شكر البارون ماكس فون أوبنهايم الحكومة الفرنسية-السورية التي سمحت له بمواصلة أعمال التنقيب في تل حلف خلال عامي 1927 و1929م إلى جانب سلطاتها المدنية والعسكرية لتسهيل عمله العلمي من جميع النواحي.

وتوقفت أعمال التنقيب في تل حلف بعد أوبنهايم لسبعة عقود.

وبدأت حملة تنقيب سورية-ألمانية جديدة عام 2006 تحت أشراف “لوتز مارتن” من متحف “الشرق الأدنى” في برلين وعبد المسيح بغدو من مديرية آثار الحسكة.

حالياً تحيط بالتل قرية تحمل اسم التل هي قرية تل حلف والتي يبلغ عدد سكّانها ما يقارب 10000 نسمة، تعمل الغالبية العظمى من سكانها في الزراعة وتجارة المواشي والمحلات التجارية الصغيرة.

البدو يعثرون على ملك آرامي

اكتشف تل حلف عام 1899 بعد أن أخبره ضمن رحلة بحث قادته تدريجياً عبر كل بلاد ما بين النهرين، لكنه عمل بين 1911-1913 ، مع 9 مساعدين ألمان 550 من العمال المحليين في حفريات تل حلف حين كانت تل حلف في الأراضي التركية.
وفشل البارون الألماني بإقناع العثمانيين بنقل هذه الكنوز إلى ألمانيا فأخفاها بمنزل صحراوي يملكه وجزء آخر في منزله بالقاهرة حتى سمح الفرنسيون بنقلها بعد وقوع البلاد تحت سيطرتهم.

السكان المحليون من البدو أخبروا أوبنهايم عن صور مهولة منحوتة على الصخر، يشعرون بخوف شديد منها، فدفنوها مجددا، ودلوه على المكان، فاكتشف مقرا للأمراء الآراميين، يعود لبدايات الألف الأولى قبل الميلاد، ولأن المصورين المحترفين كانوا يرافقونه لالتقاط صور يبيعونها، فقد تم توثيق ذلك الاكتشاف خير توثيق، حسب موقع “دوتشيفيله” الألماني.


فرنسا تسمح بنقل الآثار الحلفية

وذكر أوبنهايم في مقال إن فرنسا اعطته إذنا بنقل ما وجده في “تل حلف”، فأسس قسما في متحف “برغامون” لتخزين وعرض مكتشفاته إلا أنها تحطمت نتيجة القصف خلال الحرب العالمية الثانية وبقيت في برلين الشرقية، وأوبنهايم في الغربية.


وشرع آثاريون بإعادة بناء 80 مترا مكعبا من شظايا المنحوتات والتماثيل البازلتية الضخمة في 2002 واستمرت حتى صيف 2011، ليظهر 30 تمثالا عملاقا بينها أسدين وامرأة بجدائل ونسر الشمس ضمن 500 قطعة أثرية عمرها 3 آلاف سنة.

وفي آب 2014 عرضت في مدينة بون آثار نقلها ماكس فون أوبنهايم، أبرزها ما عثر عليه في تل حلف، بينها تماثيل حجرية، ولقى من القبور، وملابس شرقية قديمة. كلها جمعها أوبنهايم خلال جولاته إلى الشرق وعرضها للمرة الأولى في برلين عام 1930.

الموقع والتاريخ

ويقع “تل حلف” في أعالي بلاد ما بين النهرين بمنطقة منابع نهر الخابور، في منطقة منبع الخابور، وهو رافد للفرات الذي كان يروي باستمرار المناطق الداخلية بين دجلة والفرات من مئات الينابيع المتدفقة، هذه الأرض الخصبة منطقة جغرافية مواتية بشكل غير عادي، لذا اختيرت لتكون بمثابة عقدة طرق القوافل التي تتجه من الشرق إلى الغرب ومن الجنوب إلى الشمال.


كان القصد من “تل حلف” أن تصبح سكنًا مهمًا وأن يشكل المركز ولاية كبيرة أو منطقة كبيرة، تعتبر أقدم عاصمة في بلاد مابين النهرين.

يعود تاريخه إلى عصر الخزف الملون، والعصر الحجري الحديث حيث عثر على أدوات من الصوان والسجاد، ثم من النحاس، ويعود إليها تاريخ المنحوتات الحجرية.

بالقرب من نبع آخر للخابور جنوبي رأس العين الحالية ، مدينة أخرى تعرف آثارها حالياً اسم “الفخرية”، التي يعتقد “أوبنهايم” أنها “واشوكاني” عاصمة الميتانيين، قبل أن يدمرها الآراميون ، بغزوهم أراضي منابع الخابور .

في القرن العاشر ق.م استولى الآراميون من بيت بحياني على تل حلف التي تم إعادة تأسيسها تحت اسم غوزانا، وبنى الملك كابارا قصرا يسمى بهيلاني على أسلوب الحثي الجديد مع زخرفة غنية من التماثيل والحجر البلاطي النافر.
و عايشت غوزانا انهيار الأمبراطورية الأشورية واستمرت مأهولة حتى الفترة الرومانية -البارثية.

المملكة الآرامية القائمة على أنقاض الميتانية لم تعمر طويلاً فقد قضت عليها “الدولة الآشورية” التي وصلت إلى أوج عظمتها وأطلق على تل حلف عند ذاك اسم “غوزانا)” ومنذ ذلك الوقت ذابت الجزيرة السورية ومن ضمنها (رأس العين – تل حلف – فخيرية ) كبلاد ذات شخصية مستقلة لتصبح جزءاً من الممالك في الدولة الآشورية حتى تنازع عليها الرومان والفرس حتى وصل الفتح الإسلامي إليها بقيادة “عياض بن غنم”.