تأتي انتخابات مجلس الشعب السوري ضمن إطار مسرحية انتخابية مكررة ومحسومة النتائج، ويُجرى تنظيم انتخابات مجلس الشعب وسط انهيار اقتصادي واجتماعي مستمر منذ اندلاع الثورة السورية قبل 13 عامًا، حيث قتل نصف مليون شخص ونزح أكثر من نصف الشعب وهجر إلى مناطق الشمال السوري أو إلى دول الجوار مثل لبنان والأردن وتركيا والعراق وحتى أوروبا، بينما تستمر السلطة في تهميش معاناة الشعب والتركيز على الحفاظ على مظهرها الخارجي أمام العالم.


السيطرة الكاملة للسلطة التنفيذية


التحكم في اختيار المرشحين والممثلين في مجلس الشعب يتم بشكل أساسي من قبل السلطة التنفيذية، حيث يطالب زعماء الميليشيات مثل كتائب البعث والدفاع الوطني بدعم ترشيحهم من قبل حزب البعث الحاكم. هذا النهج يتنافى مع مبدأ الانتخابات الديمقراطية، حيث لا يتمكن الشعب من اختيار ممثليه بحرية وشفافية.

تتولى اللجنة القضائية العليا في سورية إعلان النتائج النهائية لانتخابات مجلس الشعب، حيث يصدر رئيس الجمهورية العربية السورية مرسوماً بتسمية الفائزين بعضوية المجلس. هذه الإجراءات تُظهر بوضوح مدى تحكم السلطة التنفيذية في سير العملية الانتخابية ونتائجها، مما يكرس عدم الشفافية وفقدان الثقة لدى الشعب.


مجلس بلا صلاحيات حقيقية


مجلس الشعب السوري يعاني من صلاحيات دستورية محدودة تجعله امتدادًا للسلطة التنفيذية بدلاً من أن يكون مؤسسة مستقلة تمثل إرادة الشعب. مجلس الشعب ليس لديه صلاحية إعطاء الثقة للحكومات، مما يضعفه ويحد من دوره الرقابي. قانون الانتخاب يعزز هذا الوضع، حيث يُحول المجلس إلى تمثيلات محلية تفتقر إلى الدور السياسي الوطني الحقيقي.


مجالس التصفيق والميليشيات


على مدى العقد الماضي، اشتهر مجلس الشعب السوري بأعضائه الذين لا يترددون في التصفيق بحماس لبشار الأسد، حتى سُمي بـ”مجلس التصفيق”. هذا المجلس الذي يفترض أن يمثل الشعب السوري، تحول إلى تجمع لأعضاء يهرعون لتأسيس ميليشيات مسلحة لدعم الأسد في قمع الثورة والاحتجاجات. مع استمرار هذه العقلية، سيبقى الشعب السوري تحت حكم سلطات ميليشياوية متورطة بالفساد وتهريب المخدرات والسلاح، فيكون ممثلو الشعب المفترضون هم رؤساء تلك الميليشيات، وبرنامجهم الانتخابي للوصول إلى مقعد في مجلس “السلطة التشريعية” هو مدى الولاء للرئيس على رأس هرم السلطة التنفيذية، لذا تحول المجلس تلقائيا للتبعية المطلقة لأن نواب الشعب يشرفون على قتل أفراد الشعب وتهجيرهم إرضاء لرأس السلطة.


الحاجة الملحة للتغيير


الانتقال إلى مرحلة جديدة في سورية يتطلب إصلاحات جذرية في النظام الانتخابي والسياسي. يجب أن يقوم قانون الانتخابات على أساس عصري يتيح للبرلمان التمثيل السياسي الحقيقي للشعب، مع منع تدخل قوى المال والسلطة في العملية الانتخابية. فقط من خلال هذه التغييرات يمكن للشعب السوري أن يحقق العدالة والحرية الحقيقية.


في ظل استمرار الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، تظل الانتخابات الحالية لمجلس الشعب بعيدة عن تلبية تطلعات الشعب السوري. هذه الانتخابات ليست سوى محاولة بائسة لتجميل صورة النظام أمام العالم، بينما يظل الشعب السوري يغرق في مشاكله اليومية. لا أمل في التغيير دون انتقال سلمي للسلطة.

وفق القانون 5 لعام 2014 “قانون الانتخابات العامة”، فإن فئة باء (ب) مقاعدها تخص العمال والفلاحين ولكنها تذهب لشيوخ العشائر ة قادة الميليشيات ورؤساء فروع وشعب حزب البعث، وأيضا يمنع التوكيل في الانتخابات لكن مدير المدرسة أو المختار وحتى رئيس الجمعية يستطيع جمع البطاقات الشخصية لقرية كاملة ليصوت عنها لصالح من يوجه إليه “البعث”، فالواقع يشير إلى سيطرة السلطة التنفيذية وتحكمها بالعملية الانتخابية، مما يجعل هذه النصوص حبراً على ورق. قانون الانتخابات يتحول في التطبيق إلى وسيلة لترسيخ الهيمنة والسيطرة السياسية للنظام الحاكم.

لا حاجة لإعلان نتائج الانتخابات لمجلس الشعب فالنتائج محسومة، والواقع مؤلم يتمثل في استمرار هيمنة النظام على الحياة السياسية في البلاد. الشعب السوري يستحق انتخابات حقيقية تُمثل إرادته وتعبر عن تطلعاته نحو مستقبل أفضل.

ودون تحقيق الانتقال السياسي للسلطة، ستظل سورية تعاني من الفساد والاستبداد، وسيبقى الشعب السوري يبحث عن العدالة والحرية.


محمد الحسون