عادت المياه إلى مجاريها بين النظام الإدارة الذاتية الكردية وحكومة نظام دمشق عبر قنوات الراعي الروسي بعد انقطاع لأسابيع، إذن ماذا يحدث بالجزيرة السورية…وكيف انتهى الخلاف بين بشار الأسد وقسد!
في الحالات الطبيعية يستخدم كل طرف في الصراع ما يملك من أسلحة لكسب الحرب أو على الأقل جولة منها فضغط النظام على القادة الأكراد مستغلا الدعم الروسي ضمن أروقة كبرى المنظمات الدولية وهي الأمم المتحدة فوجهت وزارة الخارجية رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس مجلس الأمن بعد القصف الإسرائيلي لدير الزور وصفت قسد بـ “الإرهابية والانفصالية” وهكذا وصفها بشار الجعفري في جلسة غير رسمية حول تجنيد الأطفال نهاية الشهر الماضي.
من خلال الشرعية التي تنشدها قسد من النظام بعد إقصائها مفاوضات جنيف و وأستانا وسوتشي رغم الدعم الأمريكي لها بسبب اعتراض تركيا على اعتبار أنها مرتبطة بحزب مصنف على قوائم المنظمات الإرهابية لدى أنقرة.
وبهذه الشرعية دخلت قوات النظام منبج وعين العرب وعين عيسى وتل تمر وأبو رأسين وحتى الدرباسية لتوقف توسع مناطق سيطرة الجيش التركي، رغم عدم امتلاكها القوة الكافية وربما كان اعتمادها على الهجانة وميليشيا “القاطرجي”، لكن وجودها فعال أكثر من انتشار قسد التي أجبرت مؤخرا على سحب السلاح الثقيل من هذه المناطق رغم محاولتها منع بناء قواعد عسكرية تركية عبر مواجهات في الربع الأخيرمن العام الماضية.
وهذا الصراع برز في الخطاب الإعلامي والدبلوماسي من جهة دمشق حين بدأ بوصف قسد بالميليشيات المرتبطة بالأمريكان مقابل تمسك وسائل الإعلام الكردية بوصف النظام بـ القوات الحكومية وبـ “حكومة دمشق” بعد أن كان اسمها قبل 2019 “النظام البعثي” حتى الانسحاب الأمريكي من ريف حلب والرقة والمناطق الحدودية شمال الحسكة.
ولوح النظام بورقة أخرى هي “الضغط الشعبي” إلى جانب تسليح “العشائر العربية” وهو أسلوب قديم يعتمد على اثارة مشاعر عصبية قبلية يعرف التحكم بها وإن كان ذلك للاستهلاك الإعلامي فقط بهدف التغطية على عمل استخباراته في تصفية قادة كرد في قسد وشخصيات عربية عسكرية أو مدنية تعمل لصالح الإدارة الذاتية الكردية.
وهذا ما أدركه القادة الأكراد وكشفوا عن مسؤولية مخابرات النظام عن التصفيات في مناطق سيطرتهم على لسان نائب الإدارة بدران جيا كرد قبل يوم واحد من الاتفاق الأخير.
أيضا الأكراد ضمن قسد يضغطون على النظام الراغب بالعودة للجزيرة بما يملكون من سيطرة على الأرض وعدد أكبر من القوات وهذا ما شهدناه قبيل مقتل الشرطي محمد الرحيل حين استعرضت “آساييش” الكردية قواتها في مدينة الحسكة، التي تقع ضمن مناطق النفوذ الأمريكي على عكس القامشلي التي تقع ضمن مناطق نفوذ روسيا على أساس اتفاقات تشرين الأول 2019 وما تبعها من انتشار قوات النظام ونقاط روسية على حدود منطقة “نبع السلام” و الحدود مع تركيا.
وعلى هذا الأساس واجهت قسد رغبة النظام بعزل مناطقها في حلب عن الجزيرة ولو مؤقتا عبر الوسيط الروسي، الذي يستمد النظام منه القوة لإعادة وجوده في مناطق جديدة وفتح الطرق لاستجرار النفط والحبوب.
رغم وجود مصلحة متبادلة تعتمد على ثنائية البقاء والشرعية، ما يحدث في الجزيرة السورية بين قوات سوريا الديمقراطية وقوات النظام يظهر منه قمة جبل جليد في خضم مفاوضات بين الطرفين ترعاها روسية حول مصير المنطقة ونفطها في ظل تهديدات تركية ماثلة للعيان قرب الحدود ووجود أمريكي قرب الحقول الكبرى بعزل منافي رميلان والجبسة وشرق دير الزور.
فالنظام هنا “يكاون بقرون من وحل” كما يقال لإدراكه حاجة قسد لمن يحميها من تركيا بقوة “شرعية الوجود” لا بالقوة عسكرية تملكها وتتفوق بها على قوات النظام بالجزيرة لذا أعلن ” انتصار إرادة الشعب” في إشارة لحشده الشارع ضد حصار المربع الأمني بالحسكة.