خرجت تجمعات احتجاجية مناهضة للحكومة السورية مدن وبلدات الساحل السوري ضمن مناطق انتشار الطائفة العلوية، الثلاثاء، وصفها المرصد السوري لحقوق الإنسان بـ“الانتفاضة العلوية السلمية”، في مقابل تجاهل شبه تام للمظاهرات المستمرة منذ أربعة أسابيع في مناطق الجزيرة السورية والعاصمة ضد القوات الكردية (قسد)، والتي خرجت للمطالبة بعودة المهجّرين العرب والإفراج عن آلاف المعتقلين وإعادة مؤسسات الدولة إلى كامل مناطق الجزيرة.

وقال المرصد، أن مظاهرات ضخمة رجت في مناطق عدة، أبرزها اللاذقية، طرطوس، ريف حماة الغربي، وحمص، ففي اللاذقية خرج المتظاهرون في مناطق دوار الأزهري، دوار الزراعة، شارع الثورة، ناحية الدالية، ساحة الحمام، إضافة إلى مدينة جبلة وريفها ومدينة صافيتا والقرداحة. وفي طرطوس شهدت مناطق دوار السعدي، الشارع العريض ومدينة بانياس تجمعات مماثلة، بينما شملت الاحتجاجات قرى أم الطيور، دير الصليب، عناب، نهر البارد، شطحة، مصياف، سلحب، وادي العيون بريف حماة. كما خرج محتجون في حمص بساحة الزهراء، إضافة إلى مناطق أخرى مثل بيت ياشوط وسيغاتا، مطالبين بالإفراج عن المعتقلين ووقف الانتهاكات، في حين قامت القوات الأمنية بمحاولات لفض هذه التظاهرات والحد من توسعها، حسب المرصد.

تُظهر تغطية المرصد خلال الساعات الماضية تركيزًا على نقل عشرات المقاطع المصوّرة من مدن وبلدات الساحل—اللاذقية، جبلة، طرطوس، صافيتا، بانياس، وحماة الغربي—مع إصرار على وصف المحتجين بـ“السلميين”، رغم توثيق شعارات طائفية مثيرة للانقسام، من بينها المطالبات بالفيدرالية وعبارات ذات طابع مذهبي مثل شعار “ياعلي” الذي قتل تحته الكثير من السوريين خلال فترو قمع الثورة السورية.

المرصد “يتجاهل عمدًا هذه العبارات في وصف الفيديوهات، رغم ظهورها بوضوح في تسجيلاته” المنشورة على صفحته، مع التركيز على السلمية وحدها يُقارب الترويج لإشعال الاحتقان الطائفي.

في المقابل، خلال هذه الفترة الماضية، قلّل بشكل منهجي من أهمية الاحتجاجات المناهضة لقسد، ولم يسلّط الضوء على الشعارات المدنية التي حملها المحتجّون، في مقابل تضخيم الاحتجاجات في الساحل وتبنّي سرديات وصياغات تُقارب التحريض المباشر ضد دمشق وحكومة الرئيس أحمد الشرع.

غزال غزال بين آذار وتشرين الثاني

من خلال متابعة منشورات المرصد نجد أنه كرّر الإشارة إلى “الشيخ غزال غزال” بصفته مرجعية تقود الاحتجاجات ويمكن أي هدف هذا لإظهار شخصية قيادية بالمجتمع العلوي تناظر مظلوم عبدي لدى الأكراد وحكمة الهجري لدى الدروز لتسهيل الوصول إلى هدف الفدرلة، دون التذكير بأن دعواته السابقة في آذار الماضي انتهت بمواجهات دامية ومذابح راح ضحيتها مدنيون، ورغم أن المرصد يعرض الرجل الآن بوصفه “قائد الانتفاضة”، إلا أن خطابه الحالي يتضمّن مطالب طائفية واضحة، بينما يشنّ في الوقت نفسه هجومًا حادًا على حكومة الشرع متّهمًا إياها بـ“الإرهاب”، وفق ما نقل بيانه الذي دعا فيه للخروج بالاعتصامات.

