كان مؤيد الديراني في مركز طبي في مدينة دوما عاصمة ريف دمشق ليلة السابع من أبريل نيسان عندما بدأ المرضى يتدفقون.
كان الكثير منهم يعاني من الاختناق ونوبات ضيق التنفس بعد هجوم مزعوم بغاز سام على جيب كانت تسيطر عليه المعارضة.


وقال الديراني إن الأطباء هرعوا لخلع ملابس المرضى وغمرهم بالمياه وحقنهم بالأتروبين. لكنهم لم يتمالكوا أنفسهم “انهارت أعصابنا وتلبكنا وتربطت أيادينا لم نعرف ماذا نفعل”.


وتابع “الطائرات كانت بعدها بالجو”.


وقالت رشا إدلبي إحدى الناجيات من الهجوم إن الغاز جعلها غير قادرة على التنفس.


وأضافت “نحن كنا بالقبو قاعدين، كان وقت العشاء حوالي الساعة السابعة ونص، ما لقينا غير كتير في ضرب، وما حسينا غير ريحة كلور كتير قوية، وصاروا يقولوا إن النظام ضارب كلور ما عرفنا شو بدنا نساوي حطينا كمامات للأولاد بس كتير الريحة بلشت (بدأت) عندنا وعبقت أنا ما عدت حسيت صاروا عيوني كتير يدمعوا”.


ومضت تقول “دُخت بعدين ما لقيت حالي غير زوجي حاملني وآخذني على النقطة (المركز الطبي)، وعيت بالنقطة .. والممرضة عم تسفقني (تصفعني) عشان أًصحى”.


وقال الديراني (20 عاما) وهو مصور كان يعمل على توثيق حالات ضحايا الهجمات أثناء الحرب إن المسعفين كانوا بالفعل يعملون بكامل طاقتهم بعد أسابيع من قصف المدفعية والغارات الجوية التي يشنها الجيش.


ويقول إنه أمسك بكاميرته وارتدى قناعا وخرج يركض مع رجال الطوارئ إلى موقع الهجوم القريب.


وقال “في الطريق شفنا جثثا في الشارع كانوا محاولين يهربوا أو يطلعوا وما لحقوا”.


وتقول مجموعات الإغاثة الطبية إن عشرات الرجال والنساء والأطفال قتلوا في هجوم بغاز سام في دوما في تلك الليلة.
ونفت دمشق وحليفتها موسكو التقارير عن وقوع هجوم بسلاح كيماوي.


وشنت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا ضربات صاروخية يوم السبت ردا على الهجوم الكيماوي المزعوم في أول تدخل عسكري غربي منسق ضد بشار الأسد منذ بدء الحرب المستمرة منذ أكثر من تسع سنوات.


ووقع الهجوم الكيماوي في الأيام الأخيرة لهجوم نفذته قوات الحكومة على دوما التي كانت آخر مدينة تسيطر عليها المعارضة في الغوطة الشرقية التي استعادها جيش النظام في فبراير شباط.


وتحدث الديراني مع رويترز عبر الهاتف إنه عندما وصل إلى المبنى الذي وقع به الهجوم وجد نحو 30 جثة على الأرض لأشخاص كانت أعينهم مفتوحة وتخرج الرغى من أفواههم.


وقال “المنظر اللي كمان ما بيروح من بالي منظر الشهداء بالبيت كيف فوق بعضن ما في مكان ندعس عليه ونمشي. كان فيه شهداء كتير في البيت. والبيت كان صغير”.
وأضاف “منظر فظيع جدا”.


توقف الديراني عن التقاط الصور وهرع خارجا طلبا للإسعاف بعد أن تحرقت عيناه وضاق نفسه وقال إنه كان يسعل كذلك ويشعر بألم في معدته.

وقال “المناظر اللي شفتها ما بتروح من بالي وعمري ما بتنمسح من ذاكرتي، خصوصا منظر الأطفال أكتر شي أثر فيني. الأطفال اللي عم تموت خنق أدامي (أمامي). الطفل، تخيلي، طفل بالأرض عم يرشوا عليه مي… وهو يختلج ونحن غير قادرين على أن نفعل له شيئا.

ناطرينه (منتظرينه) وهو بين إيدين رب العالمين يا إما يتحسن يا إما يتوفى. وندعي أن يتوفى ولا يتعذب هذا العذاب”.لا


وتابع “منظر النقطة الطبية اللي كانت مليانة على الآخر … كله عم يبكي، الكادر الطبي عم يبكي، وأنا أيضا وكلنا نبكي وما قدرانين نعمل شي. هاد اليوم ما بيروح من بالي طول ما أنا عايش”.


وذهب مسعفون إلى الموقع في اليوم التالي بحثا عن المزيد من الجثث. ودفن أقارب الضحايا ذويهم بعد بضعة أيام.


وتقع دوما في منطقة الغوطة الشرقية قرب دمشق حيث تعرضت ثلاث بلدات لهجمات بغاز أعصاب قتلت مئات في عام 2013.


وقالت رشا إدلبي إن واحدة من ابنتيها الصغيرتين “ازرق لونها” على الفور لأنها كانت تعاني بالفعل من مرض بالرئة من قصف كيماوي سابق. وتحدثت مع رويترز من مخيم للنازحين في منطقة تسيطر عليها المعارضة في شمال سوريا.


وقالت “ولحد هلق نفسي بيضيق ما بآخذ نفس مليح ووجع الرأس ما عبروح مني بنو”.


رويترز