“آه منا نحن معشر الحمير”، هذا عنوان قصة للكاتب التركي الساخر عزيز نيسن تحدث فيها عن كيفية تحول البشر إلى مجرد “حمير” عندما يلجم الخوف ألسنتهم ويمنعهم من الكلام وربما يحول صيحاتهم إلى “نهيق” غير مفهوم لا أكثر.
تحدث عن تكذيب “الحمار” لنفسه حين شم راحة الذئب ثم سمع صوت خطواته ثم عدوه خلفه ولم يتيقن من كونه وحشا مفترسا إلّا حين أنشب أنيابه في جسده، يريد الكاتب التركي الشهير أن يقول: إن الإنسان يتميز عن الحيوانات بالفطنة والكياسة ولا يحتاج لشرح بالخط العريض ليفهم ما يحاك له أو يدرك الأخطار التي تحيق به من كل جانب قبل أن يواقع نيرانها.
ما زال السوريون المغيبون عن الواقع في مناطق سيطرة الجيش الوطني وقوات سوريا الديمقراطية ومن يؤيد مسارهما بالقياس إلى المصالح الأمنية التركية يغرقون بتفاصيل العمليات العسكرية التركية والرد عليها دون النظر إلى النتائج التي حصدها النظام السوري وحلفائه الروس مما يجري على الأرض عسكريا أو على طاولات أستانا وسوتشي وطهران سياسيا.
المفترض ان السياسيين يستشرفون ماهية الأحداث من مقدماتها لذا هم يمثلون شعبهم في هذه المحادثات حول وقف اطلاق النار و”خفض التصعيد” أو تلك المفاوضات حول شكل الدولة ودستورها و فترة الحكم الانتقالي، التي لا مؤشرات على اقتراب موعدها بعد 11 عاما مرت على أولى صيحات المطالبة بالحرية ربيع عام 2011.
ساد الصمت أوساط السياسيين المعارضين والهيئات المفاوضة في “جنيف” و”أستانا” و”سوتشي” رغم اطلاق الرئيس التركي تصريحات من العيار الثقيل حول اقتراح بوتين على أردوغان التوافق مع النظام السوري لتفعيل اتفاقية أضنة ضد “قسد” والإدارة الكردية شمال سوريا، وهي التي تعيب عليها هيئات ناطق باسم الثورة السورية دوليا أنها أي -قسد- تتقارب مع النظام حاليا وان النظام سلمها حقول رميلان شمال الحسكة مقابل إغلاق الحدود مع تركيا بوجه فصائل الثورة.
واليوم وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، بتصريح نزل كـ “الصاعقة” على السوريين يتحدث عن إجراء محادثة مع وزير خارجية النظام السوري في اجتماع دول عدم الانحياز ببلغراد، وشدد على ضرورة وجوب تحقيق مصالحة بين المعارضة والنظام في سوريا بطريقة ما، على حد تعبيره.
طبعا، لا ننتظر ردة فعل من الائتلاف الوطني ومسؤولي الحكومة المؤقتة والجيش الوطني أكبر من موقف فصائل المنطقة الشرقية التي تركت نقاطها العسكرية للجيش التركي في غرب تل أبيض وقرب عين عيسى و التروازية على طريق حلب الدولي، ردا على تصريحات أردوغان السابقة على تصريحات وزيره.
إذن هناك أطراف دولية جعلت القوى العسكرية المحسوبة على سوريا متساوية لجهة الانتهاكات بحق المدنيين لترضخ لتسوية دولية تساوي بينها، على أساس ضلوع كل منها بتهجير من يعارضهم، وسفك الدماء، واعتقال المدنيين بحجج كثيرة، وقمع الإعلام إضافة للارتباط بتحالف أو دولة خارجية تدعمها ضد الأطراف المتصارعة في سوريا…..الخ من نقاط التشابه بين هذه القوى العسكرية على الأرض.
وهذا هو الأمر الذي يجعل ممثليها في المحافل الدولية أقل قوة وقدرة على تقديم الدليل على أنها تمثل الشعب السوري، وبالتالي إضاعة الثورة في دهاليز المفاوضات ومحاولة تغطية شمسها بأوراق ملفات الانتهاكات الجسيمة ومحاضر جلسات جنيف العبثية، حيث يطلب من الشعب المذبوح الانتظار إلى حين التوافق بين هذا الطرف وذاك على صيغة حكم جديدة للبلاد لا تقول بإزاحة بشار الأسد الذي قتل من السوريين مئات الآلاف بالأسلحة التقليدية والكيماوية وتحت التعذيب في غياهب السجون، هذا عدا عن عمليات اختبار فعالية أسلحة حلفائه الروس والإيرانيين في تدمير المدن السورية.
حتى قسد تصرح لأنصارها بأنها تُقصف من كل جانب ما يعتبر خرق واضح لاتفاق 2019 بضمانة روسية -أمريكية دون أن تكشف لهم أنها تقصف قواعد الجيش التركي دون احترام لهذا الاتفاق، الذي يقضي بانسحابها 30 كلم عن الحدود التركية ولم تفعل، وهي مستمرة في “سياسة التجاهل” واغماض العين عن حقيقية خطورة وجود قادة أجانب بصفوفها ورفع صور عبد الله أوجلان في سوريا إلى أن تجد نفسها مجبرة على التصالح مع النظام وروسيا بمباركة من أنصارها والمؤمنين أن لها ثورتها الخاصة، لكن على “من” لا يعلمون!
قصارى القول: من يسلم دفة القيادة لحليفه وهو في غفلة عن مصالح شعبه، لن يستطيع حتى مناقشة هذا الحليف بمجانبته الصواب بموقفه، وسيكون مجبرا على تنفيذ ما يمليه عليه الحليف “الداعم” فلا الجيش الوطني ولا الائتلاف المعارض يستطيعان ثني تركيا عن قراراتها، ولا قسد قادرة على فرض وجهة نظرها على الأمريكان ولن يقدر النظام بدمشق مخالفة أوامر الروس.
وربما لن يصحوا هؤلاء جميعا ليدركوا ان الخطر داهم، إلا بعد أن ينقض الأسد عليهم لينهش أوراكهم أو ظهورهم تماما مثل فعل الذئب بحمار “عزيز نيسن”!