اسم الكاتب وصورته
صورة الكاتب محمـد العلـي

لا يمكن تجاهل تدنيس المساجد أو شتم النبي محمد عليه الصلاة والسلام كأنّ الأمر عاديًا، فأي مجتمعٍ سينتفض عند الإساءة لمعتقداته مهما كان مصدر الإساءة — جماعة محلية كانت أم فردًا من المجتمع ذاته — ضدّ التطاول على المقدّسات وطلبا لمحاسبة المذنبين، وإلّا ستتوسع الفتنة لأن رأسها لم يقطع بالقصاص العادل.

لهذا وعلى أساس مبدأ الحديث الشريف “لا يُلدَغُ المؤمنُ من جُحْرٍ واحد مرتين”، الذي يُشير إلى أهمية الحذر والتحذير من الغفلة والخداع، فيجب عدم التساهل والتحوط من انفجار الأوضاع مرة أخرى، فاعتقال الميليشيات الدرزية للمذنبين في المرة الأخيرة جاء بعد انتشار فيديو يظهر الوجوه الصريحة للمتورطين بتدنيس جامع عمر بن الخطاب بما لا يمكن إنكاره كما حصل بالمرة الأولى، حين لم ينفع الإنكار من جر جنوب البلاد إلى مذبحة كان يمكن تجاوزها عبر إقدام الميليشيات الدرزية تسليم المذنبين جميعا لقطع رأس الفتنة قبل أن تكبر من خلال تدحرج كرة اللهب من جرمانا إلى أشرفية صحنايا إلى الصورى الكبيرة على طريق دمشق- السويداء ثم إلى قلب المحافظة ومركزها.


إذن فالحقائق والتسلسل الزمني مهمّان واغفالهما بحجة السلم الأهلي مع غياب المعالجة العقلانية لها يفسح المجال لتدمير هذا السلام المجتمعي وإنتاج مآسي مدمرة كالتي شهدتها المحافظة في تموز الماضي، عقب تجاهل محاسبة أصحاب تسجيلٌ صوتي أثار حريقًا لا يطفئه سوى الحقيقة والعدالة، لا العصبية والانتقام.

في آخر نيسان 2025 انتشر تسجيل صوتي يُنسب إلى شخص درزي ويتضمن عبارات مسيئة للغاية للنبي محمد (ص) وللعشائر العربية عامة وللبدو خاصة ويدعوا لاستئصالهم سرعان ما اشتعل الشارع السوري غضبا، خصوصًا في ضواحي دمشق التي تضمّ أقليات عديدة منها الدرزية، وتحول الغضب إلى اشتباكات دامية في جرمانا وصحنايا ثم إلى تصعيد أوسع طبعته عمليات قتل وحوادث انتقام، استغلتها إسرائيل لتعلن فيها كحامية للأقلية الدرزية، ما شجع ميليشيات السويداء على ارسال تعزيزات كبيرة للسيطرة على طريق دمشق بهدف مساندة عناصرها في صحنايا وجرمانا، لكنها اصطدمت بمقاومة عنيفة من المسلحين البدو الذين لاحقوا فلولها حتى قرية الصورى الكبيرة ودمروا قبر عصام زهر الدين فيها.

 المصادر الميدانية ووسائل الإعلام الكبرى ربطت بداية التصعيد بهذا التسجيل وبتداعياته المباشرة، بينما تجاهلته الحكومة بدمشق وشيوخ العقل بالسويداء، بمعنى معاقبة الفاعلين وتقديمهم للعدالة علنا لتهدئة الشارع الغاضب، لو أن تحقيقًا شفافًا وبيانًا رسميًا وموثقًا صدرا مُباشرةً — يشرحان أن التحقيق جارٍ وأن أصحاب التسجيلات رهن الاعتقال — لكان ربما أطفآ شرارة الانتقام قبل اشتعالها.

