لطالما أكدت فصائل السويداء أنها قادرة على ضبط الأمن في الجبل دون الحاجة إلى قوات عسكرية من دمشق، ورفضت دخول قوات الأمن العام قبل أسابيع بناءً على هذا المبدأ، كما أبدت استعدادها للانخراط في جيش وطني يمثل جميع السوريين، واليوم، مع إعلان “المجلس العسكري في السويداء” وتصريحات نتنياهو، تصبح هذه الفصائل أمام اختبار حقيقي: هل تلتزم بموقفها السابق وتحمي المحافظة من الكيانات المشبوهة، أم تترك المجال مفتوحًا أمام التدخلات الخارجية التي تترصّد الجنوب؟

🔹 “المجلس العسكري”.. غطاء لفلول الأسد

منذ سقوط نظام الأسد، حاولت بقاياه إعادة التموضع تحت مسميات مختلفة، مستغلةً الفوضى الحاصلة في بعض المناطق السورية. الحديث عن “المجلس العسكري في السويداء” يندرج ضمن هذه المحاولات، تمامًا كما كشفت التقارير عن تحركات مجموعات من جيش النظام السابق قرب سد تشرين، حيث يقاتلون اليوم إلى جانب “قسد” وفق تصريحات الدكتور ناصر النقري عن 2500 جندي بقيادة ضابط برتبة لواء. فهذا المجلس ليس أكثر من محاولة لإعادة إنتاج نفوذ فلول النظام في الجنوب السوري تحت غطاء جديد.

المجلس العسكري في السويداء، الذي قدم نفسه كجهة وحيدة يعترف فيها التحالف الدولي، سبق أن أعلن عن تدوين قاعدة بيانات للضباط و صف الضباط و الأفراد الذين كانوا يخدمون في الجيش و قوى الأمن الداخلي للمطالبة بحقوقهم و رواتبهم، في مقره مقابل الفندق السياحي بالسويداء.

وفي آخر بياناته، قال بأنه يريد دولة “ديمقراطية علمانية لا مركزية، مع التأكيد على رفض التطرف الديني والفئوي وحكم العسكر”، وهو يريد أن يقول أنه يرفض السلطة القائمة في دمشق في حين سكت على حكم آل الأسد 54 عاما، وهذا يفسر ترحيب حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي ببيانات المجلس.

🔹 حسابات إسرائيل ومخاطر التوظيف الخارجي

لم يكن مفاجئًا أن يسارع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى التعليق على تحركات هذا المجلس، مؤكدًا أن إسرائيل لن تسمح لقوات “هيئة تحرير الشام” أو الجيش السوري الجديد بدخول المناطق الواقعة جنوبي دمشق، ولن تتسامح مع أي تهديد للطائفة الدرزية. هذه التصريحات، إلى جانب انفتاح “قسد” على التنسيق مع تل أبيب، وفق ما قاله مظلوم عبدي عن ترحيببه بالدعم الذي يأتي من أي جهة فكيف إن كان من إسرائيل التي وصفها في مقابلة على بي بي سي بــ “دولة لها تأثير في أمريكا والغرب والمنطقة”.

إذا استمر هذا “المجلس العسكري” في نشاطه، فمن السهل أن يصبح واجهة لتدخلات إسرائيلية أو غيرها، تحت ذريعة “حماية الدروز” أو “محاربة الإرهاب”، تمامًا كما استُخدمت ذريعة “الإرهاب” لتبرير التدخل الأمريكي في الشرق، و التدخل التركي في الشمال.

🔹 الفصائل المحلية أمام مسؤولية تاريخية

لماذا تصر الفصائل الكبرى في السويداء، مثل “غرفة عمليات الحسم” و”العمليات المشتركة”، على رفض الاعتراف بهذا المجلس؟ لأنهم يدركون أنه مجرد أداة لخلق واقع جديد يخدم أطرافًا خارجية، وليس أبناء الجبل. حتى الشيخ حكمت الهجري، الرئيس الروحي للطائفة الدرزية، وصفه بـ”الانفصالي”، وهو توصيف لا يتعلق فقط برغبة المجلس في حكم لا مركزي، بل أيضًا بسبب تنسيقه مع جهات خارجية أو على الأقل التناغم مع الإملاءات القادمة من خارج سوريا.

إن سكوت فصائل السويداء التي شاركت في السيطرة على دمشق عن هذا الكيان يعني السماح له بفرض نفسه كأمر واقع، مما قد يؤدي إلى تداعيات خطيرة أبرزها:

  1. شرعنة التدخلات الخارجية، سواء من إسرائيل أو غيرها، بحجة ضبط الأمن.
  2. إضعاف سلطة الفصائل المحلية، التي قدمت نفسها سابقًا كضامن لاستقرار السويداء.
  3. إمكانية تحوّل هذا المجلس إلى تهديد مباشر ضد الفصائل نفسها، بعد أن يصبح لديه دعم خارجي.
  4. تهديد وحدة سوريا بشبح التقسيم على الأساس الطائفي والعرقي.

لم يعد كافيًا إصدار بيانات الرفض والاستنكار، فالخطر يتمدد سريعًا. على دمشق وقبلها الفصائل المحلية اتخاذ خطوة عملية لمنع هذا الفيروس المتحوّل من الترسخ، سواء من خلال عمل عسكري مباشر، أو بدعوة القوات الحكومية للتحرك فورًا.

المعركة اليوم ليست بين تيارات متنافسة، بل بين مشروع وطني يريد الحفاظ على الجنوب السوري في إطار وحدة البلاد، التي تتطلب من دمشق إثبات تمثيلها لجميع السوريين، وبين مشروع مشبوه يسعى إلى تفكيكه خدمة لأجندات خارجية، والمسؤولية الآن تقع على عاتق من رفضوا دخول دمشق سابقًا، وأصرّوا على أنهم قادرون على حماية السويداء بأنفسهم، فهل يكونون عند التحدي؟