«البارحة فجروا في مسجد الإمام علي مشان يثيروا غضب العلويين… وسيفجرون بمكان آخر»؛ بهذه الكلمات وضع إمام مسجد علي بن أبي طالب في حمص، محيي الدين السلوم، التفجير الإرهابي في سياقه الحقيقي: مشروع فتنة مدروس لضرب الدولة الوطنية. لذلك جاء كلامه، خلال تشييع ضحايا الهجوم، تحذيراً واعياً من الانزلاق إلى مسارات خطرة، في ظل سعي أطراف معروفة إلى تفجير البلاد من الداخل. وحذّر السلوم بوضوح من «الفتنة»، مشدداً على الركون إلى العقل والهدوء والصبر، حتى لا نذهب إلى حيث «يريد أعداء الوطن»، عبر إشعال نارٍ لا تنطفئ إذا اشتعلت.
هذا الخطاب مطلوب اليوم من جميع الأطراف. فلا خطاب غزال غزال، الهادف إلى تجييش العلويين ضد دمشق، ولا خطاب المتطرفين والمحرضين من الأطراف الأخرى، يخدم المجتمع السوري في هذه المرحلة الانتقالية الحساسة، فخطاب التحريض والتجييش لا يؤدي إلا إلى تعميق الانقسام وتقسيم البلاد. وبعد حقبة دامية، رسم انفجار مسجد حي وادي الذهب في حمص ملامحها الأولية، باعتباره محطة ضمن مسار تصعيدي واضح انتهجته التنظيمات المتطرفة، وعلى رأسها داعش، رداً على تكثيف العمليات الأمنية ضدها خلال الأسابيع الأخيرة.
فالهجوم، الذي أوقع ثمانية قتلى على الأقل وعشرات الجرحى أثناء صلاة الجمعة، حمل رسالة سياسية وأمنية مفادها أن الحكومة الجديدة غير قادرة على بناء الدولة الوطنية أو حماية مواطنيها، من خلال نقل المعركة إلى ساحة المجتمع نفسه، عبر استهداف مكان عبادة في منطقة ذات حساسية طائفية عالية، على عكس هجمات التنظيم في تدمر ومعرة النعمان، أو تفجير الدراجة النارية في البوكمال، فإن هجوم حمص صُمم ليكون قابلاً للاستثمار الإعلامي والطائفي، لتأكيد حضور التنظيم على الساحة السورية، وبهذه النقطة تحديداً، يلتقي خطاب غزال غزال مع خطاب داعش في استغلال الحدث وتوظيفه سياسياً.
وتُعدّ حمص هدفاً مثالياً لمحاولة إشعال فتنة طائفية واسعة، قد تفضي إلى تهجير جزء من سكانها بما يخدم مشاريع التقسيم على أسس طائفية، وهو ما حذّر منه بوضوح إمام المسجد محيي الدين السلوم، حين دعا إلى التعقل وعدم الانجرار وراء ردود الفعل التي يسعى منفذو الهجوم إلى استدراجها، هذا الوعي المجتمعي، بقدر ما يشكل عامل تهدئة، يمثل أيضاً خط الدفاع الأول في مواجهة استراتيجية التنظيمات المتطرفة التي تراهن تاريخياً على تفجير الداخل، ويساعد هذه التنظيمات، عن قصد أو من دونه، بعض زعماء الطوائف، وعلى رأسهم غزال وحكمت الهجري، حين يقدمون لها الذرائع اللازمة لكسب أنصار لنهجها العدمي، الذي يختصره بعض المتطرفين من مختلف الطوائف بعبارة واحدة تعميمية يروجون لها على وسائل التواصل الاجتماعي: «ما فيهم الشريف» يقصدون الطوائف الأخرى.
من الضروري اليوم توضيح ان البداية الحقيقية لهذا التصعيد كانت من بادية حمص، إذ كثفت وزارة الداخلية والاستخبارات السورية عملياتها الأمنية ضد تنظيم داعش، في اليوم التالي لهجوم تدمر الذي استهدف اجتماعاً لمسؤولي البادية السورية مع وفد من التحالف، ما أدى إلى مقتل جنديين أمريكيين ومترجم، في 13 كانون الأول/ديسمبر. وتجاوز عدد العمليات الأمنية في هذه الموجة المتصاعدة عشر عمليات، شملت تدمر والبادية السورية، وإدلب (معرة النعمان، سراقب)، ومدينة دمشق وريفها (دمر، داريا، المعضمية، البويضة، حتيتة التركمان)، إضافة إلى حلب.
