للشركة في محاولة لإكمال استقلاله الاقتصادي في عام 1972م استغل حافظ الأسد الأمر وطالب بمضاعفة الرسوم من 22 سنتا إلى 44 سنتا في حين كان سعر البرميل 3 دولارات فقط.

ورغم الوساطات لم تعر دمشق بالا لذلك بل أصرت على موقفها الابتزازي لعلمها بان العراق لا خيار له الا الإذعان فجرى توقيع الاتفاقية في كانون الثاني 1973م، و حددت رسوم المرور ب 41 سنتا للبرميل المصدر من بانياس أي بزيادة تزيد على 86% و 30 سنت للبرميل المصدر من طرابلس إضافة الى تزويد مصفى حمص ومصفى لبنان باحتياجاتها من النفط بأسعار مخفضة.

كما حددت مدة الاتفاقية بنهاية عام 1975، لذا شرع العراق بمد خط النفط العراقي – التركي الأول نحو ميناء جيهان على البحر المتوسط.

هذا الخط الذي أغلقه حافظ الأسد نهائيا في الثمانينات من القرن الماضي بهدف مساندة إيران ضد العراق، الذي كان يصدر مليون برميل يوميا عبره حتى عام 1982م خاصة بعد تدمير ميناءي خور العمية والبكر خلال الحرب العراقية – الإيرانية، وبعد قرار الإغلاق النهائي عان 1984م أجبر العراق على انشاء خط ثاني نحو ميناء جيهان عبر تركيا، التي تزعم الحكومة العراقية الحالية انها تريد الخلاص من ابتزازها في إشارة انها تسهل بيع إقليم كردستان لنفط كركوك، لذا تريد تشغيل الخط السوري.

وتركت انابيب الخط العراق – السوري تحت التراب معرضة للتأكسد والتآكل حتى يومنا هذا.

أخيرا تبدو إعادة تشغيل خط النفط العراقي بحاجة إلى مزيد من التنسيق والجهود الدبلوماسية الدولية ولا يقتصر على قرار دمشق وبغداد المرهون للنفوذ الأمريكي للأخيرة والروسي للأولى.

و يتطلب تحقيق الاستقرار السياسي والأمني في سوريا من خلال الحل الشامل على أساس القرارات الدولية وتقديم الدعم الدولي اللازم لإعادة إعمار البلاد وتطوير قدراتها الاقتصادية، التي قد تساعد عوائد هذا المشروع – في حال نجح التشغيل- بشكل إيجابي فيها.

محمد الحسون