تسعى إلهام مع اترابها بحثا عن خمس حصوات مدورة ملساء كالكرة الصغيرة يستطيع كفها النحيل ضمها مجتمعة عند انقباضه لتبدأ لعبة “الصقلة” الشهيرة بين الألعاب في الموروث الشعبي للجزيرة السورية.
تتحلق الفتيات وأحياننا الفتيان مع الهام (8 سنوات) حول المكان الذي سيكون ساحة “الصقلة” كما يسميها العرب أو “الحفتوك ” عند الأكراد.
ويحدد هولاء الأطفال اللاعب الأول عبر قرعة “تحميل الحجارة الصغيرة على ظهر اليد” وهي عبارة عن رفع الحصى بباطن الكف وإلقائها بالهواء ولف الكف لتستقر على ظهرها ثم قذفها مجددا بالهواء لالتقاط من جديد بباطن الكف، فالشخص الذي يلتقط أكبر عدد من الحصى أو يلتقطها كاملة (5) يكون هو من يلعب أولاً.
كما يتفقون على الرقم الذي سفوز من يصله أو يحج إليه وتسمى “الحجة” وكثيرا ما تحدد بمائة نقطة فما فوق لتطول اللعبة وتشتعل المنافسة ويعتمد ذلك على “التحميل على ظهر اليد” و عدد الخيلان.
وتقول الهام إنها لا تعرف لماذا تسمى المراحل هكذا لأنها تعلمتها من الأطفال الأكبر سنا وهم بدورهم ورثوها من الأجيال السابقة.
في المرحلة الأولى يرمي اللاعب أربع حصوات على الأرض ويقذف الخامسة إلى الأعلى ويلتقط الحصى واحدة تلو الأخرى بالتزامن مع ارتفاع الحصاة الخامسة ويستمر باللعب ما دامت الحجارة لا تسقط من يده أو يحصل ما يعرف بـ “البقطة” وهو افلات إحدى الحصوات الملقاة على الأرض دون سقوط الخامسة.
أما في الدور “الثاني” يحاول اللاعب التقاط الحصى كل زوج في مرة واحدة واستقبال الحصاة الطائرة في اليد ذاتها ويعاود الكرة على مرة أخرى، وفي الدور “الثالث” يتوجب على اللاعب رفع ثلاث من الحصي معا ورفع الأخرى بمفردها.
بعد المرحلة الثالثة ينتقل إلى” التحميل” الذي يعتمد علية اللاعبين لإنهاء “الحجة” المتفق عليها، وحينها تلغى هذه المرحلة لتدخل اللعبة مرحلتان هما “الرابع” أو كما بات يعرف بـ “الطبش” استنادا للصوت الذي يصدر عن العملية تليها مرحلة “الخال “.
و”الطبّش” عبارة عن جمع اللاعب أربعة من الحصى بكفه أثناء قذف الحصاة الخامسة وبعد التقاط الحجر الخامس يعيد الفتى أو الفتاة الحجارة إلى الأرض بعد لمسها بالسبابة لترتطم قبضته فيها مخلفة صوتا مميزاً مع صوت الحصى !
وبالانتقال إلى مرحلة “الخال” ينثر اللاعب الحصى الأربع على الأرض أمام قوس يشكله من لف اصبعه السبابة على الوسطى، فيطلب اللاعب من الخصم تحديد حجر ” الخال” ليكون آخر الحجارة التي يدخلها في القوس، ويمنع لمس هذا الحجر أو تحريكه قبل ذلك، لذا يسحب اللاعب نفسا عميقا قبل إدخال حجر “الخال” إلى جانب الأحجار الأخرى لأن بقاءه خارج القوس يسمح للخصم التقاطه وبالتالي خسارة اللاعب في المرحلة النهائية.
وأحيانا يتفق الفتيان والفتيات على تحديد خال واحد أو أكثر بعد الوصول إلى “الحجة” حسب الاتفاق المسبق، وهنا يظهر تأثير هذه المفاوضات في الأطفال اجتماعيا ونفسيا عبر ترسيخ ونقل العادات والتقاليد من جيل لآخر هذا عدا عن تدريب العقل على الانتباه والحساب.
ويظهر ذلك أيضا عند إعطاء الخصم فرصة لتخلص من العقوبة تسمى الفرص بـ “الحيلة” وهي فرص بعدد الخيلان المتفق عليها فإذا فشل الخصم يعاقب بمرحلة اسمها ” الدقماق” (المطرقة) عبر قذف الحجرة وضرب ظهر يد الخصم بقبضة اليد كالمطرقة وتطورت لتشمل إضافة للمطرقة (الجاكوك) عقوبات أخرى “بسمار و القرص والخرمشة و اللمس”، والأخيرة فهي لمسة لطيفة كمرهم يداوي تلك العقوبة ويدخل المحبة والسرور على القلوب وتنهي تشنج المنافسة وألم العقوبة عند الخاسر.
ويذكر المؤرخ والباحث السعودي صالح بن محمد المزروع إن لعبة “الصقلة” خاصة بالبنات، وسمى الرابع “الطبة” وتحدث أن “الخال”، وهو وضع الحصوات على ظهر الكف بشرط ألا تقل عن اثنتين.
ويختار الخصم إحدى الحصوات التي على ظهر الكف فيقذف بالحصوات إلى أعلى ويتلقف الحصاة المحددة بالخال، فإن نجح استمر إلى المرحلة الأخيرة، وهي مرحلة «العكف والجدة»، وذلك بثني الكف ووضع الإصبع السبابة على الوسطى بحيث يكون من نصف دائرة بارتكاز الإبهام والوسطى، ثم يدخل يده الأخرى من أسفل الذراع المرتكز فيقذف بالحصوات خارج القوس فيختار الخصم الحصاة التي يرى أنها في أصعب مكان وتمسى «الجدة»، حيث يقذف اللاعب المصقال إلى أعلى وسحب حصاة واحدة لإدخالها من خلال القوس بحركة فنية وسريعة.. إلى أخر اللعبة.
وفرق الباحث الصقلة عن لعبة “المصاقيل” ولعب أخرى يلعبها الأولاد كالكلل التي تسمى “كرات “البلي”.