في كل صباح يغادر “محمد” المنزل إلى مكان عمله بخطوات واثقة ونظرات تحمل حزنا يتدفق من فتحة كوفية لف رأسه ومعظم وجهه بها، استعدادا ليوم شديد الحرارة في مدينة الشدادي النفطية جنوب الحسكة.

يتحمل محمد الفرحان (11 عاماً) مسؤوليات رجل يملك عائلة، فهو يعمل بمحل تصليح الدراجات النارية هذا بسبب حالة عائلته المعيشية السيئة، رغم أنها مهنة “صعبة” بالنسبة لطفل في سنه وذلك ليساعد والده في إعالة الأسرة.

وتسببت ظروف الحرب بارتفاع معدلات "عمالة الأطفال" إلى مستويات خطيرة، فأمسى  مئات آلاف الأطفال السوريين بينهم "محمد وحسين" يتحملون الجزء الأكبر من المأساة بتحسين ظروف عائلاتهم، داخل البلاد وخارجها فكثير منهم يعملون بالزراعة وورشات الخياطة بتركيا على حساب تعليمهم.


بخفة وبيدين ملطختين بزيت المحركات، يباشر تنفيذ تعليمات صاحب الورشة من خلال تجهيز دراجات الزبائن لـ “المعلم” كي يصلحها بعد أن كشف عليها وحدد أعطالها تبديل الكوليات أو البيليات للعجلات.

يقول محمد صوت منخفض: “لا أفكر بالمدرسة رغم محبتي لها.. أفكر فقط بالعمل وجني المال لمساعدة أبي المريض بمواجهة مصاعب الحياة وارتفاع أسعار كل شيء “، مشيرا إلى أن والده يعاني من بتر بالقدم اليسرى يعيقه عن العمل”.

يتابع “لهذا انتظر تتحسن الأوضاع لأستبدل عدة الإصلاح بالقلم والدفتر”.



أيضا، يعيش “حسين العلي (10 أعوام) في محل لإصلاح إطارات السيارات (كومچي) الظروف ذاتها، فترك مقاعد الدراسة منذ 3 سنوات بسبب مرض والده، ما أجبره على على تحمل مسؤولية العائلة مبكرا لإطعام إخوته في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية بالمنطقة.

دخل المدرسة لمدة سنتين فقط، يوق ل:” كانت أيام جميلة تحمل ذكريات مع أصدقائي بين جدران مدرسي”، يستدرك قائلا “أذهب لأمر أمامها واسترجع بعض الذكريات…واشتاق للعودة إلى الدراسة لكن هذا صعب” فأصدقاؤه أمسوا اقتربوا من إنهاء الصفوف الابتدائية.


“اجباري تركت…اجباري معد يمشي الحال…لازم اشتغل مشان المعيشة ..شايف شلون”، بهذه الكلمات يعلن “حسين” أنه ومن مثل من الأطفال لا يملكون الخيار فإما العمل بأعمال لا تتناسب مع قوة أجسادهم الغضة عضوا عن أهلهم أو مواجهة تبعات الفقر والجوع .

يعلم انه عمل متعب ولكنه تأقلم وبدأ ينفذ كل ما يطلبه صاحب العمل مقابل راتب شهري يصرفه والده على احتياجات المنزل والعائلة من مواد أساسية.

احتفلت الأمم المتحدة باليوم العالمي لمكافحة عمل الأطفال لهذا العام من خلال “أسبوع العمل ضد عمل الأطفال” في الفترة من 3 إلى 12 يونيو 2022 لإبراز التقدم المحرز في القضاء على عمل الأطفال، والتي تقول إنه في أقل البلدان نموا، يلتحق طفل واحد من بين أربعة أطفال (ممن تتراوح أعمارهم بين سني 5 و 17 سنة) في أعمال تعتبر مضرة بصحتهم ونموهم، منهم ملوني طفل في البلاد العربية.

وتزجّ عائلات الفقيرة في مدينة الحسكة وريفها بأطفالها في أعمال ومهن تُعد غالبيتها شاقة بالمقارنة مع البنية الجسدية لهؤلاء الأطفال الذين لم يتجاوز بعضهم سن الحادية عشرة، وغالبا ما يكون الأهل من الأميين أو من النازحين عن مناطقهم سواء نتيجة الحرب أو طلبا للرزق.

محمد خلال العمل – دجلة


وتشكل “عمالة الأطفال” خطرا جديا على صحتهم الجسدية والنفسية لعملهم في الورشات ومشاغل سابقا في المدن السورية الكبيرة قد يتعرضون خلالها لتسلط من هم أكبر منهم، وحاليا ظهرت أعمال أشد خطورة هي ورشات تصليح الأليات وتنظيف الحراقات النفطية والعمل لدى أصحابها في تصفية النفط.



ومن الصعب طرح موضوع مكافحة ظاهرة “عمالة الأطفال” في سوريا في ظل ازدواج السلطات وتعدد مناطق السيطرة وضعف السلطات المحلية وقلة اهتمامها بالأوضاع الاجتماعية لانشغالها بمنافسة السلطات الأخرى عسكريا وقد لا تتورع عن تجنيدهم في الكتائب العسكرية لصالحها.