محمد الحسون – عربان نت

خلال هذا الأسبوع تضرع أهالي مدن وبلدات الجزيرة السورية إلى الله عبر صلاة الاستسقاء طلبا للغيث بعد احتباس المطر عن ومناطقهم ما أثر على الزراعة وتربية الحيوانات وأسواقها نتيجة القحط وموجات الصقيع المتتابعة مع دخول شهر كانون الثاني.
دعت المساجد السكان لحضور صلاة الاستسقاء في مدن وبلدات الرقة والحسكة ودير الزور.

ولم يكتف الأهالي بذلك فظهرت مجموعات من النساء والأطفال في القامشلي وريفها تستسقي بطريقة أخرى يعرفها سكان الجزيرة منذ القدم بـ “أم الغيث” وهي طريق معروفة في سوريا والأردن والعراق والكويت ولها أناشيد لا تختلف عن بعضها كثرا في المعني يظن الأهالي أنهم يتضرعون عبرها إلى الله لينزل المطر عليهم مدرارا.

تجمع النساء مع الأطفال بالقرى ويطوفون على المنازل لجمع الحبوب من المنازل لسلقها ثم نثرها فوق المنازل وإطعامها للأطفال و الطيور وهم يرددون:

أم الغيــث غيثيــنا … بلِّـي بشيِّـت راعـينا
راعينا “حسن” أقــرع…لُـهْ سنتين ما يـزرع
والشعير بطول الباب…والحنطة لـ الركاب
أم الغيث ياريّا …. عبي الروايا ميّا
كثري العشب لأم خنينة…تكثرلنا دهينا

وعند الوصول إلى أحد المنازل يرددون الجزء الذي يذكر صاحبة المنزل بوجوب إعطاء القمح أو البرغل وحتى السميد ومواد أخرى في بعض المناطق، وعندما تقصر يصبح الكلام ضدها حادا مع وصفها بالبخل، لذا يسارع أصحاب المنزل بتقديم ما تيسر من القمح والبرغل وغيرها من الأغذية بما فيها الخبز مع رش الماء عليهم، ومما يناسب قوله في هذه اللحظات:

أم الغيث غيثينا ….. حلِّيْ صْراركْ وانطينا
التنطيـنا بالغـربـال………..يصبح ولدها خيَّال
والتنطيـنا بالطبشي…….يصبح ولدها يمشي
والتعطينا بالطاسة…….أم حجول رقاصة
والتنطينا بالمقلى … يصبح ولدها يقرا
التعطينا بالحفنة …جوَّا القاع مندفنة

وأضيفت بعض الأبيات مع الزمن لمخاطبة ربة المنزل رغم وضوح مخاطبة البيت الأول للغيمة أم الغيث والمطر، فبات فيها عبارات جديدة، ومنها جزء لمناجاة الله للتلطف بالأطفال الذين لا علاقة لهم بما اقترفت أيادي الكبار من ذنوب فيقولون وهم يحملون صحونهم والملاعق:
ربنا يا ربنا تسقي زرعنا … والكبار مذنبين واحنا إيش ذنبا!

وذكر الباحث أحمد حسين كلمات “الترنيمة” كاملة في “التراث العربي” في الصفحة 98 من العدد 66 تحت عنوان: “طقوس المطر في الجزيرة السورية”، واعتبرها صدى الحضارات القديمة في تراث المنطقة فهي تشبه الترنيمة التي تردد لآلهة الخصب “عشتار” البابلية أو تمثل “انانا” السومرية:

أم الغيث ياريّا …عبي الحوايا ميّة
أم الغيث زعلانة …تجيب المطر من عانة
يا الله مطر يالله طين …تا تشبع الحواوين
تاتشبع أم خنينة…..وتكثرلّنا هالدهينة
التعطي بالطبشي …صبح ولدها يمشي
التعطي بالطاسة …أم حجول الرداسة
التعطي بالغربال… صبح ولدها خيال
التعطينا بالحفنة … جوى القاع مندفنة

وفي بعض المناطق يكتفون بالغناء وجمع القمح والعدس ظنا منهم أنهم يخاطبون الغيمة مخزن المطر وفي مناطق أخرى مازالوا يصنعون دمية من الخشب أو كما يقال محليا “عاجة” أي تشكيل عودين على هيئة امرأة، ثم يلبسونها ثوباً نسائيا وفي بلدان عربية يشترط أن يكون لشخص صالح، ويضعون على رأسها كوفية لتظهر وكأنها رأس لها ويطلقون عليها اسم “أم الغيث”.

ورغم اندثار هذه العادة التي يعدها بعض الباحثين ترجمة لموروث ديني لسكان المنطقة لعصور ما قبل الإسلام شهدنا ظهورها في مدينة القامشلي وأريافها هذا العام وخلال السنوات القليلة الماضية.

وارتبطت هذه العادة بالأساطير مثلها مثل قرع الطناجر واطلاق النار عند خسوف القمر أوكسوف الشمس اعتقادا منهم أن الحوت ابتلعه، ولا شك أن هذا الطقس استمرار لطقوس الخصب القديمة دون أن يدرك الناس ذلك لأنهم ورثوها من أسلافهم أو من شعوب يجاورونها من ديانات أخرى غير الإسلام في منطقة الرافدين وهي كثيرة.
و طقس “أم الغيث” يأتي بعد تأخر هطول المطر واحتباسه حتى في كوانين “شهري كانون الأول والثاني” وكثيرا ما يظهر في أشهر الربيع حين يكون الزرع بالجزيرة الفراتية بحاجة ماسة للمطر.