وبذلك شكّل هجوم تدمر نقطة تحول مفصلية في مسار المواجهة، إذ انتقلت بعدها وزارة الداخلية، بالتعاون مع القوات الأمريكية، إلى شن عملية واسعة النطاق، بدأت بضربات جوية أمريكية استهدفت مواقع التنظيم في البادية السورية. وأسفرت العمليات، خلال أيام، عن تفكيك مجموعة خلايا، وتحييد من يُعرف بـ«والي دمشق» و«والي حوران». وعلّق وزير الداخلية، أنس خطاب، حينها عبر منصة (X) قائلاً: «يمثل إنهاء ملف اثنين من الولاة من قادة تنظيم داعش في سوريا خلال أقل من 24 ساعة حلقة جديدة من حلقات المكافحة المستمرة لهذا التنظيم الإرهابي، بالتعاون مع الشركاء الدوليين».
ميدانياً، بدا هجوم حمص أضعف من هجمات داعش السابقة، التي اعتاد تنفيذها عبر تفجيرات مزدوجة وعمليات انتحارية، ما يعكس تراجع قدرات التنظيم في مقابل تنامي الدعم الدولي الذي تحظى به دمشق في معركتها ضد الإرهاب، ومع ذلك، تبقى المسؤولية الأكبر ملقاة على عاتق المجتمع السوري نفسه، في إفشال رهانات التنظيمات المتطرفة والانفصاليين الساعين إلى تشتيت الجهد الأمني عبر تأليب الرأي العام ضد الحكومة، وهو ما يفسر تأكيد الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية أن «معركة السوريين معركة ناجحة ضد الإرهاب»، في إشارة إلى إدراك السلطات لطبيعة المواجهة والاستعداد لارتداداتها، خصوصاً في ظل قرارات دمشق بالانخراط في التحالف الدولي.
وإلى جانب كونه رداً ميدانياً من داعش على الضربات الأمريكية في البادية والعمليات الأمنية المشتركة مع الأمن السوري، يمكن إدراج استهداف مسجد علي بن أبي طالب ضمن محاولات إفشال انتقال الحكومة السورية الجديدة من منطق الفصائل إلى منطق الدولة، ومن خطاب الثورة إلى عمل المؤسسات، كما يكرر الرئيس أحمد الشرع. غير أن الإدانات الدولية الواسعة للهجوم تؤكد أن المجتمع الدولي يدرك طبيعة ما يجري، وهو أمر أكده الأمين العام للأمم المتحدة حين أشار إلى إدانة دمشق للهجوم ثم طالبها بحماية جميع السوريين، فالدعم الدولي لدمشق سيزيد نظرا لزيادة هجم تهديد الإرهاب، فيما يبقى المطلوب داخلياً أن تنجح الحكومة في إقناع جميع الأطراف بأن هجوم حمص هو عمل انتقامي يستهدف دمشق قبل أن يستهدف المدنيين، عبر استخدام الفتنة الطائفية وسيلة لإعادة إنتاج حاضنة للتنظيم ضمن فوضى مفتعلة.
و أشار وزير الداخلية إلى هذا الخطر عقب التفجير، حين قال: «في الأمس كنيسة في دمشق، واليوم مسجد في حمص، وهدف ذلك كله زعزعة الأمن والاستقرار في سوريا، وضرب النسيج الوطني»، في إشارة إلى هجوم 22 حزيران الماضي، الذي استهدف كنيسة القديس مار إلياس في حي الدويلعة بدمشق، ربما جاء وقتها في سياق محاولات إعاقة تقدم دمشق نحو التحالف مع الولايات المتحدة، إلا أن الأمور أخذت مساراً جديداً بعد زيارة الرئيس أحمد الشرع إلى البيت الأبيض في العاشر من تشرين الثاني الماضي، وانضمام سوريا رسمياً إلى التحالف الدولي فدخلت سوريا الحرب ضد التنظيم رسميا.
الخلاصة، لا يصبّ في مصلحة أي طائفة، ولا أي منطقة، ولا أي تيار سياسي، استغلال جريمة تفجير المسجد بالمزايدات لتحقيق مكاسب سياسية، عبر تشتيت جهد الدولة السورية في مواجهة التنظيمات المتطرفة حاليا، فغياب القوات الأمنية والعسكرية الحكومية يعني عملياً إفساح المجال أمام داعش وأخواتها لتعيث فساداً في البلاد، ونشر فوضى سيدفع ثمنها جميع السوريين، ولا سيما الأقليات الدينية لن تستطيع ميليشيات طائفية إيقافها حتى لو دعمتها دول إقليمية من مصلحتها تقسيم سوريا.

- هجوم حمص… محاولة تفجير المسار إلى الدولة الوطنية
- انفجار حمص يخلف 9 قتلى و18 جريحا
- الخارجية السورية: تصريحات قادة قسد تناقض الواقع القائم شرق البلاد
- مظلوم عبدي يعلن تقدماً في دمج القوات والمعابر ضمن محادثات تنفيذ اتفاق 10 آذار
- مصرف سوريا المركزي يعلن عن إصدار الليرة الجديدة
