عند العاشرة من صباح الثلاثاء، تحوّل طريق الحسكة–الشدادي إلى مسرح مأساة جديدة، على جانب الطريق خلف ساتر ترابي استقرت حافلة ركاب صغيرة (سرفيس) وقد تهشّم هيكلها بالكامل، بينما ركب صهريج ضخم فوق الساتر ترابي بواجهة محطمة والعجلتان الأماميتان برزت أمامها.

انتشرت صور الحادث سريعاً على مواقع التواصل الاجتماعي، والفيديوهات أظهرت أجساد مغطاة بالتراب، رجال يرتدون الجلابيات يسحبون الجرحى بأيديهم العارية بعد ان لفض الإسفلت المركبات خارج المسار.

الحصيلة، وفق الأرقام الرسمية، بلغت 13 ضحية بينهم نساء وأطفال، إضافة إلى تسعة جرحى، بعضهم في حالة حرجة. من بين الأسماء التي تساقطت في الحادث: مهدي عبد شدهان الخليف (11 عاماً) الذي كان في طريقه إلى المدرسة مع والده، وفضيلة الصليبي القادمة من مركدة لزيارة أقاربها. لم يعد أحد منهم إلى بيته بل سقطوا ضحايا في مأساة التدهور المستمرة لشبكة الطرق الإسفلتية بالمنطقة.

الإهمال يقتل مرتين

الحادث أعاد الحديث عن سوء حالة الطرق للواجهة، لأنه مرآة لواقع الطرق في سوريا، خاصة بالشرق، فهي ضيقة ومحفرة إضافة لتلوث أجزاء منها بالنفط الخام ما يسهل انزلاق العجلات أحيانا، ومعظم شبطة الطرق في المنطقة بحاجة لصيانة شاملة وربما تعبيد من الصفر، فيما يمر يومياً عشرات الصهاريج المحملة بالنفط الخام عبر الطريق نفسه نحو الحسكة.

ورغم أن الإدارة الذاتية الكردية سارعت إلى إصدار بيان تعزية، متعهدة بـ”تعزيز مقوّمات السلامة العامة”، فإن كثيرين يرون أن المأساة أكبر من مجرد كلمات.

وبحسب ما أوردته صحيفة الحرية المحلية، فإن الحادث وقع جراء اصطدام ثلاث آليات على طريق دير الزور – الحسكة، من بينها حافلة ركاب وصهريج ماء، ما أسفر عن وفاة 13 شخصاً وإصابة خمسة آخرين بجروح خطيرة، نُقلوا جميعاً إلى مشفى الحسكة الوطني في حي العزيزية. وأشارت الصحيفة إلى أن الطريق، الذي يمتد لمسافة تفوق المئة كيلومتر، يشهد حوادث متكررة بسبب ضيقه ورداءة بنيته وسرعة المركبات.

وأكدت آساييش الكردية أن الحادث المروري المروّع حصل في قرية الخمائل، أسفر عن وفاة (١١) مواطناً وعنصرين من منها وإصابة (9) آخرين، مشيرة إلى أن الاصطدام الذي وقع بين صهريج محمل بمادة المازوت وحافلة ركاب وشاحنة متوسطة أدى إلى أضرار كبيرة في المركبات وسقوط هذا العدد المؤسف من الضحايا.

وأشارت إلى نقل المصابين والجثامين إلى مشافي مدينة الحسكة، فيما بوشرت التحقيقات لتحديد أسباب الحادث بدقة، حسب بيان رسمي.

يُعرف طريق الحسكة – دير الزور (الطريق 47) بأنه شريان رئيسي يربط شمال شرق سوريا بوسطها، إلا أنه يعاني من إهمال شديد وتردٍ في بنيته التحتية منذ سنوات. يمتد الطريق لمسافة تقارب 102 كيلومتر، تتخلله حفر وتشوهات وانعدام شبه تام لوسائل السلامة المرورية، مثل الإشارات والعواكس والحواجز الواقية.

وغالباً ما يتسبب ضيقه، إلى جانب السرعة الزائدة لسيارات النقل الثقيلة وصهاريج النفط، بوقوع حوادث دامية بشكل متكرر، جعلت الأهالي يصفونه بـ”طريق الموت”.

فاجعة بلا نهاية

في قرية البجدلي، انتشر فيديو مؤثر يظهر الطفل رواد خميس الدخيل وهو يودع والده الذي توفي في الحادث أثناء مراسم الدفن فجلس عند القبر يبكه وشهدت بلدات جنوب الحسكة مجالس عزاء عدة حتى بات مشهد يوحي بحالة إعلان الحداد نتيجة لعدد الضحايا الكبير من منطقتي الشدادي ومركدة.

ومن بين الضحايا المعروفين، خميس حلو الدخيل من قرية البجدلي، وأحمد سمعان الوكاع وعبد شدهان الخليف مع ابنه مهدي من الرشيدية، وحسين خلف الحمد وفادي أحمد العواد من الحنة الشرقية، وأحمد نزوم الكروط من الغرس، وشاهر مضحي الكريعي، سائق السرفيس، من حي التوعية، فضلاً عن فضيلة الصليبي من مركدة، إضافة إلى ثلاثة أشخاص لم يتم التعرف على هوياتهم بعد.

ويعكس هذا الحادث المأساوي هشاشة البنية التحتية وغياب إجراءات السلامة على الطرق في المنطقة، وهو بمثابة صدمة كبيرة لأهالي القرى المتضررة الذين يعيشون ألم الفقد وسط مأساة متكررة على الطريق ذاته.