نتيجة التقصير كانت خسائر بشرية كبيرة وشرخ كبير بالمجتمع السوري المتصدع أصلا  بسبب ظروف الحرب على مدى 14 عاما، الوقائع من آخر نيسان أوائل أيار كانت مقدمة وجب اتخاذها كمؤشر لتجنب القتل والانتقام الذي وصل إلى مستوياتٍ مروّعة خلال المواجهات بسبب التجاهل من زعامات الطرفين استغلتها إسرائيل للتدخل بالشأن السوري.


 إذن كيف يجب قراءة ما حدث في السويداء؟

للإجابة على هذا السؤال يجب رفض الإساءة للمقدّسات بوضوح والحزم بالعقاب لنستطيع أن نقول أنه لا يمكن التذرّع بهكذا حوادث لتبرير العنف، تقديم مثيري الفتن عبر التسجيلات والفيديوهات المنشورة من خلال مواقع التواصل الاجتماعي بشكل صارم، لأن هذا التصرف تبين أنه قادر على نسف السلم الأهلي في لحظات؛ ولهذا تطلب الشفافية الرسمية سرعة واضحة في التحقيق والإعلان، وربما أمسى بمقدور دمشق سن قوانين واضحة بعد انتخاب مجلس شعب، بما في ذلك منع وجود مجموعات مسلحة جهوية أو طائفية أو عرقية يمكن استغلالها  من قبل أطراف إقليمية لاستثمار أي حادثة كشرارة قابلة لاشتعال الوضع داخل البلاد.

إذا أردنا ألّا نسقط في «الحفرة الحرب الطائفية» يجب اجراء تحقيق مهني شفاف في أيّ حادث يستند إليه غضب شعبي، مع نشر الأدلة والنتائج بسرعة لتشتيت شائعات التحريض وتقديم المذنب من أي طرف كان لمحاكمة عادلة يوضع الرأي العام بصورة تطوراتها تدريجيا.

المحاسبة الحازمة للمسؤولين عن الاعتداءات على المدنيين أو تدنيس دور العبادة وعدم الإفلات من العقاب هو مطلب شعبي سوري أولا، وإن ترافق مع عدالة تنصف الأسر المتضررة لن يلجأ أي طرف للمجتمع الدولي أو لأعداء سوريا.

في هذا المقام، يمكن الإشارة لحديث الحكومة السورية عن آليات احتواء مجتمعية (شيوخ، وجهاء، مؤسسات مدنية) لتثبيت السلم الأهلي والمصالحة في اطار خارطة الطريق بدعم امريكي – أردني يمكنها العمل كخط دفاع أول ضد التحريض، وأنها بدأت تتحمّل مسؤولية تهدئة الأجواء، لكن يجب عليها شرح نتائج التحقيقات للناس على الأرض.

أمّا الاعتماد على منطق الردّ الشعبي والعقلية العشائرية الثأرية- من الجانبين- فسينتج دوّامة دامية لا نهاية لها؛ وفي نهاية المطاف لن تحمي أحدًا، بل هو تجهيز قبر أكبر لضحايا أكثر، وقتها سيكون العامل الإسرائيلي أو أيّ لاعب خارجي مستعد للنفخ في الجمر تحت الرماد بهدف اشعال المنطقة من جديد، فيسقط السكان ضحايا على مذبح المشاريع الحزبية والمصالحة الفردية الضيقة لبعض الشخصيات ثم تدفن آمال بناء الدولة المدنية والتماسك الاجتماعي.

في النهاية، نتمنى استأنف المساعي لتهدئة الأوضاع عبر قنوات قانونية واجتماعية ينخرط فيها قادة الرأي بالمجتمع السوري، وأن تتعامل الحكومة وكل الأطراف الوطني بحزم وعدم التسامح مع حوادث الإساءة وأصحابها لقطع رأس الفتنة بسيف العدالة والحقيقة بهدف حماية المجتمع من الوقوع في كارثة جديدة ينتظرها المتربصون!