رغيف الخبز، ذاك المدور الشاحب الذي صمد أمام التعديلات والتغييرات، بات رمزاً لصمود السوريين أمام ضغوط الحياة القاسية، رغم التلاعب بصناعته عبر إضافة النخالة إلى الطحين، أو تخفيض الوزن تارةً، وزيادة الأسعار تارةً أخرى، لا يزال الخبز حاضراً بقوة في حياة الناس، فهو أبسط وأهم احتياجاتهم اليومية.

في بلدٍ يعيش حالة اقتصادية خانقة، حيث لا تتناسب تكاليف الحياة مع دخل معظم الأسر، ولأن الحد الأدنى للأجور مازال بحدود 300 ألف ليرة بينما تتراوح فيه تكاليف المعيشة بين 8 و13 مليون ليرة سورية لعائلة مكونة من خمسة أفراد، يصبح الخبز بمثابة طوق نجاة يعين السوريين على تحمل عبء الأيام الصعبة، فالراتب الشهري لمعظم العاملين لا يكفي لأكثر من بضعة أيام، ولا يجد كثيرون أمامهم سوى اللجوء إلى السوق السوداء لشراء خبزٍ بسعرٍ مضاعف، بعدما قُيّدت حصصهم اليومية عبر البطاقة الذكية التي لا تمنحهم سوى 3 أرغفة بسعر 400 ليرة سورية لا تغطي احتياجاتهم الأساسية، فيشترون بسعر 3 آلاف ما يحتاجونه من خبز.

هذا الرغيف المدعوم، الذي كانت قيمته الرمزية قبل المادية حاضرةً في حياة السوريين، بات اليوم يخضع لقوانين سوق قاسية، تزيد قساوتها قرارات الحكومة في دمشق، فبعدما ارتفعت أسعاره لغير المدعومين ووصلت إلى مستويات غير مسبوقة و 9 آلاف للأجانب داخل البلاد، يفتح باب المضاربة والاحتكار على مصراعيه أمام التجار، ليجد المواطن السوري نفسه أمام خيارين أحلاهما مرّ: إما أن يرضخ للسعر المرتفع، أو يقف في طوابير طويلة في سبيل تأمين الحد الأدنى من الخبز المدعوم، لأن التاجر سيرفع خبزه في السوق السوداء من 5 آلاف إلى حدود تقارب اقتراح الحكومة للسعر المخصص للأجانب حسب قرار وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، هذا القرار الذي يبدو في ظاهره موجهاً لتنظيم الدعم، قد يقود فعلياً إلى ارتفاع سعر الخبز في السوق السوداء ويزيد من أعباء الحياة اليومية للمواطن السوري.

وكأن الوزارة التي تحمل في اسمها “حماية المستهلك” قد أصبحت، بدلاً من ذلك، “وزارة تحميل المستهلك” بأعباء جديدة، لتزيد من شقاء الحياة اليومية، إنها ليست مجرد مفارقة؛ إنها تراجيديا تضاف إلى قائمة المعاناة الطويلة التي يكابدها الشعب السوري.



وكان وزير المالية كنان ياغي أن الدعم بشكله الحالي يشكل خطراً على الموازنة العامة للدولة، فكلفة ربطة الخبز اليوم تصل إلى 8500 ليرة، بسبب رفع سعر كيلو غرام القمح المستلم من الفلاح إلى 5500 ليرة، وكأن الحكومة تريد الوصول إلى البيع بسعر أعلى من التكلفة.


ولأن الخبز في سوريا ليس مجرد طعام؛ إنه رمز للتحدي والصبر، سيبقى محوريا في حياة الناس رغم أن حجمه تقلص وتدهورت جودته وأصبح مزيجاً من الطحين والنخالة، يبقى جزءاً لا يُستغنى عنه في حياة الناس، حتى وإن كان بعيداً كل البعد عن صورته المثالية التي يعرفها السوريون منذ عقود.

ومع كل هذه التغيرات، لا يزال الخبز حاضراً في أحاديث السوريين، يتداولون أخباره بقلق، متسائلين: إلى أي مدى يمكن لهذا الرغيف المدور أن يستمر في تحمّل هذه الأعباء التي تثقل كاهلهم وسط موجة #التضخم الهائلة منذ 2019 عقب فرض العقوبات الغربية، لهذا قد تغامر الحكومة بمستقبلها ومستقبل رغيف السوريين إذا استمرت في هذا الاتجاه نحو رفع الدعم كليا عن الخبز.


محمد العلي