وقبيل الاحتجاجات، أصدر الشيخ غزال غزال، بصفته رئيس المجلس الإسلامي العلوي الأعلى، بيانًا حاد اللهجة اتّهم فيه الدولة بأنها أصبحت “سلطة أمر واقع إقصائية”، ودعا فيه أبناء الطائفة العلوية إلى اعتصامات سلمية تبدأ ظهر اليوم التالي (الثلاثاء)، مؤكدًا أن “الفيدرالية واللامركزية السياسية” تمثلان – وفق وصفه – الحل لضمان الحقوق، في خطاب حمل طابعًا تعبويًا واضحًا ورسائل اصطدمت بدعوات التهدئة الحكومية. وبعد انتشار الاحتجاجات في اللاذقية وطرطوس وريف حماة، عاد المجلس الإسلامي العلوي الأعلى ليصدر بيانًا ثانويًا، تبنّى ما جرى واعتبر خروج المحتجين “شرارة أولى لمرحلة لا تُقبل فيها الإهانة”، متحدثًا عن “ضحايا وجرحى” رغم نفي مصادر طبية سقوط قتلى، وداعيًا المتظاهرين إلى العودة لمنازلهم “قبل غياب الشمس” بصورة منظمة. ويلاحظ أن المجلس حرص على تبنّي التحركات وتوجيهها، في الوقت الذي يتجاهل فيه الشعارات الطائفية التي رُفعت في بعض المواقع.

وكان هذا المجلس وجه نداءات في آذار الماضي للانتفاض ضد الحكم الجديد بدمشق، ما أوقع مئات القتلى والجرحى من قوات الأمن والفصائل العسكرية والمدنيين، استبقها بتحذيرات لأتباع الطائفة السنية من أهل الساحل من دعم القوات الحكومية وطالبهم بالالتزام بالبيوت.

وفي الوقت الذي تحدثت تقارير المرصد عن “إطلاق نار مباشر” و”سقوط جرحى” في عدة مواقع، نفت مصادر ميدانية وطبية سقوط أي ضحايا، مؤكدة أن الشاب الذي ظهر مصابًا في أحد المقاطع تلقّى ضربة حجر خلال تراشق بين متظاهرين مؤيدين ومعارضين، قبل تدخل قوى الأمن للفصل بين الطرفين.

موقف وزارة الداخلية

المتحدث باسم وزارة الداخلية، نور الدين البابا، شدّد عبر تصريحات رسمية على أن حق التظاهر مكفول، وأن قوى الأمن الداخلي موجودة لحماية المتظاهرين ومنع الاحتكاكات، وأضاف أن بعض الجهات الخارجية “تسعى لاستثمار الاحتجاجات في الساحل لإثارة الفتنة”، في إشارة إلى الدعوات التي أطلقها غزال غزال وما تخللها من شعارات طائفية.

وأكد البابا أن الدولة السورية “هي الضامن الوحيد لمطالب جميع السوريين”، محذّرًا من الانجرار خلف دعوات الفوضى ومن محاولات “توريط الساحل في صراع لا يخدم أبناءه”.

يرى مراقبون أن المرصد السوري—للمرة الثانية خلال عام—يتبنّى روايات أحادية وموجّهة، ما يعكس رغبة في تأطير الاحتجاجات على أنها انتفاضة علوية في وجه حكومة الشرع بحجة أنها إسلامية جاءت من تيار كان يرتبط بتنظيمات مصنفة عالميا على قوائم الإرهاب.

الخطر الأكبر، أن تؤدي هذه التغطية الانتقائية إلى تعزيز الانقسام المجتمعي وتعمق الشروخ بين السوريين وخلق سرديات طائفية تخدم أجندات دول الجوار وعلى رأسها دولة الاحتلال الإسرائيلي، التي دعمت ميليشيات درزية في السويداء، ما ألهم الأقليات الأخرى بسوريا التحرك بذات الاتجاه,